شوقى حجاب: عملت بإخلاص 53 عاماً.. ولا أعرف سبب عدم ترشيحى لجوائز الدولة
شوقى حجاب
قدم المئات من روائع الأغنيات على مدار مسيرته المهنية التى تتجاوز نصف القرن، شاعر من طراز رفيع، وقيمة فنية كبيرة، اختار أن يسلك طريقاً صعباً للوصول إلى أمنياته وإشباع ذائقته الفنية، فلا أحد من الأجيال القديمة، أو حتى المعاصرة، ينسى إبداعاته فى أغانى الأطفال، مثل «كوكى كاك»، و«سكر وبنجر»، و«بابا حبيبى».
«الوطن» حاورت الشاعر الكبير شوقى حجاب، الذى تم تكريمه مؤخراً من معهد «دراما بلا حدود»، حيث استعرض شريط ذكرياته، بداية من نشأته فى قرية المطرية بالدقهلية، مروراً برحلة سفره إلى القاهرة واحترافه الفن، كما تطرّق إلى حكاياته مع نجوم الزمن الجميل من ساسة وشعراء وفنانين كبار، أمثال سعاد حسنى وصلاح جاهين وتحية كاريوكا وعبدالرحمن الأبنودى. وفى نهاية حديثه كشف عن أهم أعماله الفنية التى يعمل عليها فى الفترة الراهنة، والكثير من التفاصيل فى سياق السطور التالية.
الشاعر الكبير لـ«الوطن»: إهانة المثقفين سمة العصر.. والناس كانت ستلتف حول شعبان عبدالرحيم لو سار بجانب نجيب محفوظ
تم تكريمك مؤخراً من «معهد دراما بلا حدود» الدولى واختيارك رئيساً له.. فكيف ترى فكرة التكريم بشكل عام؟
- لا شك أن التكريم شىء جميل فى العموم، فهو يعنى أن هناك من يذكر أعمالك ويقول لك شكراً، فقد عملت فى مؤسسات دولية، وكنت دبلوماسياً لمدة 10 سنوات بالأمم المتحدة، كما أخرجت عشرات الأعمال، وقدمت مئات الأغانى، فأنا ليس لدى قدرات مالية كبيرة، لكن لدىّ قدرات أديبة، لكن يؤسفنى أن أرى كثيراً من الناس أقل منى عطاء بكثير، ولكنهم يحصلون على حقوق مادية أكبر منى.
تبدو متأثراً بواقعة معينة.
- على سبيل المثال، منذ عدة أيام طلبنى أحد العاملين بقناة خاصة للظهور كضيف شرف فى برنامج تليفزيونى، فقلت لهم إن أجرى عن اللقاء سيكون 10 آلاف جنيه، وهو رقم تافه بالنسبة للقناة والبرنامج، فقالوا إن هذا رقم كبير، وإن أجرى سيكون ألفى جنيه على الأكثر، رغم علمى أن أجر الفنانة فيفى عبده، عندما يتم استضافتها فى نفس البرنامج هو 100 ألف جنيه! أليس من حقى أن أحصل على حقوقى المالية عندما أحل ضيفاً على القنوات الفضائية؟!
«ماسبيرو» يرغب فى تقديم أعمالى دون مقابل وهذا «عيب».. وقناة خاصة استكثرت علىّ 10 آلاف جنيه رغم أنها تمنح فيفى عبده «100 ألف»
كيف ترى هذا الأسلوب فى التعامل معك كمثقف؟ وما الدلالة التى تحملها الواقعة؟
- مع احترامى للفنانة فيفى عبده كإنسانة، فهى لها الحق فى أن تحصل على تريد، إلا أن أننى شعرت بالمرارة والوقاحة والجهل من قِبل البرنامج، فرؤية هؤلاء الناس لنا بهذه الصفاقة مهينة لنا، ولو سرت بجوار شعبان عبدالرحيم فى الشارع سنجد أن الناس ستلتف حوله أكثر منى، وفى وعصرنا الحالى لو سار شعبان إلى جوار نجيب محفوظ، سيكون له شعبية أكبر من الأديب العالمى، وهذه علامة على تدنى الثقافة وعدم احترام المثقفين، ولا أعنى بكلامى التقليل من قيمة صديقى شعبان عبدالرحيم.
وماذا عن التقدير الرسمى وجوائز الدولة؟
- لماذا لا أحصل على جائزة الدولة التقديرية، أو حتى يتم ترشيحى لها، فقد قدمت أعمالاً لأطفال مصر بإخلاص طوال 53 عاماً، ولى علامات فى الغناء والإخراج وفى السيناريو والموسيقى، ولى فى وجدان الشعب المصرى والعربى مكانة خاصة، وقد كنت من قبل رئيساً للجنة الجائزة التشجيعية، ولم أحصل عليها فى يوم ما، رغم أن البعض يحصل عليها بالاتصالات والعلاقات. لا أعرف سبب عدم ترشيحى لجوائز الدولة إلى الآن، أنا لا أطلب أو أتسول، لكن هذه ملاحظة فقط، وبعض ممن حصلوا على جوائز النيل التى كان اسمها «جائزة مبارك» لا يستحقونها، وحتى نفقات سفرى خارج مصر كانت على حسابى الشخصى، أو على نفقة الأمم المتحدة.
وماذا عن تجربتك الشخصية مع الاعتقال فى سن صغيرة؟
- كنت وقتها رئيساً لاتحاد الطلاب بمدرستى الثانوية، وألقى خطباً بشكل يومى فى طابور الصباح، وكنت أنتمى إلى ما يسمى وقتها «جماعة التوعية»، واعتُقلت فى عام 1965، بسبب وقوفى بجوار صغار الصيادين ضد جشع تجار الجملة، وكان معروفاً عنى أننى أستأجر عربة حنطور وميكرفوناً أتجول به فى شوارع البلد وأوجه نصائح للناس، وكنت أفعل ذلك بحماس شديد وأقتطع جزءاً من مصروفى لأدفع أجر الميكرفون، وأجريت فى ذلك الوقت منافسة مع رئيس اتحاد الطلاب بالدقهلية، حيث حاول إزاحتى من خلال تلفيق تهمة الانتماء إلى حزب شيوعى، والذى كان بمثابة «بعبع» فى ذلك الوقت ويعادل الكفر أو الإلحاد.
ما أثر هذه التجربة على مسيرتك؟
- ابتعدت عن البيت نحو شهر ونصف لأقضى مدة الاعتقال الذى كان له مذاق خاص، خاصة أننى وجدت دعماً كبيراً من المحيطين بى، ومن شخصيات أخرى من خارج البلدة، فقد زارنى فى المعتقل الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، لأنه كان صديق سيد حجاب وقتها، وكانت برفقته عطيات الأبنودى، وزارنى أيضاً سمير عبدالباقى ورفعت السعيد، وغيرهم ليشدوا من أزرى، فقد بدأت كتابة الشعر فى هذه السن، وكنت أحاول الإصلاح وإضافة رؤيتى الخاصة إلى العالم، فالشاعر لا بد أن يكون مهموماً بقضايا الوطن.
تعاطف جيهان السادات مع الكيان الصهيونى وراء خلافى معها.. ومشروع «القراءة للجميع» يُحسب لسوزان مبارك
هل دفعك تعرضك للاعتقال أنت وسيد حجاب لاتخاذ موقف من النظام الناصرى؟
- لا.. لأنه لا توجد بيننا خلافات شخصية بالطبع، فالقضية هى بناء وطن، ولا علاقة لها بالثأر الشخصى، فهذا الرجل صعيدى ووطنى حقيقى، بكل ما له وهو كثير جداً، وكل ما عليه وهو قليل جداً، فهو كان زعيماً حقيقياً.
وماذا عن دخولك إلى عالم التليفزيون والكتابة للأطفال؟
- كنت أبحث عن دور اجتماعى، وأجرّب نفسى فى الكتابة للأطفال، فقد كان عمرى 19 عاماً، ويحيى الطاهر عبدالله هو من عرّفنى الطريق إلى برامج الأطفال بالتليفزيون، وزكّانى لدى المسئولين به، فعملت فى برنامج «عصافير الجنة» مع العظيمة سلوى حجازى. كنت أخترع فى هذا البرنامج لعبة جديدة أسبوعياً، من ضمن هذه الألعاب لعبة «أبريق الشاى»، التى أعجبت صلاح جاهين وقتها، وقال لى: هل من الممكن أن أكتبها أغنية؟ فقلت له: «يا ريت»، وفوجئت به فى اللحظة نفسها يخرج من جيبه الأغنية، وكان كتبها بالفعل، وغناها سيد الملاح.
هل تصادمت مع السادات بشكل أو بآخر؟
- كانت علاقتى الشخصية به جميلة جداً على المستوى الإنسانى، منذ أن كان عضواً بمجلس قيادة الثورة، فقد جاء إلينا فى بلدتنا بصحبة زكريا الحجاوى، الذى قدمنى له باعتبارى شاعراً، ولا أكون مبالغاً إذا قلت لك إن السادات يُعد أحد الذين منعونى من الانتحار عندما كنت طالباً فى الثانوية، بعد أن استنفدت مرات رسوبى، فتحدث معى وقتها عن الظروف القاسية التى تعرض لها، سواء تجربة السجن، أو العمل ببعض المهن الأقل شأناً، فأعاد إلىّ شهيتى للحياة وقتها، فأنا مدين له بذلك. هذا على المستوى الإنسانى، لكن ما آخذه عليه أنا والكثيرون من أبناء جيلى هو اتفاقية «كامب ديفيد»، والاختلاف معه كان على علاقته بإسرائيل، والسادات «انضحك عليه» فى كامب ديفيد، فعندما تقرأين مذكرات كارتر ومناحم بيجن والملك حسين وغيرهم، وتحللينها تكتشفين هذه المصيبة.
وماذا عن علاقتك بجيهان السادات؟
- عندما كانت السيدة الأولى، كانت تشارك أحياناً فى برنامج «عصافير الجنة» وتغنى الأغانى التى أكتبها له، لكن خلافى معها سببه تعاطفها مع الكيان الصهيونى، تحت شعار السلام، وهذا موضوع مرفوض.
عاصرت نظام مبارك، فكيف تعاملت مع المستجدات؟
- كنت أقرب إلى السيدة سوزان منى إلى مبارك، وبعد ثورة 25 يناير مباشرة، كتبت مقالاً كبيراً فى الأهرام، ذكرت فيه أنها لها ما لها وعليها ما عليها، لكنى معجب جداً بمشروع «القراءة للجميع» الذى تبنّته هذه السيدة، فقد كانت مهتمة اهتماماً غير مسبوق وبشكل شخصى بنجاح المشروع، فهى من وقفت وراءه، واستطاعت أن تجمع رعاة تكفلوا بتمويله، فلو كانت وزارة الثقافة بمفردها التى تبنت المشروع لما كان لينجح كل هذا النجاح، فعلينا أن نحترم الحقيقة، حتى لو كانت من الأعداء.
«ناصر» كان زعيماً حقيقياً.. و«السادات» أنقذنى من الانتحار.. وأدين لـ«السيسى» بالكثير لأنه قهر الإخوان
والرئيس السيسى؟
- أنا كمواطن مدين للسيسى بأنه استطاع أن يقهر الإخوان، فقد كانوا كالجراد الذى يقضى على كل شىء، وانتخبته لأنى لم أكن مصدقاً أن هناك من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة.
ما ملامح مشروع مسلسل «10 شارع نجيب الريحانى»؟
- تاريخ هذه الشقة، وحيوات من مروا عليها من ساسة ومثقفين وفنانين، وما ارتبط بهم من أحداث مؤثرة فى تاريخ مصر، وقد كتبت نحو ثلث المسلسل، فمن حسن حظى أننى اقتربت من هذه الشخصيات والأحداث التى شهدتها الشقة، وكنت مشاركاً أو شاهداً بهذه الأحداث، وأرى أنها من الضرورى أن توثق بشكل درامى، والعمل معروض على أكثر من جهة إنتاجية أفاضل بينها، وسأقوم بإخراجه، والمسلسل يستغرق وقتاً فى الكتابة بسبب أنى أقوم بعمل ما يسمى بالاجترار الذاتى لاسترجاع الأحداث والشخصيات، ففيها ما هو حقيقى وما هو درامى، فمثلاً أجمع 3 شخصيات للشعراء القناوية الثلاثة عبدالرحمن الأبنودى وأمل دنقل وعبدالرحيم منصور، فى شخصية واحدة بالمسلسل، فالثلاثة كبار وأصحاب موهبة طاغية، لكن ليس كل ما يُعرف عن أى منهم يصلح لأن يقدم فى عمل فنى، وتحية كاريوكا شخصية أقدمها تحت اسم «كرملة»، وبعض الشخصيات تظهر بأسمائها الحقيقية مثل صلاح جاهين.
هل هناك مشروع للتليفزيون؟
- لدىّ برنامج «حكايات خاصة جداً»، وهو عبارة عن حلقات قصيرة لا تتجاوز العشر دقائق يومياً، أتحدث فيها بشكل عفوى جداً من مخزون الذاكرة، وأود تقديم البرنامج على إحدى القنوات الفضائية، كما أن الهيئة العامة للكتاب ستقوم بطباعة أعمالى المنشورة بالصحف على شكل مسدسات قريباً، لتُطبع فى شكل دواوين.
هل من الممكن أن تقدمه على التليفزيون المصرى مثلاً؟
- إحدى قنوات التليفزيون تود أن أقدم البرنامج لديها، وكلمنى المسئولون بها، إلا أن التليفزيون المصرى يرغب فى تقديم أعمالى دون مقابل مادى وليس لدىّ الاستعداد لذلك فى الوقت الحالى، فيكفى ما قدمت من قبل من أعمال بلا مقابل، فقد قدمت فى العامين الماضيين برنامجاً على إذاعة «صوت العرب» من 30 حلقة فى موسمين رمضانيين، ولم أحصل على أى مقابل عنهما، وهذا عيب، فقد كنا فى أيام الحرب نحصل على أجورنا.
شوقى حجاب يتحدث لـ«الوطن»