تجمعات حاشدة أمام أقسام ومعاهد وكليات الإعلام تطالب بالحصول على مؤهلات علمية كخريجي الإعلام كما يناشدون الجهات المعنية بسرعة التدخل للحصول على الشهادة أو توفير فرص عمل لهم بمجال الإعلام بأذرعه المختلفة.
تلك المشهدية لم تحدث بعد ولكن ربما نراها قريبا عبر الشاشات ..
حالة من الفوضى العارمة التي لم تنتاب المجال الإعلامي بشقيه الأكاديمي والمهني فحسب بل أصابت في مقتل عملية التدريب والتأهيل الإعلامي لكوادر من خريجي الإعلام أو المهتمين بهذا المجال أيضا.
تأتيني إشعارات يومية من أكاديميات ومؤسسات وهمية أو موجودة بالفعل (ولكنها تعمل تحت بئر السلم)، تُغرِق مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات عن ورشها ودوراتها التدريبية بمجال الإعلام، تداعب أحلام شباب الإعلاميين أو غير خريجي الإعلام في الوصول إلى عالم الشهرة والنجومية، فتقدم لهم سير ذاتية مزيفة عن مدربين ليسوا على كفاءة ولا مهنية ولم يلتحقوا من الأساس بمجال الإعلام كما تقطع لهم وعودا كاذبة عن التعيين في إحدى المؤسسات الإعلامية عقب الدورة التدريبية.
منذ وقت قريب كانت لدينا إشكالية تتعلق بمن هو الإعلامي؟ الدارس للإعلام أم الممارس للمهنة؟ والآن باتت لدينا إشكالية أكثر خطورة تتمثل في من هو المدرب الإعلامي؟ وما مؤهلاته وسماته؟ وكيف يتكامل ما يقدمه المدرب الإعلامي من مفاهيم وخبرات مع المناهج النظرية للإعلام؟ وهل ما يُقدم عبر هذه الدورات له علاقة فعلية بصناعة الإعلام من الأساس؟ وهل يرتبط بمتطلبات السوق الإعلامي وتحديثاته المستمرة وتخصصاته التي تتعقد وتتشابك يوما بعد يوم؟ أسئلة عدة ولكن (السبوبة) تحكم!
حينما انظر إلى إعلانات هذه الأكاديميات أو (السبوبات غير الإعلامية)، إن جاز التعبير، أصاب بغُصة شديدة تزداد حينما أجد تفاعلا من جانب طلاب الإعلام أو غير دارسية معها وتجاوبهم مع دوراتها وكأنها الأمل الوحيد المتبقي لدخول مجال الإعلام.
يزداد الأمر تعقيدا مع مؤسسات حاصلة على ترخيص أو تصريح بأنها جمعية أهلية تعمل لصالح خدمة المجتمع. وتقنع الجميع بأن الأموال المستحقة من الملتحقين بدوراتها التدريبية ما هى تكلفة انعقاد الدورة (والأجر على الله والمكسب في الآخرة وسلم لي على مثاليات وفضائل ويوتوبيا الإعلام التي تتم المتاجرة بها).
علما بأنها ربما تفعل ما تفعل للتهرب من دفع الضرائب والمستحقات الخاصة بالدولة فتعمل تحت غطاء المؤسسات غير الهادفة للربح رغم أنها ( تربح أموالا أو يربح أصحابها رأسمال معنوي داخلي أو خارجي يتم الانتفاع به في غير مجال الإعلام أيضا)
وعلى أية حال فقد توصلتُ مؤخرا إلى ثلاثة أنواع من (السبوبات التدريبية) في مجال الإعلام:
النوع الأول من السبوبة: الأسماء الرنانة التي ليس لها وجود أو كيان مؤسسي تستأجر أماكن مختلفة لعقد دوراتها بمدربين ليسوا على كفاءة أو ذوي خبرات محدودة وضعيفة تتاجر بأحلام المهتمين والدارسين في أنها سوف توفر لهم وظائف في القنوات والمؤسسات الإعلامية.
النوع الثاني من السبوبة: مؤسسات تدريبية لها كيان مؤسسي أو ليس لها كيان تضع بطريقك إعلانات برَاقة عن مدربين لهم ثقل كبير، وتحدث الطامة حينما تلتحق بالدورة فعليا فلا تجد مثل هذه الأسماء مطلقا، وتُفاجأ بحفنة من المدربين الذين ليس لهم علاقة بالإعلام!
النوع الثالث من السبوبة: مؤسسات لا تعلم عنها شيئا تمرر لك مضامين ومحتوى ليس له علاقة بالإعلام ولكنها تصر على أن هذه الدورات مختلفة وجديدة وأنها مطلوبة في المستقبل! فتنخدع بأسماء دورات تدريبية من تأليف وإخراج المدربين الخاصين بها وليس لها علاقة بالإعلام التقليدي أو الجديد من قريب أو من بعيد.
وبالطبع لستُ ضد التدريب الإعلامي فهو ضرورة مُلحة لطلبة الإعلام لتطوير مهاراتهم والتحول من المبادئ النظرية إلى التطبيق الفعلي والممارسة ولا اعمم الأمور أيضا عبر النماذج السابقة بل هنالك مؤسسات تدريبية مصرية راقية أكنُ لها كل الاحترام والتقدير وتمتاز بالمصداقية.
كذلك تقدم محتوى إعلاميا شاملا وعلى كفاءة عالية يؤهل حقا شباب الإعلاميين لتحديات سوق العمل المقبلة ولكنها تُعد على أصابع اليد الواحدة ولست بصدد الحديث عنها.
فالخطورة الحقيقية تكمن في (السبوبات) التي خُلقت إما بُغية الربح المادي أو من أجل "تلميع" شخصيات معينة في مجال التدريب أو بهدف استقطاب طلاب الإعلام وغيرهم لبث آراء معينة أو توجهات خاصة لعمل التعبئة والحشد وقت الحاجة !
في الدول الغربية لا يمارس التدريب الإعلامي حقا إلا من حصل على شهادة / إجازة جامعية في مجال الإعلام ومارس المهنة بإحدى المؤسسات العاملة بمجال الإعلام كما أن أغلب المعاهد التدريبية الإعلامية بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة إما تابعة لكليات ومعاهد الإعلام كوحدات ذات طابع خاص أو لا تتبع جامعات بعينها ولكنها تخضع للقوانين واللوائح المنظمة لكليات ومعاهد الإعلام بحيث تكون شهاداتها ودبلوماتها معتمدة من هذه المعاهد والكليات.
ومن هنا لابد من وجود اتحاد نوعي أو هيئة رقابية لتقييم ومتابعة جودة التدريب الإعلامي والإشراف على محتواه ومتابعة العملية التدريبية بأطرافها بدءا من المدرب ومرورا بالمضمون المقدم وصولا إلى المستفيد من هذه الخدمة التدريبية.
فلا ينبغي أن نترك التدريب الإعلامي عُرضة لرأس المال والأهواء والمتاجرة بأحلام الطلاب في العمل بالمهنة ولا ينبغي أن نترك التدريب الإعلامي أداة للتسول أو جمع تبرعات بدعوى مساعدة شباب الإعلاميين أو كفالتهم !
ولا ينبغي للطلبة أو المهتمين بمجال الإعلام الانسياق وراء أي إعلانات مدفوعة يتم تمريرها عبر مواقع التواصل من خلال (مؤسسات السبوبة) والتفاعل معها وعليهم تحري الدقة فيما يُقدم لهم قبل الاشتراك بمثل هذه الدورات؛ لأنهم بذلك يعطون شرعية لمثل هذه المؤسسات لتمارس عملها في النصب والاحتيال وخداع الآخرين بنفس الطريقة بحيث يكون الخاسر الوحيد والأكبر هم المتدربون الذي لا يجدون تدريبا ملائما يوازي المستحقات المدفوعة ويؤهلهم للعمل فعليا.
أخشى أن تتحقق يوما المشهدية التي بدأتُ بها هذا المقال إذ نجد جيوشا من المتدربين الذين يحتشدون أو يطالبون كليات الإعلام بالاعتراف بما حصلوا عليه من تدريب ومن ثَم التسجيل في دبلومات الإعلام بالكليات والمعاهد أو المطالبة بالتعامل معهم قانونيا كخريجي الإعلام.
ليتحول الأمر من الخلاف التقليدي بين الأكاديميين والممارسين وكذلك الصراع بين دارسي الإعلام وغير دارسيه من العاملين بالمهنة في الالتحاق بنقابة الإعلاميين إلى صراع من نوع جديد بين متدربي الإعلام في (السبوبات التدريبية) وكليات الإعلام ذاتها!
وبذا تتحول المقولة التي اعتدنا عليها مؤخرا لتصبح ( الإعلام والتدريب الإعلامي والمدرب الإعلامي سبوبة من لا سبوبة له في هذا العصر بمصر)