"كأس العالم للأيتام".. الساحرة المستديرة تجمع أحلام الأطفال حولها
كأس العالم للأيتام
لم يعتبروا تلك الساحرة المستديرة مجرد لعبة يعشقها أمثالهم في العمر أو هواية يقضون بها أوقات فارغههم في يومهم، بل اتخذوا منها حلمًا استقوّا به على معاناة اليُتم الذي لازمهم منذ بداية حياتهم، ليتجسد الحلم في "تيشيرت" منتخب مصر المكتسي باللون الأحمر، يرتدونه من أجل تمثيل بلادهم في بطولة عالمية لا يكتفون فيها بمجرد منافسة منتخبات كبيرة مرشحة للبطولة بل تراودهم أمنيات حسم اللقب وتداعب آذانهم أصوات الجماهير الفرحة بإنجازهم إذا حققوا "كأس العالم للأيتام".
الحلم بدأ سكون قلب هؤلاء الأطفال، الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم 16 عاما، حينما نظمت مؤسسة "ساتوك" الخيرية، بطولة لكأس العالم للأيتام، بالقاهرة، عام 2015، تنتهي بحسم "الفراعنة الصغار" اللقب متفوقين على منتخب ساحل العاج في النهائي، لتمضي سنوات ثلاث على ذلك الإنجاز ويأتي جيل آخر من الأطفال ينتظر تحقيق اللقب مرة أخرى، حينما يكونون على موعد مع كأس العالم لكرة القدم، للأيتام، التي تستضيفها "بلغاريا" بعد أيام قليلة.
"الوطن" حضرت التدريب الأخير للاعبي منتخب مصر لكرة القدم، للأيتام، قبل السفر إلى بلغاريا، لتجد أنفاسا أنهكها الجري المستمر في ملعب إحدى المدارس بمنطقة 6 أكتوبر، ووجوها مبتسمة بدا عليها الأمل المختلط بالحماس، ليبدأ عبد الخالق خالد عبد الخالق، أحد لاعبي المنتخب الصغير، حديثه لـ"الوطن" عن رحلته مع الكرة التي بدأت منذ كان في السابعة من عمره مع مدربي "دار السلام"، للأيتام، وأنه يعتبر هذه البطولة "خطوة حقيقية" ينتظر من خلالها الحصول على اللقب غير قلق من الخمسة عشر دولة المشاركة التي وصف بعضها ب "أجسام بس .. لكن أحنا عادي ممكن نكسبهم".
"عبدالخالق": نفسي أبقى زي "صلاح" وأوجه الشباب ضد المخدرات
مكسب بطولة كأس العالم، للأيتام، ينشده "عبدالخالق" ليس فقط من أجل تشريف بلاده، ولكن يرى فيه بوابة مشروعة لاحترافه في أندية كبرى كما حدث مع صديقه"أسحق" الذي شارك على قوة المنتخب المصري في البطولة السابقة لينضم بعد عودته لنادي وادي دجلة، "مثلي الأعلى محمد صلاح، نفسي أبتدي زيه من نادي المقاولين، وأبقى قدوة للشباب وأنصحهم زيه إنهم يبعدوا عن المخدرات".
محمود البطل، أحد لاعبي المنتخب، شاهده جورج وايا، اللاعب الفز ورئيس جمهورية ليبيريا الحالي، وتنبأ له بأنه سوف يكون أحسن لاعب في العالم، ومن لحظتها يريد الفتى الصغير، أن توجه هذه البطولة أنظار العالم للكرة باعتبارها رياضة للجميع وليست حكرا على فئة معينة منتظرًا بطولة يصفها بـ "القوية"، غير أن الخوف لم يتسلل إليه لحظة واحدة، بحسب وصفه، "أتمنى إن البطولة دي تخليني ألعب في نادي كبير بعد ماشاركتي فيها، وحلم حياتي ألعب في الأهلي".
محمود.. بطل مصري توقع له "وايا" أن يكون أحسن لاعب كرة في العالم
يريد محمود أن يحذو حذو قدوته، جورج وايا، الذي نجح في حياته الكروية وفي الوقت نفسه نجح أن يكون سياسيا بارعا ويترأس جمهورية بلاده، وهذا ما جعل "البطل الصغير" يتمنى أن يصبح طبيب ناجح إلى جانب تفوقه الكروي.
أما أحمد السيد الشحات، صاحب الـ15 ربيعا، له حكاية أخرى مع الكرة، حيث سافر الطفل الصغير إلى روسيا مع أحد شركات الدعاية لحضور إحدى مباريات "الفراعنة" في كأس العالم، ويتمنى أن يكون يوما في مكانهم داخل الملعب، ليستجيب له القدر بأسرع من تخيله، فتأتي البطولة التي تقدم لها منذ عامين وأختير هو وسبع أطفال من ضمن أكثر من 150 طفلا مصريًا، لتحين الفرصة لرده على كثير من الذين حاولوا إحباطه، "قالولي مش بتعرف تلعب ومش هاتحقق حاجة، دلوقتي ممكن أثبت لهم العكس، وإني ممكن أروح نادي كبير في مصر أو برة".
العراق وفلسطين والمغرب، يراها "الشحات" من الفرق القوية بالبطولة، غير أنه على ثقة كاملة من قوة زملائه، مبررا تلك الثقة بأن الفريق كله يجتمع على التعاون والمحبة.
مشهد جديد يجذب الأعين حينما صوت ذلك الرجل الأربعيني الواقف خارج الملعب، لتوجيه اللاعبين وإعطائهم النصائح بعد أن قسّمهم لفريقين لإخراج كل مهاراتهم، تجده يركز في كل كبيرة وصغيرة تحدث داخل الملعب، حتى انه يصرخ، في الاستراحة، مخاطبا اللاعبين "أنا مقلتش حد يشرب" في محاولة منه على الاحتفاظ بجودة الأداء في الملعب وخارجه.
يحكي "كابتن خالد طيرة"، مدرب منتخب مصر لكرة القدم للأيتام، أنه قاد المنتخب بعد أن نظمت مؤسسة "ساتوك" الخيرية، معسكرًا كرويًا في شرم الشيخ مطلع عام 2016 بموجب البروتوكول الموقع بينها وبين وزارة التضامن الاجتماعي التي روجت لذلك داخل دور الأيتام، ليأتي لاعبون من مختلف محافظات الجمهورية، يختار منهم المدرب 8 لاعبين يخوضون غمار بطولة كأس العالم في بلغاريا.
مدرب منتخب الأيتام: واجهنا تحديات كثيرة لتأهيل أطفال دور الرعاية للعب كأس العالم
صعوبات عديدة واجهها المنتخب المصري الصغير، للأيتام، قبل إقامة البطولة التي هُددت بالإلغاء، عدة مرات، لعدم استقرار مؤسسة "ساتوك"، المنظمة، لدولة تستضيف البطولة، حتى تم توقيع بروتوكول مع حكومة بلغاريا ووزارة خارجيتها واتحاد الكرة بها ليبدأ من جديد في الثاني من يوليو الماضي التدريب المكثف بشكل يومي استعدادا للمنافسة.
تحدي آخر واجهه مدرب منتخب "الأيتام"، تمثل في تهيئة الأطفال نفسيًا للانتقال من الحياة البسيطة في دور الرعاية إلى الحياة في الفنادق الفارهة، ولكن المؤسسة الخيرية قررت أن تكسر تلك الصدمة عند الأطفال بعمل مقابلات لهم مع ألمع نجوم كرة القدم، وعلى رأسهم "جورج وايا"، إلى جانب عرض المؤسسة تبني مواهب هؤلاء الأطفال، مدى الحياة، من أجل تحفيزهم على تقديم مستوى مشرف في بطولة كأس العالم.
القصص الإنسانية لم تغب عن مشهد تجمع منتخب مصر، للأيتام، حيث يروي "طيرة" حكاية ذلك الطفل، الذي تم اختياره ضمن أفراد المنتخب، دون أن يكون يتيم الأب أو الأم ولكنه قرر أن يكون على قوة إحدى دور الرعاية إذ لم يرد أي من أبويه تحمل مسؤوليته بعد انفصالهما خلال السنوات الأولى من حياته ليبدأ عشق الكرة في الدار والمدرسة حتى جاءته الفرصة أن يصبح بطل يحمل اسم منتخب مصر للأيتام ويتأهل للمنافسة عالميا.
اللاعبون المختارون لمنتخب مصر للأيتام، حققوا 90% من المستهدف خلال فترة التدريبات، وفقًا لمدرب الفريق، ويبقى لهم التركيز على الجانب النفسي ورفع الروح المعنوية في الأيام القادمة بعد ارتداء "تيشرت" المنتخب وإشعارهم أن العالم ينتظرهم، لتكتمل الاستعدادات كافة لتحقيق إنجاز مشرف لأطفال المنتخب وحصد لقب "كأس العالم للأيتام".