الإسكندرية.. «ناهبو الآثار» يهدمون حمامات الإسكندر لبناء عقارات سكنية
حمامات الإسكندر الأثرية
«الإهمال والتعديات انتصرا على التاريخ».. عبارة اختصرت الواقع فى حمامات الإسكندرية الأثرية، التى ظلت صامدة آلاف السنين قبل أن تندثر على يد ناهبى الآثار وأملاك الدولة، هدموها وحولوها إلى عقارات سكنية شاهقة لتحل الكتل الخرسانية مكان التاريخ والحضارة.
مدينة الإسكندرية ضمت العشرات من الحمامات العامة منذ عام 331 قبل الميلاد، بنى أولها الإسكندر الأكبر وازدهرت خلال العصور الهلينستية والرومانية، ولم يتبقَّ منها سوى حمام واحد، ما زال يحتفظ بشكله الأثرى، وهو مُسجل فى وزارة الآثار، وهو حمام «المصرى» فى منطقة المنشية وسط الإسكندرية، حسب ما يقول محمد متولى، مدير عام الآثار الإسلامية بالإسكندرية، مشيراً إلى أنه «تم التعدى على 4 حمامات أثرية عمرها مئات السنين، ويحتاج حمام المصرى للترميم وتطوير، وخاطبنا الوزارة للاستفادة منه، ووضعه ضمن برنامج التطوير لجعله مزاراً سياحياً».
الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة حفظ التراث وأستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية، انتقد ما وصفه بسلبية هيئة الآثار فى الحفاظ على الحمامات الأثرية، وتركها فى حيازات وملكيات خاصة لعقود طويلة، حتى تمكّن المتعدُّون من تغيير معالمها والبناء عليها، وقال «عوض»، لـ«الوطن»: «إهمال الحمامات لم يكن شيئاً جديداً، فهى تعانى إهمالاً جسيماً منذ زمن طويل، فحتى تقارير لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1881 أهملت تسجيلها وحفظها كآثار إسلامية، وعند إنشاء المجلس البلدى عام 1890 اقتصر دوره على الإشراف الصحى وتنظيم إدارة الحمامات فقط».
«متولى»: لم يبقَ منها سوى «المصرى».. و«عوض»: الإهمال سمح للمعتدين بتغيير معالمها.. و«عبدالمنعم»: كانت تنشأ بهدف الاستحمام وتحولت مع الوقت إلى منتدى اجتماعى
وأشار «عوض» إلى أن عدم الاهتمام بتسجيل حمامات الإسكندرية كآثار، استمر حتى عام 1999، حين تم وضع قائمة للحفاظ على تراث المدينة للقرن التاسع عشر والعشرين، وفى حينه تم تسجيل حمام «المصرى» بقرار وزارى رقم 630 لسنة 1999، وهو الحمام الوحيد المسجل ضمن قائمة الآثار. وأكد الخبير الأثرى أن مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط أعد قائمة ببيانات وخرائط للحمامات، وخاطب المجلس الأعلى للآثار فى عام 2007 لإدراج الحمامات غير المسجلة، حمام الدهب بمنطقة العطارين، والشيخ إبراهيم بمنطقة المنشية، لكن تم إخراج الأول من قائمة المبانى التراثية عام 2012، وهدم الثانى لبناء عقار سكنى على أرضه، محذراً من التفريط فى حمام «المصرى»، الذى يُعتبر الحمام الوحيد المتبقى فى الإسكندرية.
أباطرة البناء المخالف هدموا حمامات أخرى لم تسجلها «الآثار» بعد أن ظلت لعقود فى حيازات خاصة، منها حمامات كوم الدكة وحول المسرح الرومانى وحمام الورشة والشيخ إبراهيم، وهو ما أكده محمد متولى، مدير عام الآثار الإسلامية بالإسكندرية، الذى أكد أنه لم يتبق من الحمامات الأثرية إلا حمام واحد مسجل بوزارة الآثار وهو حمام المصرى، الواقع بين منطقتَى مينا البصل والمنشية، بعد التعدى على 4 حمامات أثرية عمرها مئات السنين. وأشار «متولى» إلى أن حمام المصرى يحتاج إلى ترميم وتطوير، وأنه خاطب هيئة الآثار لترميمه والاستفادة منه، فوضعته الهيئة ضمن برنامج التطوير لجعله مزاراً سياحياً.
وقال أحمد عبدالمنعم، الباحث فى مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط التابع لمكتبة الإسكندرية، إن حمامات الإسكندرية لعبت دوراً هاماً فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى العصور الإسلامية، إذ كانت شاهداً على أحداث هامة، وأضاف الباحث بمكتبة الإسكندرية، لـ«الوطن»، أن نمو المدينة فى القرن التاسع عشر وزيادة السكان والامتداد العمرانى، أدى بدوره إلى زيادة عدد الحمامات العامة، خاصة فى منطقة الرمل التى احتوت على عدد كبير من حمامات البحر كنتيجة مباشرة لازدياد أعداد الجاليات الأجنبية واستخدامها لحمامات البحر كإحدى وسائل الترفيه.
وتابع أن الحمامات كانت تُنشأ بهدف الاستحمام، لكنها تحولت مع الوقت إلى منتدى اجتماعى واقتصادى وسياسى يلتقى فيه الأصدقاء ويناقشون الموضوعات المختلفة ويتبادلون وجهات النظر فى الأمور السياسية والأحداث اليومية، وأشار إلى أنه تاريخياً، شهدت الحمامات أحداث تصفية للخلافات السياسية بين بعض الأمراء، ما تطور إلى وقائع اغتيالات سياسية تاريخية، مضيفاً: «كما كان لها أدوار اجتماعية هامة، منها احتواؤها على (حكيم) للوصفات الطبية، واستيعابها للقمامة التى يخرجها الحى لاستغلالها فى موقد النيران المخصص لتسخين المياه».