الإنسان الآلي الذي يتطور في الذكاء الاصطناعي، فيحل محل الإنسان، ويصبح قادرا على اتخاذ قرارات بشكل منفرد، ثم يخرج الأمر عن السيطرة مع الوقت، وينقلب على صانعه من بني البشر؛ ليبدأ في قيادة عشيرته لإبادة بني الإنسان، نموذج ليس بجديد في الأفلام الغربية.
دائماً تَحضُر تلك الصورة الذهنية في العقول عندما تبدأ الأخبار في الانتشار عن تطوير نموذج لإنسان آلي جديد أو ابتكار خصائص جديدة تجعله محل المقارنة مع الإنسان.
مؤخراً أثارت شبيهة الإنسان "صوفيا" المصممة من قبل شركة "هانسون روبوتيكس" في هونج كونج جدلاً واضحاً خاصة بعد أن أصبحت أول إنسان آلي يحمل جنسية، وهي الجنسية السعودية.
ثم أثار خبر تسريح شركة فودافون لـ ١٧٠٠ موظف خدمة عملاء بمصر والهند ورومانيا، ليتم استبدالهم بأنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي، جدلاً من نوع آخر، فأصبح الذكاء الاصطناعي يمثل تهديداً حقيقياً لاستبدال الإنسان بالآلة في الوظائف، كما أن إمكانية قيام آلة بأكثر الوظائف التي تتطلب تفاعل بشري وقدرة على اتخاذ قرارات لحل المشاكل، يطرح الكثير من التساؤلات.
ما مدى قدرة تلك الآلات على التطور؟ كيف ستتمكن من القيام بالعمليات العقلية عالية المستوى والتحليل المنطقي؟ وهل يمكنها حقاً التعلم بالتجربة مثل الطفل البشري كما يخطط مبرمجوها، كي تصل إلى مرحلة اتخاذ القرارات بمفردها؟
التجربة لم تثبت نجاحها بعد، واعتقادى الشخصي المبني على القراءة في المجال والتحليل المنطقي فقط، أن بعض تلك المخاوف بها قليل من المبالغة، قد تقوم الآلة ببعض الأعمال التي يقوم بها العقل البشري لكنها لن تحل محل الإنسان بشكل مطلق.
يتفوق الإنسان الآلي على الإنسان البشري من حيث امتلاكه جسد معدني أكثر قوة وغير معرض للمرض، كما يعمل مبرمجوه على مضاهاة العقل البشري ولكن مع تزويده بقدرات أعلى في تخزين وتحليل البيانات، لكن العقل البشرى هو أكثر الأشياء تعقيداً ولم يتمكن العلماء حتى الآن من حل جميع ألغازه.
إذن فما يحاول المبرمجون تقليده هو مجرد تصورهم غير المكتمل بعد عن العقل البشري، كما يفتقر الإنسان الآلى إلى مكونين أساسيين للذات البشرية لا يمكن برمجتهما داخله أو اكتسابهما مع الوقت، وهما الروح والعاطفة، فالآلات أشياء مادية بحتة لا يمكنها الشعور بالآخرين أو إظهار التعاطف معهم، وبالتالي لا يمكنها النجاح بشكل متكامل في الأعمال التي تقوم بشكل كبير على التعاملات البشرية، أو المواقف التي تتطلب العمل بروح القانون كما يقال عنها.
أما فيما يتعلق بقدرتها على التعلم مثل البشر، فالأمر يختلف أيضاً، فالإنسان لديه دافع ذاتي للتعلم، ولا يخوض تجارب التعلم بشكل مجرد، بل تتم في سياق اجتماعي وثقافي يساهم بشكل أساسي في تشكيل عملية تعلمه، وبالتالي لكل فرد طريقته الخاصة في التعلم، وتكوين المعاني داخل عقله، فعقول البشر ليست مجرد حافظة للمعلومات والخبرات الناجمة من التجارب السابقة، اختلاف الأفراد وطريقة تعلمهم هو ما يخلق الإبداع الذي ينفرد به الإنسان، تلك المقومات تغيب عن عملية تعلم الإنسان الآلى، حتى وإن نجحت بعض المحاولات البدائية لتعلمه بالتجربة، حيث تقوم قدراته الشبيهة ببعض القدرات العقلية على معادلات لوغاريتمية في الأساس.
والحقيقة التي لا يجب أن ننساها هي إن الإنسان الآلى ما هو إلا شئ يصنعه الإنسان بيده، الإنسان الذي يعد في حد ذاته مخلوق ضعيف لا يتسم بالكمال فلا يمكنه صنع شئ يتصف بالقوة المطلقة والكمال.
لذا وإن تفوقت الآلة على الإنسان في أداء بعض المهام الروتينية أو أدى الاعتماد عليها إلى تقليل العمالة البشرية في بعض المجالات، فلا أتوقع لها السيطرة التامة على المستقبل، المسألة تتعلق بترويض تلك الآلات للاستفادة منها، واستغلال مميزاتها لإتمام المهام بشكل أكثر سهولة ودقة، الهدف الذي صنعت من أجله في الأساس.