«السينما والدراما»: «المرأة والساطور» قصة حقيقية.. ورسالة الفيلم: ليس كل قاتل مذنباً وليس كل قتيل بريئاً
المرأة والساطور
«عيناها المليئتان بالغضب تنبئان عن أن الأمر محسوم، تسيطر على رعشة يديها، وتستجمع كل قواها، بعد أن رقد أمامها خائر القوى بفعل المخدر، تمسك بالسكين وتسدد طعنات نافذة متفرقة بين الرقبة والصدر، لم تتوقف، لون الدماء أشعل بداخلها بركان الغضب الخامد، انتقمت لسنوات مرت سلب فيها أموالها وحياتها، لسنوات من المعاملة السيئة، تقطعه إرباً ولا تدرك فداحة فعلتها، تدفن ما تبقى منه فى أرض مهجورة ليكون الخلاص بالنسبة لها».. لم يكن ذلك مجرد مشهد أثار مجموعة آراء متباينة عندما قدمته الفنانة نبيلة عبيد فى فيلم «المرأة والساطور»، للمؤلف والمخرج سعيد مرزوق، عام 1996، لكنها قصة حقيقية وقعت بالفعل فى الإسكندرية عام 1989، عندما قتلت سيدة زوجها وقطعته أشلاء، ليتم الحكم عليها بالسجن 15 عاماً، وأنهى «مرزوق» الفيلم بعبارة «ليس كل قاتل مذنباً، وليس كل قتيل بريئاً».
حالة التواصل بين الدراما والواقع مستمرة طوال الوقت، وفى الوقت الذى تزداد الجرائم، خاصة الأسرية منها، بشاعة، يزداد ذلك بشكل طردى فى الدراما بمختلف أنواعها، ففى مرحلة زمنية معينة كانت الجرائم العائلية تقتصر على قتل الزوج أو الزوجة لاختلاف الأسباب، أو قيام زوجة وعشيقها بالتخلص من زوجها مثل فيلم «الطريق» للمخرج حسام الدين مصطفى، وهو مأخوذ عن رواية للكاتب نجيب محفوظ، هناك عدد من الأفلام كانت مأخوذة من الواقع بشكل صريح مثل «عفواً أيها القانون» للمخرجة إيناس الدغيدى، وتدور أحداثه حول سيدة تقوم بقتل زوجها وإصابة عشيقته بعد ضبطهما معاً فى منزله، ليتم الحكم عليها لمدة 15 عاماً، بينما استوحى المخرج محمد خان قصة فيلم «موعد على العشاء» بطولة الفنانة سعاد حسنى، التى تقوم فيه بدس السم لزوجها فى الطعام، وتأكل معه فى نفس الطبق لتقتله وتنتحر هى الأخرى، من خبر صغير فى صفحة الحوادث، وهى قصة قريبة من فيلم «45 يوم» للمخرج أحمد يسرى، فضمن أحداث الفيلم يقوم الزوج بقتل زوجته ثم الانتحار بعد أن شك فى سلوكها، بالإضافة إلى فيلم «غرام الأفاعى» للمخرج حسام الدين مصطفى، الذى تقوم ضمن أحداثه ليلى علوى بقتل زوجها الثرى بالاتفاق مع عشيقها الفقير، وعندما تكشف خيانة عشيقها لها تقوم بدس السم له فى نفس الوقت الذى يفعل فيه نفس الشىء ليلقى الاثنان نفس المصير.
لم تغفل الدراما موضوعات أكثر حساسية من غيرها فيما يتعلق بالجرائم التى تتم فى نطاق الأسرة، حيث ناقش فيلم «أسرار عائلية» للمخرج هانى فوزى، تعرض طفل للاغتصاب والتحرش الجنسى على يد شقيقه الأكبر، أو فيلم «حين ميسرة» للمخرج خالد يوسف، حين يقوم زوج الأم بالتحرش بابنة زوجته والتلصص عليها وهى بمفردها، بالإضافة إلى الاغتصاب فى فيلم «الغابة».
قتل الأطفال من أبشع الجرائم بشكل عام، ولكن سبق أن تم التلميح إلى جريمة قتل الأبناء فى فيلم «الحريف» للمخرج محمد خان، عندما هدد نجاح الموجى خلال أحداث الفيلم بقتل أبنائه بعد أن كشفته الشرطة، لكنه لم يجد أمامه سوى الانتحار وإلقاء نفسه من أعلى البناية، وهى قريبة من القصة التى طرحتها السيناريست مريم نعوم فى مسلسل «سجن النسا»، من خلال إحدى السيدات التى تمر بمرض نفسى جعلها تدس السم لعائلتها فى الطعام وتأكل معهم رغبة منها فى الخلاص من العالم برفقة عائلتها، ويموت الأطفال وزوجها تأثراً بالسم، لكن تنجح الإسعاف فى إنقاذها، ليتم الحكم عليها بالإعدام.
يؤكد الناقد محمود قاسم أن الدراما التليفزيونية فى السنوات الأخيرة تحديداً مأخوذة من صفحات الحوادث، حيث إنها مفزعة بدرجة كبيرة، ومهما كان خيال المؤلف قاسياً فالواقع دائماً أكثر قسوة وصدمة.
وتقول الناقدة خيرية البشلاوى: «الدراما سواء التليفزيونية أو السينمائية لم تلعب دوراَ إيجابياً فى معالجة ظاهرة الجرائم فى الأسرة أو الحد منها على الإطلاق، حيث ساهم هذا النوع من الأعمال فى هدم منظومة القيم والتطبيع مع العنف، فأصبحت مشاهدة الجمهور للجرائم وتفاعلهم معها أمراً عادياً رغم أن عدداً كبيراً من تلك الجرائم حالات فردية لها تأثير موجع».