أقباط يشيدون بـ"عظة كشف الحقائق": تمهيد لإعلان قتلة رئيس دير "أبومقار"
البابا تواضروس خلال عظته الأسبوعية
أشاد عدد من الأقباط والحركات القبطية، بعظة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أمس، التي خصصها للحديث عن "الرهبنة القبطية"، والتي ألقاها بكنيسة السيدة العذراء والأنبا بيشوي بوادي النطرون، معتبرين أنها "عظة كشف الحقائق"، وأنها أعلان لخوض البابا معركة التصحيح، تمهيدا لإعلان أسماء المتهمين في جريمة قتل رئيس دير أبي مقار "الأنبا إبيفانيوس"، داخل ديره، الأسبوع الماضي.
وقال كمال زاخر مؤسس التيار العلماني القبطي، لـ"الوطن"، أن عظة البابا حملت إعلانا ضمنيا عن أنه قرر خوض معركة التصحيح في مواجهة التيار المتشدد اليميني.
وقال البابا، في عظته: "ما حدث في دير أبو مقار جريمة، والموضوع بعيد عن المساس بالكنيسة، ولكن غرابتها أنها حدثت داخل الدير، وأن الاتهامات تتفرق على كثيرين، وأنه في الجرائم ليس هناك شيء للخواطر، وليس من صالح أحد التستر على أحد، وليس في الكنيسة شيء تخفيه، وأن إيمان الكنيسة محمي بالمسيح ولا أحد غيره يحمي الإيمان".
وأكد زاخر، أن كلمة البابا محملة برسائل مهمة أولها للرهبان وأهمية الانتباه والالتزام بنذور الرهبنة "البتولية، والفقر الاختياري، والطاعة"، وكذلك انضباط الحياة الديرية من أجل استمرار رسالته، وإصلاح الرهبنة بالتلمذة والتسليم الجيلي، وأن ما حدث جريمة لا نتستر عليها وسيقدم الفاعل ومن اشترك معه للمحاكمة الجنائية.
وأشار زاخر إلى أن البابا أكد في كلمته الانتقال في الكنيسة من الفرد إلى المؤسسية، ووجه رسائله إلى من يدعون "حماة الإيمان"، مشيرا إلى أنه على الأقباط مساعدة الكنيسة بشكل إيجابي وفاعل.
وقال البابا، في عظته، إن الكنيسة تسعى لضبط الحياة الرهبانية باستمرار، وإن القرارات التي صدرت عن لجنة الرهبنة والأديرة، صدرت بعد اجتماع استمر 3 ساعات مع 19 رئيس دير وسكرتير المجمع المقدس، ولم يصدرها البابا منفردا كما يشاع، وأن هناك لجنة مجمعية مهمتها إصلاح حياة الراهب قبل الوصول للتجريد، وأن اللجنة ستصدر قرارات أخرى لضبط الرهبنة.
كانت لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس، أصدرت الخميس الماضي، 12 قرارا لضبط الرهبنة بعد حادث مقتل رئيس دير أبو مقار، كان أبرزها وقف الرهبنة القبطية لمدة عام، ووقف الرتب الكهنوتية للرهبان لمدة 3 سنوات، ومنع إنشاء أديرة جديدة، وغلق صفحات الرهبان على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد 8 أيام من صدور تلك القرارات، أصدرت اللجنة المجمعية لشؤون الرهبنة والأديرة، بيانًا صباح اليوم، شكرت فيه البابا، لموافقته على توصيات اللجنة خلال اجتماعها الأخير الذي عقد بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وأصداره قراره بتفعيل التوصيات يوم الخميس الماضي، لمحبته وأمانته في خدمة الكنيسة ومؤسساتها وكل أديرتها وكنائسها وأنشطتها.
وأكدت اللجنة، حرصها على نمو الرهبنة وسلامتها وإطاعة قوانينها التي وضعها مؤسسيها، والصلاة لتفعيل هذه القرارات لكي تحافظ على الكنيسة في كل مؤسساتها وميادين خدمتها.
من جانبه، قال كريم كمال رئيس اتحاد "أقباط من أجل الوطن"، إن كلمات البابا عن الرهبنة تؤكد قوة الكنيسة القبطية عبر الأجيال، مطالبا الأقباط بالحكمة والصلاة والثقة في الله الذي يقود الكنيسة.
وطالب البابا، خلال عظته الأقباط بعدم النظر لأخطاء شخص أو أثنين في الرهبنة لأن الكيان نقي، قائلا: "الدنيا هايجة وكلام كتير مش صح وكل واحد بيقول حكاية، وفب بعض الناس بتغلط والحياة الرهبانية ليست حياة سهلة، وهذه الـيام كل واحد يقول كلام، وجرائد عماله تكتب مقالات ليس لها أي معنى، لكن إحنا كبشر ما زالنا تحت الضعف البشري، وفي كل مجتمع يظهر يهوذا واتجاسر وأقول في كل 12 يظهر يهوذا وهو يمثل الخيانة بكاملها".
وقال هاني عزت، مؤسس رابطة "منكوبي الأقباط"، إن عظة البابا مثال لشخص مسئول واعي بخطورة ومقتضيات وتداعيات المرحلة الحرجة التى تمر بها الكنيسة في أعقاب جريمة قتل الأنبا أبيفانوس.
وأكد عزت، لـ"الوطن"، أن العظة تعطي سلام موزون وتأهيل مدروس للشعب القبطى أن "يهوذا" وهو رمز الخيانة موجود وسيظل ولكن الله ضابط الكل، كما وجه رسائل للمتطرفين والمتشددين المدعين "حماية الإيمان" أنها ليست سلعة والمسيح هو من يحمى الكنيسة، مضيفا "حقا من القلب البابا خط أحمر من أجل استقرار الوطن وسلام الكنيسة".
وتطرق البابا إلى محاولات انتحار أحد الرهبان، مشبهة بمحاولة "يهوذا" الذي حاول الانتحار بعد أن باع "المسيح" بثلاثون من الفضة.
كان البابا اعتمد قرار لجنة الرهبنة بتجريد الراهب أشعياء المقاري، من الرهبنة يوم الأحد الماضي، وعودته لاسمه العلماني "وائل سعد"، لمخالفاته للرهبنة، وقام الراهب المذكور، وراهب آخر يدعى "فلتاؤس المقاري" الإثنين الماضي، بمحاولات انتحار منفصلة، إذ حاول الأول الانتحار بمبيد حشري، فيما حاول الثاني الانتحار بقطع شرايين يديه وإلقاء نفسه من أعلى عيادة الدير، ويخضع الأخير للعلاج في حالة حرجة بمستشفى بالقاهرة.
وقال مينا ثابت، الباحث في شؤون الأقليات، لـ"الوطن"، إن عظة البابا كانت في أغلبها دفاعا عن مفهوم الرهبنة والأديرة المصرية، بسبب انزعاجه الشخصي مما توارد في الصحف ووسائل الإعلام والسوشيال ميديا، والتي اعتبرها هجوم على الرهبنة القبطية.
مشيرا إلى أن البابا كان حريص أن يؤكد على أن خطأ شخص لا يعني فساد المنظومة بأكملها، معترفا في نفس الوقت بوجود بعض المشكلات التي تحتاج إلى ضبط وهو ما يفعله من خلال قرارات اللجنة المجمعية لضبط الرهبنة.
وأوضح ثابت، أن البابا كان حريصا على تأكيد وجود يهوذا حتى وإن ارتدى عباءة رجل الدين، ولكنه لم يصر قديسا أو معفيا من المساءلة، وأن الجميع بشر وقابلين للخطأ، لذا شدد على ضرورة أعمال القانون لتقديم الجاني للعدالة في قضية مقتل رئيس دير أبو مقار حتى ولو كان يرتدي الزي الرهباني.
وأشار الباحث في شؤون الأقليات، إلى أن عظة البابا تمهيد للطريق نحو إعلان أسماء المتهمين بالجريمة.
وطالب البابا الأقباط بعدم الاهتزاز والمحافظة على الرهبنة والأديرة، محذرا الأقباط من "الصفحات الصفراء المطبوعة أو السوشيال ميديا والشائعات وجرعات اليأس"، قائلا: "مش كل حاجه تقرأها تعتبرها خبر وتعمل منها حكاية وتبعتها لغيرك وتصدقها".
وفي نهاية عظته، أكد البابا اتحاد الكنيسة ورجالها، مشككا فيمن يتحدث عن صراع داخلها، قائلا: "لنا ضمير ومسؤولية أمام الله ولا نتحرك بفكر العالم، الكنيسة المصرية واحدة من أقوى كنائس العالم والأكليروس فيها بقلب واحد وبأيد واحدة وفي خدمة واحدة وقلبهم على الكنيسة وأوعى تستمع لأي شائعات".