مراكز شباب تتحول إلى أسواق ماشية ومقالب قمامة وقاعات أفراح.. ولا مكان للملاعب
وقف تجديد بعض مراكز الشباب بسبب الأسعار
لا مكان هنا للشباب، فقط لافتة تحمل اسم «مركز شباب»، لكن دون أن تجد داخله سوى «ماشية» تقضى يومها، أو أدوات رياضية تالفة، أو ملاعب تنتظر الدعم لتصبح صالحة لممارسة الرياضة، أو مقلب قمامة، ما يجيب عن التساؤل القديم الجديد: لماذا توقف المجتمع المصرى عن إنتاج أبطال رياضيين، رغم تخصيص ملايين الجنيهات سنوياً لـ«الشباب والرياضة»؟
الصور فى مركز شباب قرية الطاهرة التابعة لمركز الزقازيق بالشرقية، تكشف واحداً من مظاهر «الفوضى» المتسببة فى فشل المنظومة الرياضية، فمع دقات الثالثة فجر الخميس من كل أسبوع، يتوافد المئات من تجار الماشية وباعة الخضراوات والفاكهة، ليفترشوا ملعب مركز الشباب، وفى نهاية اليوم يتركون تلالاً من المخلفات، ما يحرم شباب القرية من ممارسة أى أنشطة.
الباعة يحتلون ملعب «الطاهرة» بالشرقية.. و«الشباب والرياضة»: نحتاج 750 ألف جنيه للسور
«مركز الشباب وجوده كعدمه، فبدلاً من أن يكون مكاناً لتربية النشء رياضياً وثقافياً، أصبح سوقاً للماشية، مع تقاعس مديرية الشباب والرياضة عن إنشاء سور حول الملعب المخصص للمركز منذ 35 سنة»، هكذا يصف محمود عطية، 31 عاماً، أحد أهالى القرية، الوضع فى مركز الشباب، مع استمرار تجاهل المسئولين للأمر، رغم تقديم العديد من الشكاوى للمديرية والمحافظ.
ويتكون مركز «الطاهرة» من طابقين، الأول هو مقر إدارى، بينما الثانى لم تنتهِ أعمال تشطيبه حتى الآن، فيما يعمل فى المركز 24 موظفاً، رغم أنه لا يقدم أى أنشطة، ولا يتردد عليه أى شخص خلاف الموظفين، وبدأ شباب القرية جمع توقيعات للمطالبة بإنشاء سور حول الملعب، إلا أن مجلس إدارة المركز «المنتخب»، جمع توقيعات مضادة من المنتفعين بالسوق، فقاد شباب القرية حملة لإقالة أعضاء المجلس، ورغم تعيين مجلس إدارة جديد، إلا أن المركز ما زال دون سور حتى الآن.
من جهته، قال وائل الألفى، وكيل وزارة الشباب والرياضة بالشرقية، إن «مركز شباب الطاهرة مقام على أرض سوق الطاهرة العمومى منذ عام 1982، ثم صدر قرار المحافظ الأسبق، يحيى عبدالمجيد، بتخصيص 22 قيراطاً للمركز من أرض السوق، ومؤخراً صدر قرار من المحافظة بتخصيص مساحة لإقامة السور، وتقدمنا بطلب لتوفير الاعتمادات اللازمة من الوزارة، وهى تتراوح بين 500 و750 ألف جنيه، لكن لم تتوفر حتى الآن».
وتتكرر نفس صور الماشية داخل مراكز الشباب، لكن هذه المرة فى قنا، على مسافة تبلغ 600 كيلومتر تقريباً، فبعد 3 سنوات من قرار مديرية الشباب والرياضة بإنشاء مركز شباب جديد لقرية أبودياب شرق فى منطقة جبلية بعيدة، تحول المركز القديم إلى مخازن لتشوين المعدات الزراعية وحظيرة للماشية، مع عزوف الشباب عن التوجه إليه، ويقول هانى محمود، أحد الأهالى، إن «المسئولين لم يستجيبوا لمطالبنا بالإبقاء على ملاعب المركز القديم لاستضافة الأنشطة الرياضية، فتركوها لتصبح خرابة تسكنها الماشية».
وطالب الأهالى، وزير الشباب والرياضة، الدكتور أشرف صبحى، ومحافظ قنا، اللواء عبدالحميد الهجان، ومديرية الشباب والرياضة بإعادة تأهيل المركز القديم، وإعادة تشغيل ملاعبه، فيما أكد عبدالرحيم أبوزيد، وكيل مديرية الشباب والرياضة بقنا، أن «الملاعب لم تغلق نهائياً بعد نقل مركز الشباب للمنطقة الجبلية، وسنناقش المشكلة على الفور، وسنحيل المقصرين للتحقيق».
فى القليوبية، تعانى مراكز الشباب فى المحافظة الكثير من المشكلات، بعدما حاصرها الإهمال، فتحول كثير منها إلى خرابات، خاصة مع سيطرة مجالس إدارات «عائلية» عليها، وتهالك المبانى القائمة، وتوقف مشروعات التطوير، وإغلاق عدد منها بسبب عدم توافر أراضٍ أو اعتمادات مالية لاستكمال أعمال الإحلال والتجديد.
مع تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، قررت شركات المقاولات وقف أعمال الإحلال والتجديد فى عدد من مراكز الشباب، بينها مركز شباب كفر حمزة بالخانكة وشلقان بالقناطر الخيرية، لحين صرف فروق أسعار المواد الخام، أو لعدم صرف المستحقات المتأخرة، مثلما هو الحال فى مركز شباب طحانوب، حيث لا توجد به أى أنشطة خلاف «الكاراتيه».
ويعانى مركز شباب كفر شكر من تدهور حالته، فالمدخل أرضيته ترابية، والحمامات لم تعد صالحة للاستخدام، كما تحول مركز شباب قرية السفاينة التابعة لمركز طوخ إلى مقلب قمامة، بعدما تمت سرقة كشافات الملعب، ما دفع الأهالى إلى الاستغاثة بالمحافظ للتحقيق فى إهدار المال العام الناتج عن إهمال ملعب النجيل الصناعى بعد افتتاحه بفترة قصيرة.
من جهته، قال اللواء محمود عشماوى، محافظ القليوبية إن المحافظة لديها خطة طويلة الأجل لتطوير مراكز الشباب البالغ عدد ها 205 مراكز، والأندية الرياضية البالغ عددها 16 نادياً، مشيراً إلى أنه أصدر تعليمات لمديرية الشباب والرياضة ببحث أسباب غلق أو تعطل العمل فى مراكز الشباب، والعمل على حل مشكلاتها سريعاً، وإعداد بيان بقطع الأراضى المخصصة للمديرية لبناء ملاعب عليها.
وبدلاً من الاهتمام بتنمية مهارات الأطفال والشباب رياضياً، تحولت عدة مراكز شباب ببنى سويف إلى قاعات أفراح، فى محاولة لتوفير الموارد الذاتية، خاصة مع تراجع الدعم المخصص للإنفاق عليها، مثلما هو الحال فى مركز شباب ناصر، الذى يتراوح الدعم الخاص بجميع الأنشطة الرياضية فيه بين 9 و11 ألف جنيه سنوياً، حسبما يقول عصام قنديل، رئيس مجلس إدارة المركز، موضحاً «إمكانياتنا محدودة، ولا توجد لدينا أى موارد سوى تأجير قاعة الأفراح، فى الوقت الذى تحصل فيه الوزارة على 24 ألف جنيه سنوياً من المركز، قيمة إسهامها فى تنجيل الملعب الصغير وتجديده».
وأضاف «منذ أيام شاركنا بـ5 لاعبين فى بطولة الجمهورية، وكأس مصر لرفع الأثقال فى الإسكندرية، وأنفقنا عليهم 4181 جنيهاً من الميزانية، وتمكن أحدهم من الحصول على المركز السادس، فرغم نقص الإمكانيات هناك مواهب كثيرة، لكن لا نملك إمكانيات، ففريق الكرة صعد لدورى الدرجة الثالثة، ويحتاج لنفقات تتراوح بين 250 و300 ألف جنيه، فكيف نأتى بها فى ظل عدم وجود أى دعم من الاتحادات أو مناطق الكرة؟، خاصة أن اشتراكات مركز الشباب لا تتعدى جنيهات قليلة».
أما فاطمة البحيرى، عضو مجلس إدارة مركز الشباب، فقالت «هدفنا تخريج وتربية النشء، وتنمية مهاراته، والحفاظ عليه من أى أفكار أو ممارسات مغلوطة، وتفريغ طاقاتهم، فى ظل عدم قدرتنا على تخريج بطل رياضى، لعدم وجود موارد مالية للإنفاق على توفير أجهزة ومعدات رياضية، أو تنظيم معسكرات، أو المشاركة فى بطولات، فمن أين ننفق على اللاعبين أو اللاعبات فى البطولات والألعاب المختلفة مع محدودية الدعم المالى»، موضحة «لدينا العديد من المواهب فى الألعاب الفردية، لكنها تحتاج إلى الدعم».