«سيناريوهات ما بعد المعركة»: عودة اللاجئين وضبط المسافات بين «المتقاتلين».. وإعادة الإعمار
الصراع المسلح أجهز على البنية التحتية لمدينة إدلب السورية
«المعركة الكبرى والأخيرة».. هكذا سُميت معركة «إدلب» السورية، نظراً لأهميتها كنقطة انطلاق فى إنهاء الحرب السورية والقضاء على المسلحين الذين هربوا تجاهها، سواء بالاتفاق أو هروباً إلى تلك المدينة التى تعد بوابة للخارج أيضاً، نظراً لاقترابها من الحدود، لتذهب الأنظار لتتساءل عن «ماذا بعد معركة إدلب؟»، هل هو حل سياسى إقصائى أو حل تشاركى؟ أم لم يكن هناك حل بالأساس، فهل الجولات السياسية تأتى بنتائجها بعد كمّ كبير من اللقاءات والاجتماعات أم تستمر دون نتيجة على الساحة السورية؟
الدكتور أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية، أكد أن «معركة إدلب ستضع النقاط على الحروف فيما يخص الحدود الشمالية السورية»، موضحاً أنه بعد المعركة «سيكون لدينا 3 أطراف على الحدود الشمالية، الطرف الأول هو أخطر أطراف الحدود الشمالية وتسيطر عليه سوريا الديمقراطية بدعم من القوات الأمريكية، أما الطرف الثانى فهو المنطقة التى تقع فيها عفرين، وسيكون فيها 12 نقطة متقدمة للجيش التركى، أما الطرف الثالث فهو المنطقة الغربية من الحدود الشمالية، وفيها قوات الشرطة العسكرية الروسية التى تمارس ضغطاً على الحلم الكردى الذى يأمل أن يصل إلى البحر الأبيض المتوسط، ولكنه سيتوقف عند نهر الفرات».
وأضاف «سمير»، لـ«الوطن»، أن تركيا كان لديها حلم بأن تصل إلى الحدود السورية العراقية، ولكن التمدد التركى توقف عند المنطقة الشمالية فى «عفرين»، وفى الوقت نفسه ستسيطر الحكومة السورية على أكبر المنافذ فى شمال سوريا لمنع تدفق اللاجئين إلى تركيا، وتابع: «القضية بعد معركة (إدلب) ستكون قضية الإعمار، وإلى أى مدى الأطراف الدولية والعربية مستعدة لإعادة الإعمار فى سوريا».
«سمير»: المعركة ستضع النقاط على حروف «الحدود الشمالية».. و«السبع»: لا يوجد حل سياسى إقصائى
أما عن النقطة الثالثة التى تحدث عنها «سمير»، فهى عودة اللاجئين لأن هناك حديثاً عن أن اللاجئين الذين سيخرجون من «إدلب» لن يذهبوا إلى تركيا، ولكن سوف يعودون إلى حلب وحمص وحماة فى الغرب والوسط، وبالتالى فكرة إعادة اللاجئين فى داخل سوريا وإعادة توزيعهم ستكون سهلة، مشيراً إلى أن المناطق التى استقرت سواء فى الجنوب أو فى الجنوب الغربى أو حتى المناطق حول دمشق، مؤهلة الآن لاستقبال اللاجئين إلى حد كبير، وبدأت البوادر سواء من الأردن بالعودة إلى المنطقة الجنوبية، أو من لبنان والعودة إلى المنطقة الغربية.
واستطرد: «بالتالى نحن أمام 3 ملفات رئيسية بعد إدلب، ضبط المسافات بين القوات الثلاث، قوات النظام، وقوات المحكومة، وقوات سوريا الديمقراطية، وذلك بجانب النفوذ التركى فى الشمال، والنقطة الثانية عودة اللاجئين، فيما كانت الثالثة إعادة الإعمار»، مؤكداً أن هذه أبرز 3 نقاط سيتم الحديث عنها فى إدلب.
وعن إحداث نقلة سياسية، قال إنه على مستوى سوريا «فإن النقلة تحتاج إلى بعض الوقت، لأن ما نراه فى سوريا هى عملية تحرير للأراضى، وليست عملية عقد اتفاقيات، فعقد الاتفاقيات يضمن حلولاً سياسية، لكن تحرير الأراضى يضمن عودة الدولة، بالتالى نحن أمام سيناريو عودة الدولة. فى اعتقادى معركة إدلب ستستغرق وقتاً طويلاً، لأن العديد من المجموعات المسلحة من كل سوريا توجهت سواء بالاتفاق أو هروباً إلى إدلب»، مشيراً إلى أن هناك أسباباً لذلك، أولها قرب مدينة أضنة التركية التى تعمل فيها كل أجهزة الاستخبارات الغربية لدعم المجموعات المسلحة فى سوريا، وبالتالى التمويل والدعم المالى واللوجيستى تتلقاه من الخارج، كما أنها تجاور الحدود التركية، فالدعم التركى مفتوح دون حساب، فضلاً عن أنه المكان الذى يمتلك بوابات مفتوحة على العالم سواء تركيا أو غيرها، بالتالى فى حالة الهزيمة فستتوجه تلك الجماعات المسلحة إلى الخارج، وأمامها فرص للهروب.
من جانبه، استعرض المحلل السياسى اللبنانى نضال السبع، لـ«الوطن»، التاريخ السياسى للأزمة السورية، مؤكداً أنه لا يوجد حل سياسى إقصائى فى سوريا، ولكن مشاركة سياسية سيحدد الجيش السورى والجانب الروسى ملامحها. وقال «السبع»: «من المعروف أنه منذ بداية الأزمة السورية خرجت الأمم المتحدة والمجموعة الدولية ببيان جنيف 1 فى يونيو 2012، ولا شك أنه وقتها لم تكن جنيف 1 حلاً سياسياً بل كان مشروعاً إقصائياً إلغائياً يستند على نزع شرعية الأسد وحصلت معارضة بذلك الوقت بدعم دولى»، وتابع: «ثانياً كان الواقع الميدانى على الأرض يتجه باتجاه المعارضة، وفى عام 2013 صار هناك ورقة للحل السياسى من 8 نقاط وأعطت ووضعت الأسس لعملية سياسية تمت تسميتها بجنيف 2، هذه الجولات استمرت حتى للجولة الـ8 ولكن المشكلة فيها أنها لم تصل إلى أى نتيجة، وفى 2015 بعد التدخل الروسى استمر مسار جنيف التفاوضى ولكن أيضاً كان هذا المسار متعثراً».
وأشار إلى أن الروس ابتدعوا شيئاً جديداً وهو مسار أستانا، وكان هناك قلق فى هذا الوقت تجاه عدم إحراز التقدم، وتم الاختبار على أن أستانا تستضيف هذا المسار التفاوضى باعتباره مساراً أمنياً يكمل جنيف، مؤكداً: «لا شك أن الظروف الموضوعية وبعد محاولة الانقلاب فى تركيا دفعت تركيا للانخراط أكثر فى مسار أستانا، ما أدى إلى نجاح هذا المسار».
وتابع: «كان من اللافت أن الولايات المتحدة لم تشارك فى أستانا، ولكن مشروعها الأساسى فى سوريا كان دعم الانفصال فى الجنوب، وأمريكا كانت مساهمة بشكل مباشر بوثيقة عهد درعا الانفصالية، ولكن انتهت بعد سيطرة الجيش العربى السورى على الجنوب السورى وبعد سقوط الفصائل، وفعلت شيئاً لافتاً وهو دعم الكيان الكردى الانفصالى بالشمال السورى»، وتابع: «الروس أدركوا آنذاك أن المسار الأمريكى فى سوريا هو مسار تقسيمى، فرفعوا من وتيرة أستانا ومن ثم ذهبوا إلى سوتشى عملياً، فالروس من خلال سوتشى انتزعوا من جنيف 2 بند الإصلاحات الدستورية، وتمت الاستعاضة بسوتشى عن جنيف، ودى ميستورا نفسه شارك، ما أدى إلى إضفاء الشرعية الدولية عليها».
وقال المحلل اللبنانى: «بعد سيطرة الجيش العربى السورى على دوما والغوطة وعلى درعا والقنيطرة ووصل إلى معبر نصيب، وسيطر داخل دمشق على الحجر الأسود وعلى اليرموك والأرياف فى دمشق هو يتجه الآن إلى إدلب، وبالتالى المسار التفاوضى الذى وُلد فى 2012 - 2013 كان بناء على موازين قوى، هذه الموازين تغيرت وانتهت وبالتالى انتقلنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى عنوانها (لا يوجد حل سياسى إقصائى فى سوريا)، نحن مقبلون على مشاركة سياسية ولكن هذه المشاركة سيحدد فيها باعتقادى الجيش السورى والجانب الروسى ملامح الحل السياسى الذى يعتمد على اختيار جزء معين من المعارضة، ولا أعتقد أن معارضة الرياض التى تم دعمها دولياً وحظيت برعاية من دول الخليج سيكون لها مكان فى الحل السياسى، أعتقد أنه من الممكن أن يدفع باتجاه حل سياسى يقوم على دفع منصة موسكو على سبيل المثال وبعض القوى الديمقراطية والتقدمية التى تعيش خارج سوريا، ولم تنخرط فى موضوع العسكرة ودعم الحركات الإسلامية، بالإضافة إلى المعارضة الداخلية من الممكن أن يتم العمل على توسيع مسار سوتشى، وتكون خاتمة للحرب فى سوريا».
واستطرد: «ولكن من المبكر الحديث على هذا الموضوع، لأننا مقبلون على معركة إدلب وبعد المعركة هناك وجود أمريكى، فهناك قواعد أمريكية سواء بالتنف أو بالشمال السورى، وهناك كيان كردى انفصالى يتنامى فى الشمال السورى ويشكل خطراً على جغرافية سوريا، وعلى الكيان السورى بشكل عام، فبالتالى قبل الحديث عن المسار السياسى لا بد من الحسم الأمنى والعسكرى، من ثَم سيتم باعتقادى إيجاد إطار عبر توسيع مسار سوتشى».