«ما بالُ الزمانِ يضنُّ عَلينا بِرجَال يُنبِهونَ الناسْ، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بحزْم، ويعملون بعزمٍ، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون».
هذا ما قاله عبدالرحمن الكواكبى وهو ما ينطبق على ما تمر به مصر فى هذا الزمان من أزمات. فاستمرار وقوع الضحايا فى حوادث القطارات وبصورة متكررة وبالرغم من معرفة العامة -وليس المتخصصين- أن المزلقانات هى السبب فى معظم هذه الكوارث فإن رجال وزارة النقل، وعلى رأسهم الوزير الحالى، لم يفكروا أو يعملوا لإنهاء هذه الكوارث، ذلك على الرغم من توقف حركة القطارات بالكامل لمدة ثلاثة أشهر، وهى مدة كافية جداً لمن يريد أن يعمل على حل هذه المشكلة التى يئسنا من الكتابة فيها والصُراخ من كثرة ضحاياها، وفى كل مرة نستمع إلى نفس الأسطوانة بفتح تحقيق عاجل لمعرفة أسباب الحادث وتعويض الضحايا ببعض المال أو إقالة مسئول كبير فى السكك الحديدية دون أى تحرك عملى لوقف أو للحد من الكوارث.
وفى حادث قطار أسيوط -والذى راح ضحيته 56 من أطفالنا- طالبت بإقالة الحكومة ورفضت ما قاله الرئيس السابق مرسى عن تعويض الضحايا بل هاجمت هذا المسلك منه فى أحد البرامج، فهل يمنعنا حرصنا على نجاح الحكومة فى النظام الجديد من انتقادها، حتى لا نشمت فينا الإخوان؟
المسئول الأول عن هذه الكارثة هو وزير النقل الحالى، ذلك أن دولة الإمارات العربية قدمت دعماً مالياً مباشراً لحل مشكلة المزلقانات بالتحديد وعلى وجه الخصوص ووصلت الأموال بالفعل وكان يمكن استغلال فترة توقف القطارات لحل المشكلة، فلديك الأموال والوقت فماذا ينقصك؟ ينقصك التفكير بحزم والعمل بعزم لذا تجب مساءلتك ومحاسبتك وإقالتك، ولا يمنع ذلك من محاكمتك أنت ورجالك فى وزارة النقل، بل إن المسئولية والمحاسبة يجب أن تطال رئيس الوزراء أيضاً، لأن أمر المنحة الإماراتية للمزلقانات لم يكن خافياً، وكان يجب عليه إصدار توجيهاته للقائمين على وزارة النقل وأولهم الوزير باستغلال فرصة توقف القطارات وتوافر الأموال لحل المشكلة، أم تراه قد وجه المبلغ إلى أغراض أخرى؟
ومثال آخر، فمن الواضح أن الإخوان قد دخلوا بمصر مرحلة الاغتيالات -كما توعدنا مرسى فى الحديث الذى نشرته جريدة الوطن- فقد اغتالوا المقدم الشهيد محمد مبروك من قوة الأمن الوطنى واتضح من تشريح الجثمان أن الشهيد قد أُغتيل باثنتى عشرة طلقة، منها سبع طلقات نافذة وخمس استقرت فى جسده، أربع منها عيار 7.62مم (المستعمل فى السلاح الآلى) وواحدة عيار 9مم المستعمل فى الطبنجة، مما يدل على أن إطلاق النار عليه كان من أكثر من مصدر وهذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ولكنها الأولى التى تتم فى مدينة نصر فى قلب القاهرة وبمنطقة مزدحمة بالسكان، وكان يتعين وضع الحماية الكافية والحراسة اللازمة للشهيد، خاصة أنه كان المسئول عن ملف الإخوان ومكافحة الإرهاب فى جهاز الأمن الوطنى وتلقى عدة تهديدات، وكان من المقرر أن يُدلى بشهادته فى قضية هروب قيادات الإخوان من سجن وادى النطرون فكيف يُترك بدون حماية؟
وعلى الرغم من أن هذه الجريمة لم تُنشئ إرهاب الإخوان وإنما كانت كاشفة له فإننا نسمع أصوات مسئولين -مفترض أنهم رجال- ينادون بالمصالحة والحوار دون اعتبار لأن الشعب المصرى مُروع وغير آمن، ودون اعتبار لأحداث القتل شبه اليومية لجنود وضباط القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، ودون اعتبار للمشاكل الاقتصادية التى يعانيها الشعب بسبب أعمال العنف. هؤلاء المسئولون من أسباب النكد والوهن الذى تعيشه مصر، فلو كانوا يفكرون بحزم ويعملون بعزم لما وصلنا إلى ما نحن فيه.
مثال آخر، فحين أعلن من لا صفة له ما وصفه ببيان رئيس الجمهورية للشعب، وتضمن تحريضاً صريحاً ضد نظام الحكم وحث مناصريه على الاستمرار فى مناهضة النظام بالعنف الذى نراه وبالإرهاب الذى نشهده، كان المفروض أن يتم القبض على من أعلن هذا البيان -خاصة أنه ليس وكيلا عن المتهم محمد مرسى- ويتم التحقيق معه وتقديمه للمحاكمة بتهمة التحريض وتهديد السلم الاجتماعى بدلاً من ذلك يخرج علينا رئيس الوزراء ويقول إن من حق الرئيس السابق أن يعبر عن رأيه، أى تعبير وبأى صفة يخاطب الشعب؟ وهل هذا تعبير عن الرأى أم تحريض صريح؟ وهل من حق كل متهم بجرائم قتل أن يعلن بياناً للشعب؟
ومثال آخر، ما يحدث فى الجامعات المصرية من جرائم مسجلة بالصوت والصورة، حرق وإتلاف وهمجية فى التعامل مع الأساتذة والطلاب، ونية معلنة فى منع الدراسة وما حدث فى جامعة الأزهر دلائل دامغة على هذا العنف والإرهاب امتد لرئيس الجامعة ولشيخ الأزهر وعلمائه، ثم يخرج السيد وزير التعليم العالى ليصرح بأنه لن يسمح لقوات الشرطة بدخول الحرم الجامعى، أين إذن هيبة محراب العلم؟ بل متى تظهر هيبة الدولة؟ إن دخول الشرطة إلى أى حرم بما فيه حرم المسجد والكنيسة هو أمر واجب عليها، حال حدوث جريمة خاصة إن كانت جريمة ظاهرة وفى حالة من حالات التلبس، والسيد وزير التعليم العالى أستاذ قانون ويعلم أنه لا حصانة فى حالة التلبس حتى ولو كان مرتكب الجريمة نائبا فى البرلمان أو وزيرا فهل يا سيادة الوزير تعطى أنت الحصانة لبعض المجرمين ومن يمارسون الإرهاب جهاراً نهاراً؟ إن مصر الآن فى حالة حرب مع الإرهاب داخلياً وخارجياً وفى ظروف استثنائية يتطلب حل مشاكلها إجراءات استثنائية ورجالا شجعاناً فى موقع المسئولية، وإلا فليرحل كل من يهاب اتخاذ قرار أو تحمل مسئولية أو من يُعمل الملاءمات والمواءمات السياسية والأدبية على حساب أمن الوطن والمواطن، وبالقطع ففى مصر رجال قادرون على ذلك.