بمناسبة مرور 25 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو، اتفقت آراء وكتابات العديد من الإعلاميين والأكاديميين الفلسطينيين، خلال الأيام الماضية، على أن هذه الاتفاقية وما ترتب عليها من نتائج والتزامات قد ساهمت بشكل كبير فى تصدع الرواية التاريخية للقضية الفلسطينية لصالح الرواية الصهيونية، وأدت إلى تحول القضية من منظور «نزاع للتحرر من الاحتلال» إلى منظور آخر وهو «نزاع سياسى بين دول».. فضلاً عن أنها حررت إسرائيل من مسئولياتها تجاه المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية باعتبار أن الأخيرة أصبحت بموجب الاتفاق مسئولة عن التعليم والصحة والثقافة والسياحة فى مناطقها.
يتفق مع هذا التوجه عدد من الكتاب والباحثين الإسرائيليين، حيث يرى الباحث الإسرائيلى فى معهد ترومان بالجامعة العبرية فى القدس «رونى شاكيد» أن اتفاقية أوسلو قد أنشأت واقعاً مقطع الأوصال فى الضفة الغربية بتقسيمها إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج)، ولا توجد للسلطة الفلسطينية سيطرة حقيقية فى المنطقتين (ب) و(ج) اللتين تشكلان 82٫8٪ من مساحة الضفة الغربية.. الأمر الذى دعا إسرائيل إلى تنفيذ سياسة «الضم الزاحف» فى هاتين المنطقتين وإنشاء المزيد من المستوطنات، والتى بلغ عددها ما يزيد على 130 مستوطنة (حكومية) ونحو 140 بؤرة استيطانية (عشوائية)، كما تزايد عدد المستوطنين الإسرائيليين من 110٫066 عام 1993 (عام اتفاق أوسلو) إلى 413٫400 مستوطن نهاية 2017، أى إن العدد تضاعف أربع مرات.
حققت إسرائيل العديد من المكاسب جراء تنفيذ جزء من اتفاقية أوسلو وتجاهل البنود الأخرى خاصة فيما يتعلق باستفادتها من التخلص من العبء الأمنى فى المناطق، فهذا التعاون الأمنى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، الذى وضعت مبادئه أوسلو، متواصل وبنجاح، وتم إعفاؤها من الصيانة المتواصلة للمناطق بعد نقل هذه الالتزامات إلى السلطة الفلسطينية.. هذا بالإضافة إلى حدوث تحول تاريخى فى العلاقات الإسرائيلية الخارجية بعد توقيع أوسلو. فقد أعقبها توقيع اتفاقية سلام مع الأردن، وفتح مجالات لزيادة الاستثمارات الأجنبية فى إسرائيل، وارتفاع حجم صادراتها بعد أن توقف تأثير المقاطعة العربية.
يبرر البعض أن الظروف القهرية التى تعرضت لها القضية الفلسطينية آنذاك قد ساهمت فى توجه القيادة الفلسطينية إلى أوسلو، وشعور هذه القيادة بالعزلة، وعدم التمركز والاستقرار، فضلاً عن خطأ دعمها للعراق فى حرب الخليج وانعكاساته السلبية على القضية، بل وعلى النطاق الأوسع انهيار الاتحاد السوفيتى الذى كان داعماً للقضية، ومحاولة هذه القيادة جنى ثمار الانتفاضة الفلسطينية.. إلا أن الآراء الأخرى تُحمّل هذه القيادة مسئولية تغليب الاعتراف بها «كسلطة فلسطينية» فى اتفاق أوسلو على الاعتراف بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطينى.. وكلتا الرؤيتين لها ما يبررها.. والأمر لدينا أن هؤلاء القادة قد أخطأوا فى فهم الخريطة السياسية فى إسرائيل حيث اعتبروا أن القيادة الحاكمة فى إسرائيل آنذاك «يسارية».. كما أنهم اعتبروا هذه الاتفاقية مع الجانب الإسرائيلى «استراتيجية».
تتفق معظم الآراء على أن اتفاقية أوسلو لم تحقق أهدافها كمرحلة انتقالية وصولاً إلى الدولة الفلسطينية فى النهاية، ولم يتبق منها إلا التزامات متعلقة بالجانب الفلسطينى.. ورغم ذلك، ليس لدى القيادة الفلسطينية الآن رفاهية إلغاء الاتفاقية أو تجميدها، فالسلطة الفلسطينية ذاتها أنشئت بناء على هذه الاتفاقية، كما أن السلطة اعتمدت مالياً وسياسياً على هذه الاتفاقية وارتبطت التسهيلات الممنوحة لقادتها بالاتفاقية.. أى بمعنى آخر أن السلطة الفلسطينية وجهازها الإدارى الضخم، وقطاعاتها الاقتصادية المتعددة، تعتمد على مخرجات هذه الاتفاقية ومن ثم يتوجب عليها النظر فى حلول أخرى.. لا مجال لذكرها هنا.
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية أوسلو 1993 كانت محصلة 14 جولة من المحادثات السرية فى أوسلو «النرويج» بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل فى 13 سبتمبر 1993 فى واشنطن، ووقعها عن الجانب الفلسطينى محمود عباس أبومازن (رئيس دائرة الشئون القومية والدولية بمنظمة التحرير آنذاك)، وعن الجانب الإسرائيلى شيمون بيريز، وزير الخارجية آنذاك، وبحضور كل من ياسر عرفات وإسحاق رابين وبيل كلينتون.
وصفت صحيفة «القدس» فى عددها الصادر 14/9/1993 الاتفاقية بأنها (مقامرة شجاعة من أجل السلام).. وتضمنت الاتفاقية عدة بنود من أهمها: إقامة حكم ذاتى للفلسطينيين فى الضفة وغزة، وتحقيق التعايش السلمى والاحترام المتبادل والوصول إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة ودائمة، وتشكيل سلطة فلسطينية انتقالية، ومجلس تشريعى منتخب بالضفة وغزة لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، بحيث تؤدى إلى تسوية نهائية مبنية على قرارى مجلس الأمن 242، 338.
فهل ما زالت الاتفاقية كما وصفتها الصحيفة مقامرة شجاعة من أجل السلام أم أنها داعمة لسياسة «الضم الزاحف» على حد تعبير الباحث الإسرائيلى؟