خبراء يضعون روشتة المواجهة: توفير المعلومات بشفافية وتطوير الأداء الإعلامى الحكومى.. وتطبيق عقوبات رادعة
صابر حارص
حدد خبراء ومتخصصون روشتة لمواجهة الشائعات والتصدى لها، مؤكدين أهمية توفير المعلومات فى الوقت المناسب عبر مصادرها الرسمية، وتقديم التحليلات والتفسيرات لمختلف القضايا والقرارات الحكومية، وحذروا من أن الشائعة أصبحت أداة من أدوات الحروب الحديثة التى يتم استخدامها بهدف ضرب مصالح دول أو تفكيك مجتمعات أو التحريض والتشويه، مشددين على أن التصدى لهذا السلاح مهمة مشتركة بين الحكومة ووسائل الإعلام والمجتمع نفسه.
قال الدكتور محمود علم الدين، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقاً، عضو الهيئة الوطنية للصحافة، لـ«الوطن»، إن مواجهة الشائعات ليس دور الحكومة وحدها، ولا وسائل الإعلام وحدها، لكنه دور الجميع بمن فى ذلك المواطنون أيضاً، مشيراً إلى أنه لا بد من وجود استراتيجية لدى كل هذه الأطراف فى التعامل مع الأخبار والمعلومات بصفة عامة، وتعتمد هذه الاستراتيجية على الشفافية والوضوح والسرعة والتواصل والاعتماد على المصادر الموثقة والرسمية، وأضاف «علم الدين»: «للأسف أصبح المواطن يفاجأ كل يوم بشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعى تعتمد على الغموض والأهمية، والبعض يتورط فى نشر هذه الشائعات نتيجة الرغبة فى السبق والانفراد دون وعى ولا تدقيق».
إعلاميون: البعض يتورط فى ترويج «شائعة» بغرض السبق.. وأمنيون: أخطر أسلحة الحروب الحديثة.. وقانونيون: جريمة تصل عقوبتها للحبس
وحول دور الحكومة فى مواجهة الشائعات، قال «علم الدين»: أصبحت هناك دراية بأهمية التصدى للشائعات ومواجهتها، وفهم لطبيعة الأدوات الجديدة التى تستخدمها بعض الأطراف المعادية لمصر، ومن بينها الشائعات، مضيفاً أنه يمكن تقييم أداء الحكومة للشائعات بأنه «غير مقبول» لأنه لم يرق حتى هذه اللحظة إلى المستوى المطلوب، وهو السرعة فى نفى الشائعة، واتخاذ التدابير الكافية لعدم انتشارها من الأساس، وشدد أستاذ الإعلام على أن توفير المعلومات من خلال مصادرها الرسمية فى الوقت المناسب والسريع سيحد من هذه الظاهرة إلى حد كبير. ونبه «علم الدين» إلى مفهوم «الوقاية من الشائعة»، من خلال عدم انتظار صدور الشائعة وانتشارها ثم نفيها، لكن بالسبق بتقديم المعلومات والتحليلات والآراء التى تغلق الباب من أساسه أمام صدور شائعة تؤثر فى المواطنين.
وحدد الدكتور صابر حارص، أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج، رئيس وحدة بحوث الرأى العام بالجامعة، عدة إجراءات وحلول لمواجهة بث الشائعات، أهمها إتاحة المعلومات حول القضايا التى تشغل المواطنين وتداولها من مصادرها الرسمية، وتفعيل محاسبة مروجى الشائعات فى كل المجالات وليس السياسى فقط، لأن الشائعات الاقتصادية والدينية والأخلاقية والفنية تهيئ المناخ لأى شائعات أخرى. وتوفير مناخ لممارسة العمل الإعلامى والصحفى بحرية ومسئولية حتى لا تعزف الجماهير عن وسائل الإعلام الرسمية لتتجه إلى قنوات ووسائل أخرى تقوم باستغلالهم، وضرورة تقديم تفسيرات وشرح للقرارات السياسية والخطط الحكومية حتى لا تترك المجال لمروجى الشائعات لبث السموم.
وأضاف «حارص» أن الرأى العام يكون مهيئاً لاستقبال الشائعات وتداولها والتأثر بها، عندما تتأخر أو تغيب المعلومات التى تقدمها القنوات الرسمية سواء للحكومة أو الإعلام، وأيضاً عندما تغيب التفسيرات لكل قضية بشكل مفصل، موضحاً أنه لا يوجد طرف يروج شائعة تقوم على الكذبة الكاملة، لكن مروجى الشائعات يعتمدون على أنصاف حقائق ثم يختلقون حولها الشائعات والأكاذيب كى تؤثر فى المواطنين. وطالب أستاذ الإعلام المسئولين بسرعة تقديم المعلومات وشرح الإجراءات والقرارات المختلفة، وعدم الاقتصار على نفى الشائعة بعد انتشارها، بل يجب من البداية منع الطريق على خروج الشائعات.
«علم الدين»: التصدى لها مسئولية الحكومة والإعلام والمجتمع.. و«لبيب»: يجب على المسئولين مصارحة الرأى العام دورياً
ومن وجهة نظر أمنية، قال اللواء حمدى لبيب، الخبير الاستراتيجى، إن الشائعات لم تعد مجرد معلومات خاطئة يتم تداولها بصورة تلقائية غير متعمدة، لكنها باتت جزءاً من الاستراتيجيات الحديثة للحروب، وتعد أحد أخطر الأسلحة التى تساهم فى عرقلة حركة التنمية للدول، أو ضربها من الداخل، بل وتساهم فى إسقاط الدول اجتماعياً من الداخل، وهى تستخدم لتفكيك المجتمع وتدميره ذاتياً، وتابع: «الحروب فى العصر الحديث لم تعد حروباً عسكرية، وإنما أصبحت الدول والجماعات تستخدم أسلحة من نوع آخر، والإعلام بات أحد أبرز هذه الأسلحة، هو ما يعرف بحروب الجيل الرابع والخامس، التى يلعب فيها الإعلام والتكنولوجيا أدواراً كبيرة».
ودعا «لبيب» إلى تطبيق القانون بحسم وقوة على كل من يتورط فى ترويج الشائعات سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو وسائل النشر المختلفة، ووضع عقوبات رادعة من شأنها تحجيم هذه الظاهرة، كما طالب وسائل الإعلام بتوخى الحذر عند نشر المعلومات والأخبار، والاعتماد على المصادر الرسمية، ونصح فى الوقت ذاته المسئولين بتوفير المعلومات والرد على الاستفسارات المختلفة التى تشغل المواطنين بصفة دورية ومعلنة، قائلاً: «الرئيس السيسى اعتمد هذا النهج، ويتحدث إلى الرأى العام فى مختلف القضايا بكل وضوح ودون خطوط حمراء، يجب أن يكون هذا النهج هو نهج كل المسئولين، حيث يتصدرون للرأى العام ويخاطبونه كى لا يجعلوه فريسة لمروجى الشائعات».
وحول الرأى القانونى، قال الدكتور عابد فايد عبدالفتاح، أستاذ القانون المدنى بجامعة حلوان، الذى أعد بحثاً تحت عنوان «القانون فى مواجهة الشائعات»، إن قانون العقوبات المصرى يعتبر الشائعة نشراً لأخبار كاذبة ويعاقب عليها بالحبس، وكذلك القانون الفرنسى يعتبر الشائعة جريمة، وهو الأمر نفسه بالنسبة للقانون الإماراتى، موضحاً أنه يشترط توافر سوء النية بهدف التسبب فى تكدير السلم العام أو ترويج أفكار ومعلومات خاطئة لتضليل المواطنين، وأكد أنه فى الوقت الذى أصبحت فيه شبكات التواصل الاجتماعى وسيلة إعلامية مهمة ومنتشرة فى كافة أرجاء الأرض، وتتسم بالعديد من المزايا، غير أن هذه المزايا والإيجابيات الظاهرة لا تخفى المخاطر الدينية والأخلاقية والأمنية التى يمكن أن تترتب على استخدام مواقع التواصل الاجتماعى، مشيراً إلى أنها أصبحت واحدة من أهم أدوات نشر الشائعات، وتحتاج إلى عملية تنظيم وضبط.
وتابع «عبدالفتاح» أن الشائعة سلاح قديم ثبتت فاعليته منذ القدم، وقد استخدمه الأفراد والدول لتحقيق أغراض معينة، مثل تشويه السمعة والاعتداء المعنوى والتضليل والتحريض، مؤكداً أنه يمكن معاقبة ترويج الشائعات بواسطة نصوص القانون الجنائى، سواء أوردت هذه النصوص فى قانون العقوبات كما تنص المادة 80، أو فى القوانين الخاصة بالصحافة والإعلام كما ينص القانون 96 لسنة 1996 للصحافة، وتابع أن القانون يعتبر الشائعة جريمة من زاويتين؛ الأولى اعتبار الشائعة نشراً لأخبار كاذبة، والثانية اعتبار الشائعة قذفاً يعاقب بعقوبة القذف المقرر قانوناً.
وبعيداً عن العقوبات، شدد أستاذ القانون المدنى على أهمية قانون حرية تداول المعلومات الذى من المتوقع أن يناقشه البرلمان فى دور انعقاده المقبل، قائلاً إن هذا القانون من شأنه أن يساعد فى مواجهة ظاهرة الشائعات، لأنه سيسهم فى إتاحة المعلومات بصورة جيدة ومناسبة ومن خلال المصادر الرسمية، لافتاً إلى أن غياب المعلومات أحياناً يسهم فى فتح الباب لانتشار الشائعات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة.
محمود علم الدين
حمدى لبيب