أسوان: حركة رواج فى سوق الجمال بمدينة «دراو»
أسواق الجمال تنتعش قبل أيام من العيد
قبل أيام من حلول «عيد الأضحى»، شهد سوق الجمال فى مدينة «دراو»، بمحافظة أسوان، انتعاشاً فى حركة البيع والشراء، فى أعقاب قرار سلطات الحجر البيطرى بمدينة أبوسمبل بالإفراج عن 4910 رؤوس من الإبل المقبلة من السودان، عبر منفذ «أرقين» البرى، بعدما أثبتت نتائج تحاليل عينات منها خلوها من الأمراض المعدية والوبائية، استقبل سوق «دراو» نحو ألف رأس منها، بينما تم توزيع باقى الشحنة على الأسواق فى القاهرة وغيرها من المحافظات الأخرى، استعداداً لطرحها للبيع خلال «موسم الأضاحى».
وتُعد مدينة «دراو»، أحد أهم المراكز الـ5 بمحافظة أسوان، وأكثرها شهرة بتجارة الجمال، التى تُعد بمثابة «شريان الحياة» لكثير من أبناء المركز، الذين يعملون فى مهنة التجارة، ينتمى معظمهم إلى قبائل «العبابدة والبشارية والجعافرة»، إضافة إلى عدد من السودانيين المقيمين فى المحافظة، حيث يقع سوق الجمال فى الناحية الشرقية لمنطقة «الغابة»، وبالتحديد فى منطقة «الكورانتينة»، ويمتد على مساحة تصل إلى نحو 27 فداناً، ويقصده مئات التجار من مختلف المحافظات، لشراء أفضل أنواع الجمال السودانية.
الأهالى: «تجارة الإبل شريان الحياة».. وشيخ «العبابدة»: «تجلب الخير ولا نستغنى عنها»
وعادةً ما يفتح سوق الجمال فى دراو أبوابه للمترددين عليه اعتباراً من الساعات الأولى صباح يوم السبت من كل أسبوع، وتستمر عمليات البيع والشراء حتى غروب يوم الأحد، وتتواصل أعمال البيع للأنواع الأخرى من الماشية، مثل الأبقار والجاموس والخراف والماعز، على مدار باقى أيام الأسبوع، وتُعد كلمات «هج» و«إخ» من أكثر الكلمات التى تتردد داخل سوق الجمال، يخاطب بها المربون والتجار جمالهم للوقوف على أرجلها، حتى يعاينها المشترون، أو للطلب من الجمل الجلوس على الأرض بهدف إراحته.
«تجارة الجمال هى شريان الحياة لأهالى دراو، منقدرش نعيش من غيرها، وفى حال توقفها لأيام قليلة، الحياة بتتلخبط معانا، لأن أكثر من 20 مهنة مرتبطة بالجمال، فهى مصدر رزقنا الأول، وهى ما نشتهر به عن غيرنا فى أسوان خاصةً، وفى مصر عامةً»، هذا ما أكده «ياسر دياب»، أحد أهالى المدينة، لـ«الوطن»، مشيراً إلى أن هناك عدداً كبيراً من أبناء دراو يعملون فى مجال تجارة الجمال بصفة مباشرة، بدءاً من «المناول، والمربى، والشحَانة، والقومسيونجى، والسائقين، والتاجر»، بينما يستفيد آلاف آخرون من تجارة الجمال بصفة غير مباشرة، مثل أصحاب المحال التجارية والبِقالة والطعام والشراب، وأضاف «دياب» أن «الحياة تزدهر بوجود الجمال، وتتوقف باختفائها»، لافتاً إلى أن هذه الأيام هى أفضل فترة فى السنة، حيث ترتفع نسبة البيع والشراء إلى نحو 90% من الجمال المقبلة من السودان، كما أشار إلى أن عدداً كبيراً من المواطنين يقبل على شراء الجمال لذبحها فى «عيد الأضحى»، نظراً لأنها توفر لهم كمية كبيرة من اللحوم، وبمواصفات جيدة، وتابع بقوله: «لا نستطيع العيش بدون الجمال، فقد تعودنا عليها وتعودت علينا، حتى أصبحت دراو هى مقصد تجار الجمال من مختلف محافظات مصر».
وتحدث عدد من تجار الجمال بسوق «دراو» لـ«الوطن»، منهم «حسن أبوعمار»، الذى اعتبر أن الأسعار هذا العام «متوسطة»، مشيراً إلى أن السوق استقبل خلال الفترة الأخيرة ما يقرب من 4 آلاف جمل، متنوعة ما بين صغير وكبير، كما وصف حركة البيع والشراء بأنها «متوسطة» أيضاً، وأضاف أن «سوق الجمال فى دراو معروف للجميع، وما زال التعامل فيما بيننا يجرى بكلمة شرف، فنحن نقوم ببيع عشرات الجمال بمختلف أعمارها، لبعض التجار فى المحافظات الأخرى، من خلال كلمتنا والثقة المتبادلة فيما بيننا»، مشيراً إلى أنه فى بعض الأحيان يتم الاتفاق مع أحد التجار على شراء الجمال بمبالغ تصل إلى 300 ألف جنيه، دون كتابة إيصالات بين التجار، وأعرب عن تمنياته بأن يولى القائمون على السوق بعض الاهتمام به، والحرص على نظافته ورشه بالمياه يوم الجمعة، تمهيداً لانعقاد السوق يومى السبت والأحد من كل أسبوع، حيث يشهد السوق دخول وخروج آلاف الجمال خلال هذين اليومين، ما يتسبب فى انتشار سحب من الغبار، تخنق الموجودين فى السوق.
أما «عبدالله السنوسى الأنصارى»، أحد أهالى «دراو»، فقال: «كانت الجمال تُستخدم قديماً فى التنقل بين البلدان، والسفر عبر الصحراء، لقدرتها على تحمل العطش والجوع لأيام طويلة، كما تُستخدم فى بعض الأعمال الحقلية، مثل نقل المحاصيل الزراعية، وما زالت هذه الأنشطة موجودة فى بعض القرى والعشوائيات القريبة من الجبال، وعادةً ما يكون سعر الجمل الذى يعمل فى الحقول أعلى من الجمل الذى يتم ذبحه، وشدد على قوله: «لا نستطيع أن نبتعد عن الجمال، فقد أصبحت جزءاً من حياتنا فى دراو»، معتبراً أن التطور الكبير فى وسائل المواصلات، دفع البعض إلى الاستغناء عن الجمال فى السفر والنقل، وانحصر دورها فى توفير اللحوم والألبان، مؤكداً أن تجارة الجمال تُعد مصدر دخل أساسياً لعدد كبير من العائلات، تنتمى غالبيتها لقبائل «العبابدة والبشارية والجعافرة والأنصار» بمحافظة أسوان.
واعتبر «السنوسى» أن أهم المشكلات التى تسببها تجارة الجمال لأهالى «دراو»، تتمثل فى تكدس مئات السيارات والشاحنات المحملة بالجمال أمام مزلقان السكك الحديدية، بناحية «نجع الغابة»، خاصةً أن هذا المزلقان ضيق للغاية، ولا يتسع إلا لسيارة واحدة فى أحد الاتجاهين، الأمر الذى يؤدى إلى تداخل السيارات، ما يصيب الحركة المرورية بالشلل لساعات طويلة، ودعا المسئولين فى محافظة أسوان إلى العمل على حل هذه المشكلة، التى يعانى منها أبناء «دراو» منذ عشرات السنين، إما بتوسعة المزلقان، أو إنشاء كوبرى علوى فوق خط السكك الحديدية.
ومن جانبه، قال «سيف الدين مصطفى»، من مشايخ قبيلة «العبابدة» ومن أهالى مركز دراو، إن أسعار شراء الجمال من السودان وغيرها ترتبط بسعر الدولار وعملة الدولة، حيث يتراوح سعر «القاعود»، وهو الجمل الصغير، بين 12 و14 ألف جنيه، بينما يبدأ سعر الجمل الكبير من 17 ألفاً إلى 25 ألف جنيه، وأضاف: «نرى فى الجمال أنها تجلب الخير، بل هى الخير نفسه»، وأشار إلى أن بعض الأهالى يطلقون بعض الأسماء على الجمال منذ ولادتها، فالجمل الوليد يتم تسميته «بلمون»، وبعد مرور عام على ولادته يُسمى «حاشى»، وعندما يبلغ سنتين تتم تسميته «قاعود تنى»، وبعد 4 سنين يُسمى «قعود رباع»، وبعد 6 سنوات يطلقون عليه اسم «جمل سديس»، وبعد مرور 8 سنوات يُسمى «جمل ناب»، وهو الجمل الذى يمكن استخدامه فى كثير من الأعمال الشاقة.