المجلس القومى.. ركيزة حماية حقوق المواطنين
المجلس القومى.. ركيزة حماية حقوق المواطنين
فى العام 2003، تأسس المجلس القومى لحقوق الإنسان، بهدف تعزيز وصيانة ونشر ثقافة حقوق الإنسان فى مصر، وتولى رئاسته الأولى بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، ويُصدر المجلس تقارير سنوية تخص وضع حقوق الإنسان فى مصر، بهدف تحسين السياسات بما يخدم كل ما يتعلق بالشأن الحقوقى. ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية المجلس بمناسبة صدور تقريره فى 2009 بأنه «شركة استشارية تابعة لمجلس الشورى»، ولكنها مع هذا اعترفت بأن التقرير السنوى الصادر عنه قد سلط الضوء على انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الإنسان، مثل فرض حالة الطوارئ، وسوء معاملة المواطنين المعتقلين وضعف قوانين مكافحة الإرهاب والقيود المفروضة على الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية وقتها.
تصادم مع نظام مبارك.. واختطفه الإخوان.. وأرسل 96 بعثة تقصى حقائق فى 5 سنوات
وفى 2007، اتهم المجلس القومى لحقوق الإنسان الحكومة المصرية بارتكاب تزوير أثناء الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور، وذكر المجلس أن الحكومة أجبرت العاملين فى القطاع العام على الإدلاء بأصواتهم وقيدت وصول المراقبين إلى مراكز الاقتراع. وفى أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك، أظهرت اللجنة التى شكلها المجلس مسئولية «مبارك» ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلى، وآخرين من الحزب الوطنى المنحل، عن قتل المتظاهرين السلميين أثناء الثورة التى سبقت التنحى.
وتعرّض المجلس لما يشبه عملية السطو من قبَل جماعة الإخوان بعد وصولها للسلطة فى أعقاب الثورة، وفى سبتمبر من عام 2012 أعلن مجلس الشورى عن تعيين 27 عضواً جديداً فى المجلس، على رأسهم المستشار حسام الغريانى، كرئيس للمجلس، كما اشتمل التشكيل الإخوانى على عضوية صفوت حجازى، وعبدالله الأشعل، وعبدالمنعم عبدالمقصود، ومحمد البلتاجى، ومحمود غزلان، ووجدى العربى. وقال محمد عبدالنعيم، رئيس المنظمة المتحدة الوطنية لحقوق الإنسان، لـ«الوطن»، إن المجلس سواء أدى دوره 100% أو لم يفعل، فإنه يبقى لبنة أساسية فى البنية التحتية للحقل الحقوقى والمدنى فى مصر، وإنشاؤه يعكس تقدم الدولة فى الاهتمام بالحريات، لافتاً إلى أن تمتع المجلس بعضوية المجلس الدولى لحقوق الإنسان، وتصنيفه ضمن الفئة A، التى يحق لها المشاركة فى وضع سياسات المجلس والتصويت على قراراته، يعكس مدى التقدم الذى وصلت إليه مصر فى الاهتمام بالجانب الحقوقى.
ويرأس المجلس منذ أغسطس 2013 بتشكيله الحالى، محمد فايق، وزير الإعلام والإرشاد القومى الأسبق، وتولى هذه المسئولية فى فترة استثنائية من تاريخ مصر، واجهت فيها الدولة تزايد العنف والتوتر داخل البلاد، وتصاعدت فيها عمليات الإرهاب ونشاط المنظمات الإرهابية فى سيناء، الأمر الذى انعكس على حالة حقوق الإنسان وتعرضها لضغوط شديدة مما تطلب الموازنة بين مواجهة العنف والتوتر والإرهاب مع المحافظة على حقوق الإنسان، وأصبح المجلس مُطالباً باستمرار بمتابعة الأحداث والتطورات الجارية لضمان حماية حقوق الإنسان فى ظل هذا الوضع الاستثنائى، فى تبنى القضايا والتدخل فى الشكاوى وتفقد مراكز الاحتجاز.
وأوفد المجلس خلال السنوات الخمس الماضية 96 بعثة لتقصى الحقائق، أى بمتوسط 24 بعثة سنوياً، لكنها تفاوتت عملياً من عام إلى آخر، واختص عام 2013 / 2014 بأكثر من نصفها اتصالاً بالوقائع التى شهدها، وشملت هذه البعثات تنوعاً موضوعياً بين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية، وتنوعاً نوعياً بين الحقوق المدنية والسياسية من جانب، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جانب آخر، وامتدت جغرافياً إلى كل المحافظات. وفى تقريره الأخير، فى سبتمبر الماضى، تحفظ المجلس على عدد من المسائل، وانتقد التقرير حزمة من التشريعات التى أقرها البرلمان، منها تعديل قانون الإجراءات الجنائية، وقانون الهيئات القضائية، وقانون الجمعيات الأهلية، كما انتقد التقرير تأخر تشكيل مفوضية عدم التمييز، وقانون العدالة الانتقالية. وأكد المجلس ضرورة أن تستوعب السلطات خطورة التوسع فى مكافحة الإرهاب للحيلولة دون توجيه الاتهامات للبلاد بممارسة جريمة الاختفاء القسرى، وهى جريمة خطيرة بموجب القانون الجنائى الدولى.
«عبدالنعيم»: إنشاؤه يعكس اهتمام الدولة بالحريات.. و«ماهر»: يبلّغ النيابة العامة بالانتهاكات
وعن مصير التقارير والتوصيات التى يصدرها المجلس للحكومة، قال محسن عوض، عضو هذا المجلس، والأمين العام السابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن الدولة تستجيب للمجلس القومى لحقوق الإنسان فى مجالات كثيرة، مضيفاً، لـ«الوطن»، أن هناك أموراً محددة تقتضيها ظروف الحرب على الإرهاب لا تقبل النقاش فى كثير من الأحيان مثل التوسع فى الحبس الاحتياطى، وإحالة المدنيين لمحاكمات عسكرية.
وأشار إلى أن هناك مواضيع عديدة لم تتفاعل فيها الحكومة مع مطالب وتوصيات المجلس، كأزمة قانون الجمعيات الأهلية الجديد، متابعاً: «رغم وجود قانون شاركت الدولة فى إعداده، لكن مجلس النواب بادر بصياغة مشروع قانون آخر دمر المجتمع المدنى، ولم تستجب الحكومة ولا مجلس النواب لاعتراض غالبية المخاطبين بالقانون من تضررهم من مواده وبنوده»، ولفت إلى أن الصورة القديمة لمنظمات المجتمع المدنى والخلط بينها وبين الإرهاب لا تزال تتحكم فى المشهد.
وأكد أن المجلس طالب الحكومة فى مواضع عديدة بالموافقة على طلب مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بفتح مقر للمفوضية فى مصر، لما سيمثله من إيجابيات على صورة مصر فى الخارج، إلا أن الحكومة مستمرة فى تجاهلها للأمر. وقال إن المرحلة المقبلة ستشهد تسهيلات أكثر من جانب الحكومة فى التعامل مع آليات الأمم المتحدة، وإن الدولة بادرت بتقديم التقرير النصفى الطوعى لمجلس حقوق الإنسان، الذى أشرفت على إعداده الأمانة الفنية لوزارة الشئون القانونية ومجلس النواب، وحقق أصداء محمودة فى الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بالتشكيل المرتقب للمجلس، قالت النائبة مارجريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، إنه من المقرر الانتهاء من التشكيل قبل نهاية دور الانعقاد الحالى، مشيرة إلى أن البرلمان فى انتظار إرسال كافة الجهات المعنية لترشيحاتها بتشكيل المجلس لوضع التصور النهائى. وأضافت «عازر»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن هناك معايير كثيرة سيعتمد عليها «النواب» عند وضع التشكيل النهائى، أبرزها أن يكون ذا خبرة فى المجال الحقوقى وصاحب قبول لدى المنظمات الحقوقية والمجتمع المدنى بالداخل والخارج، علاوة على معرفته بجميع الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الحقوق، بالإضافة إلى ضرورة الإلمام الجيد باللغات المختلفة بما يمكنه من التحدث بلباقة فى المحافل الدولية وتمثيل مصر بشكل مشرف وعرض وجهة النظر المصرية فى شكلها الصحيح، فالتشكيل سيكون متنوعاً بين الشباب والمرأة وذوى الخبرة.
«عوض»: المؤسسات تستجيب لتوصياته.. لكن هناك أموراً تقتضيها ظروف الحرب على الإرهاب ولا تقبل النقاش
وأوضحت أن قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان الجديد أعطى للبرلمان حق تشكيل المجلس من 25 عضواً بخلاف الرئيس ونائب الرئيس، مع تحديد مدة عمله بـ4 سنوات بدلاً من 3 سنوات فى القانون القائم، ويكون مشهوداً لهم بالخبرة والاهتمام بمسائل حقوق الإنسان، على أن يكون من بينهم أحد أساتذة القانون الدستورى بالجامعات المصرية، مع التأكيد على عدم جواز تعيين أى منهم بالمجلس لأكثر من دورتين متتاليتين.
وقالت النائبة منال ماهر، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، إن المُشرع حرص على إدخال اختصاصات جديدة للمجلس، منها زيارة السجون وأماكن الاحتجاز والمؤسسات العلاجية والصحية، والاستماع إلى السجناء ونزلاء هذه الأماكن للتأكد من حسن معاملتهم ومدى تمتعهم بحقوقهم، ويعد تقريراً يقدم إلى النائب العام ومجلس النواب، مع منحه اختصاصاً بإبلاغ النيابة العامة عن أى انتهاكات للحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق، وللمجلس أن يتدخل فى الدعاوى المدنية منضماً إلى المضرور بناء على طلبه وفق أحكام القوانين المنظمة لذلك.