جاء الشاب المثالى المجتهد الدكتور أحمد الأنصارى محافظاً لسوهاج، قادماً من مرفق الإسعاف الذى كان يتولاه وسط آمال عريضة من مواطنى المحافظة فى أنه سيُحقق للمحافظة ما تحلم به، أو بعض ما تحلم به، خاصة ما عُرف عنه من بعد عن المجاملات والمحسوبية ونشاطه الذى لا يفتر.
جاء سيادته إلى محافظة تحتل الترتيب الثانى من حيث أنها أفقر محافظات الجمهورية، ليرث المحافظ الجديد تركة مثقلة بالمشاريع المتوقفة، التى تحتاج إلى تدخّل سريع لإنهائها، وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين، وإيجاد فرص عمل لأبناء سوهاج.
والبداية أن يتفرّغ لرصد وجمع كل الأسباب التى أدت إلى الإطاحة بالمحافظين السابقين للمحافظة، وآخرهم الدكتور أيمن عبدالمنعم محافظ سوهاج، الذى بذل كل ما فى وسعه، لكن وقع فى أخطاء أدت إلى الإطاحة به، على رأسها سوء التعامل مع أزمتى انتحار الشاب علاء شلبى، والشاب أسامة يعقوب الذى انتحر أسفل عجلات القطار أثناء تنفيذ حملة ضبط لحوم فاسدة.
ثم تأتى الأزمات المتعلقة بالمستشفى التعليمى بسوهاج، وما تلاها من محاولة قيامه بتنفيذ مصالح وتأشيرات النواب الذين كان يحاول المحافظ إرضاءهم على مصلحة العمل. ثم تأتى مشكلة انغلاق معظم قيادات محافظة سوهاج عموماً على أنفسهم، ووجودهم ليل نهار فى المكاتب المكيفة فى معزل تام عن مشكلات أبناء سوهاج فى القرى والمراكز، بداية من الطرق التى أصبحت مجموعة من الحفر، مروراً بالتكاتك التى شوهت كل مكان، إلى مشروعات الرصف التى انتهت بتكسير و«خنق» الشوارع، ومحطات صرف «المنشاة» و«شطورة» وغيرها المتعثرة، والمصانع المغلقة التى تحتاج إلى حلول عاجلة، ومشكلة توسعة مشروع كورنيش النيل الغربى، الذى بدأ العمل به قبل 3 سنوات، وكان من المقرر أن يتم الانتهاء من المشروع خلال 6 أشهر، وهو ما لم يحدث، وكل ما حدث عبارة عن عمليات حفر وتكسير فى الشارع الرئيسى، مما أدى إلى خنق المحافظة مرورياً، بسبب غلق هذا الشارع الحيوى بها.
ودائماً ما يشكو أبناء المحافظة مما مضى، ويشكون من المشاريع الإنتاجية التى تديرها المحافظة، وتحقق خسائر كبيرة، ويجب إيجاد حلول عملية لها، سواء بطرحها للاستثمار، أو بيعها بشكل نهائى.
ثم يظل فساد المحليات فى سوهاج كغيرها من المحافظات أمراً قلما نجد من يدخل فيه بقوة، ولا مناص من الاستعانة بشباب المحافظة فى القرى والمراكز ممن يُعرف عنهم الجدية والأمانة.
وتظل أهم الجوانب -التى يغفل عنها محافظون كثيرون- الجانب الفكرى للمحافظة، فالمحافظة فى حاجة إلى عقل جديد يعيد لها هويتها ويهتم بتراثها، ويستفيد من أبنائها، وهم رموز كبار منتشرون فى الأزهر والقضاء والجامعات والصحافة والتعليم والهندسة والطب، وعلى المحافظ أن يختار مستشاراً دينياً غير تقليدى، ويكون له دور غير تقليدى، فيعرف خريطة الأفكار والتوجهات المختلفة، ويرسم الخطوط العريضة لحركة ثقافية فكرية تعيد الأمجاد لمحافظة العلم والعلماء، وتبرز محافظة سوهاج كمحافظة لها السبق فى محاربة التطرف والتشدد، سيراً على منهج القدامى، أمثال شيخ الأزهر الشيخ المراغى، الذى كان أول من طالب بحل جماعة الإخوان، والشيخ أحمد شاكر، وهو أول أزهرى وصف الإخوان بخوارج العصر فى مقال له قديم عنوانه: «الإيمان قيد الفتك».