"لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع" هكذا يقول المثل الشعبى المتداول، لكن فى العصر الحالى انعدمت الأذواق وازدهرت السلع الفاسدة فى جميع مجالات الحياة، وتجلى ظهور الفساد فى مجالات الفن والثقافة على وجه التحديد.
الأذواق الحالية تمثل مرآة متسخة للمجتمع تعكس ما بداخله من قبح فتزداد اتساخاً حتى اصبح الناس لا يروا سوى الصور المشوهة فاعتادوا القبح وأحبوه.
لا اتعجب من وجود القبح فى حد ذاته فهو موجود منذ بدء الخليقة ولولا وجوده ما عرفنا الجمال؛ فالأشياء تعرف بنقيضها، لكن ما اتعجب منه هو الاستحسان الذى بات يلاقيه القبح من مجتمعاتنا حتى أصبح بمثابة نجم شباك أول يتهافت الناس على رؤيته والاستمتاع به.
الفن والثقافة يعدان بمثابة مؤشر لرقى المجتمعات يؤثرون ويتأثرون بأحداث المجتمع، لعل جولة صغيرة فى الإعلام باختلاف وسائله تطلعنا على ما آل إليه أحوالهما؛ باعتبار الإعلام الوسيلة الأساسية لنقل المحتوى الفنى والثقافى إلى الجمهور العام، فمع كل ضغطة زر فى التلفيزيون ستجد أشكال مختلفة من الإسفاف والاستهانة بعقلية المشاهد، تلك قناة تعرض برنامجا ترفيهيا بلا محتوى حقيقى يثرى تفكير المشاهد ويروح عن نفسه، بل هو قائم على استخدام الإيحاءات الخادشة للحياء، وقبل أن تتعجب من كيفية عرض مثل هذا البرامج تجد لقطة تظهر سعادة الجمهور وتفاعله مع ما يتم عرضه والمشاركة فى فقراته فى بعض الأحيان.
قناة آخرى تعرض برنامجها الأكثر مشاهدة والحائز على أعلى نسبة من الإعلانات -التى لا تخلو فى حد ذاتها من الإسفاف- لتجده برنامج توك شو يخلو من المفهوم المتحضر لثقافة الحوار وقبول الآخر، فهو لا يقدم إلا الحوار المتدنى و"خناقات شوارع" بين ضيوف البرنامج أو حتى بينهم وبين المذيع نفسه.
ثم ينتقل الإعلامى من كرسى المذيع إلى كرسى المحلل أو "المصطبة" إن صح التعبير، ليرصد ويفسر الأحداث حوله كما يشاء، يُخون هذا ويتهم ذاك دون دليل، ثم يعطى نصائحه الثمينة للمشاهد وهو فى قمة انفعاله.
أما برامج المرأة فهى تشبه أكثر جلسات النمينة بين مجموعة من "عواجيز الفرح"، وعادة تقوم فكرة تلك البرامج على تناول قضايا سطحية تصاغ فى إطار جدلى بين الرجل والمرأة مثل "يا ترى مين سواقته أحسن الستات ولا الرجالة" أو "من الطرف الأكثر خيانة فى العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة"، مما نتج عنه نشر ثقافة القولبة والتعميم، أى إطلاق صفات معينة يختص بها جنس بأكمله، بالإضافة إلى تعميق الخلاف بين الرجل والمرأة، وتسفيه القضايا التى تهم المرأة حقاً، والتغاضى عن دحض المفاهيم المغلوطة ضد المرأة فى الثقافة العربية، مما أدى إلى الإضرار بالمرأة أكثر بدلاً من دعمها.
لن يختلف الحال كثيرا إذا قررت الاستماع إلى الراديو، ستشعر وأنت تستمع إلى معظم برامجه كأنك تتنصت على دردشة بلهاء بين اثنين من الأصدقاء.
أما إذا قررت الذهاب إلى السينما فستجد الأفلام منحصرة فى مثلث الراقصة، أغانى المهرجانات، والابتذال، ما عدا أفلام قليلة معدودة تسعى لتقديم فكرة وتجربة فنية مختلفة تحترم عقل المشاهد.
حتى المسارح لم تسلم من هذا التشوه، لطالما كان للمسارح المصرية دور ثقافى تنويرى سواء المسرحيات الكوميدية الهادفة كمسرحيات نجيب الريحانى ومحمد صبحى أو المسرحيات التى أثرت الأدب المصرى بعيداً عن الاقتباس من الأدب العالمى مثل مسرحيات توفيق الحكيم، أما الآن فأشهر مسرحية يتم عرضها لا تقدم فكرة من الأساس حتى يتم نقدها إنما هى مجموعة من الإيفيهات الساذجة يتخللها سخرية الأبطال من مظهر بعضهم البعض، الأمر الذى يدعم مفهوم التنمر فى الثقافة المصرية.
لا ألقى باللوم على الإعلام وصناع المحتوى الفنى و الثقافى فقط، بل الجمهور ذاته يشاركه المسئولية، ولعل خير دليل على اتهامى هذا هو محتوى مواقع التواصل الاجتماعى، الذى يلعب فيه الجمهور دور صانع المحتوى بشكل أساسى، ومع ذلك تجد حاله لا يختلف كثيراً عن ما سبق ذكره، ويعج بنماذج واهية من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعى، يختار المستخدمين متابعتهم فينالوا شهرة أكبر تنقلهم إلى منصات الإعلام التقليدى ويصبحوا مؤلفى كتب ومقدمى برامج وتزداد ترهاتهم انتشاراً.
الأمر بمثابة حلقة مفرغة، فلا بد من العمل على رفع نسبة الوعى والثقافة لدى الشعب من ناحية فيرفض كل ما هو مبتذل، ومن ناحية آخرى إمداد الساحات الثقافية والفنية بمحتوى يرتقى بالذوق العام.