عميد "شريعة وقانون" لـ"الوطن": بلغوا السلطات عن جرائم العنف الأسري
الدكتور عبد الحليم منصور
قال الدكتور عبد الحليم منصور، عميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل لم يأمرنا بالتعدي على الزوجات والتقبيح من شأنهن، فقوله تعالي «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن»، فهم خطأ، فالأمر الوارد في الآية مراد به الزجر فقط والتخويف في ضوء ما وضحه النبي بأنه يكون بمثل المسواك، وقال عن ذلك أيضا «ولا يضرب خياركم».
وأكد «منصور»، خلال حواره لـ«الوطن»، أن التمييز في الشرق بين الرجل والمرأة خلق جوا من العنف، وإفلات الجاني من العقاب في معظم الحالات سبب رئيسي في انتشار الظاهرة، كذلك كثرة النسل مع عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الأطفال.
إلى نص الحوار:
مشاهد العنف في الأفلام تخلق روح العدوانية لدى الأطفال.. وما يقدم بالدراما من مخدرات وظواهر سلبية يؤدي إلى نتائج خطيرة
كيف ترى انتشار جرائم العنف الأسري؟
- هناك أسباب عديدة لانتشار الظاهرة في الآونة الأخيرة، منها سوء الاختيار بين الزوجين، وضعف الوازع الديني، في غمار الحياة الإنسانية وتشابكها، وغياب تعاليم الإسلام الصحيحة لدى البعض من شأنه أن يخلق جوا من العنف، وعدم التسامح بين أفراد الأسرة، فينتشر العنف، بالضرب، أو السب، أو غيره الأمر الذي ينتهي بكوارث تأتي على الأخضر واليابس في الأسرة، كذلك ضعف الدور التربوي للمؤسسات التربوية في المجتمع، وتشمل المدرسة أو المعهد، أو الجامعة، أو المسجد، أو الكنيسة، فكلما ضعف الدور التربوي لهذه المؤسسات، وكلما قلت ثقافة التعاون والتناصح بين أفراد الأسرة، كلما انتشر التباغض والكره والعنف.
عبدالحليم منصور: قول الله «واضربوهن» للزجر.. وغياب تعاليم الإسلام يخلق العداء داخل البيوت
كذلك هناك تمييز فاحش في المجتمعات الشرقية، فلابد من تغيير ثقافة التمييز المبنية على العرف الجاهلي القديم، وفهم تعاليم الإسلام في التعامل مع النساء بشكل صحيح، من خلال مؤسسة الأزهر، ورجال الأوقاف، في المدرسة والمعهد، والمسجد، والبرامج الدينية في وسائل الإسلام المختلفة، كذلك هناك أزمة في إفلات عقاب الجاني في بعض الحالات أو معظمها.
ماذا تقصد بإفلات الجاني في العنف الأسري؟
- عندما يحدث العنف الأسري، غالبا لا تصل الجريمة والعلم بها إلى مؤسسات الدولة الرسمية لإنزال العقاب الرادع بالجاني، ومن ثم يفلت من العقاب إذ يتستر عليه أفراد أسرته، خوفا على انفراط عقد الأسرة، فتكون النتيجة تمادى المجتمع في العنف الأسري بعضه ضد بعض، ومن ثم فلا بد من تنمية الوعي الأسري لدى الجميع بضرورة إبلاغ السلطات الرسمية عند حدوث حالات العنف في كل أشكالها، ليتم إنزال العقاب الرادع بالجاني ليتحقق بشأنه الردع الخاص حتى لا يعود إلى ممارسة هذا السلوك مرة أخرى، ويتحقق الردع العام في المجتمع حتى لا يقع أحد في نفس الجرم، ويرتكب نفس الجريمة ضد أطفاله أو أسرته.
كثرة النسل مع عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الأطفال سبب الظاهرة
كيف نعالج الموروثات القديمة فيما يتعلق بالعنف الأسري؟
في الدول المتقدمة توجد هيئات لمراقبة العنف ضد الأسرة، مثل شرطة الأطفال وغيرها، فضلا عن الهيئات والمؤسسات المجتمعية التي تعني بتأهيل الجناة ليعودوا أكثر وعيا ونضجا بقضايا مجتمعاتهم، ومن ثم لابد من توعية الأسرة بكل أفرادها بضرورة التواصل مع مؤسسات الدولة المختلفة المعنية بالعنف الأسري، وأن شكاية الجاني لؤسسات الدولة ليس عيبا، ولا ينافي الشرع الحنيف في شيء، وكم من حوادث تقدم أصحابها بشكاية آبائهم، أو أبنائهم إلى الرسول أو الصحابة من بعده.
هل تؤثر مشاهد العنف في السينما والدراما على الأسرة؟ وهل للمخدرات دور أيضا؟
للأسف تأثر أفراد المجتمع أطفالا ورجالا بمشاهد العنف الذي يعرض عبر الأفلام، كذلك ما يسمى بأفلام الأكشن، التي يجلس أمامها الأطفال والرجال، وشتى طوائف المجتمع، الأمر الذي يخلق روح وثقافة العدوانية لدى كثيرين منهم، وهذا يلقي بظلاله على ظاهرة العنف في محيط الأسرة.
كما يقلد الشباب والأطفال مشاهد العنف وتعاطي المخدرات، في المسلسلات، الأمر الذي يفسد عقول الشباب وسلوكهم، ويكون الحد من هذه الجرائم وتجفيف منابعها من خلال تقديم دراما هادفة من شأنها الارتقاء بمنظومة الأخلاق، وتقويم سلوك الشباب، وتقديم نماذج مشرفة ليقتدي بها الشباب في سلوكهم، وممارساتهم، ومن خلال المؤسسات التربوية في المجتمع حينما تضطلع بالأدوار المنوطة بها، فضلاً عن دور الأسرة في التربية والتعليم والرقابة وتقديم نماذج القدوة الصالحة للأبناء والبنات.
شاهدنا قضايا عنف أسري كان سببها العامل الاقتصادي.. كيف تفسر ذلك؟
- ضعف الموارد المالية لدى الأسرى، وعدم قدرة الآباء والأمهات بالاضطلاع بمسئولياتهم تجاه أطفالهم، فإن هذا الأمر يخلق جوا من التوتر بين الزوج والزوجة، وبينهما وبين الأبناء، الأمر الذي يصبغ الحياة بصبغة التوتر والعنف، والشجار الذي يؤدي إلى التطاول فيما بينهم، وقد تقع بسبب ذلك الوقائع، وتنزل الصواعق المرسلة على رؤوس الجميع، لاسيما في ظل انتشار ثقافة عدم القناعة، وعدم الرضا، والنظر إلى تصرفات وممارسات الآخرين ومحاولة تقليدها.
كيف تفسر قول الله تعالي «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن»؟
- يفهم كثير من الأزواج هذا الأمر خطأ، فيقوم كثير منهم، بالتعدي على الزوجات، والتقبيح من شأنهن، والنيل منهن بشكل لا يقره عقل أو شرع، وإن الأمر الوارد في الآية مراد به الزجر فقط والتخويف في ضوء ما وضحه النبي بأنه يكون بمثل المسواك، وقال عن ذلك أيضا «ولا يضرب خياركم»، في إشارة جلية إلى أن العنف الأسري الذي يقوم به بعض الرجال فهم ليسوا أخيارا، وإنما هم أشرار الناس الذين يهنون من كرمها الله ووصى بها النبي الكريم.
حدثنا عن دور الانحراف الأخلاقي في انتشار العنف الأسري؟
- الإسلام جاء لترسيخ مكارم الأخلاق في المجتمع، وانحراف الشباب في بعض المجتمعات يرجع إلى البطالة، فكثير من الشباب لا يشغلون أنفسهم بعمل نافع، يحقق مزيدا من التنمية للمجتمع، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها وألوانها، كان له تأثير سلبي في كثير من الحالات على ضعف الأخلاق لدى الشباب، وانتشار ثقافة التواصل الاجتماعي فيما بينهم، كذلك ضعف الرقابة الأسرية من الآباء والأمهات وعدم مراقبة ومتابعة أولادهم، كذلك ضعف الوازع الديني لدى كثيرين من الشباب يتسبب في استباحة بعض الممارسات غير المشروعة التي تتنافى مع مكارم الاخلاق التي دعا إليها الإسلام، بالإضافة لضعف الدور التوعوي في بعض الأحيان لنخب المجتمع ورموزه، وغياب المعلم الملهم والقدوة.
ماذا عن دور المؤسسات الدينية في مواجهة الأزمة؟
- لابد من عمل خطة استراتيجية تقوم عليها الدولة وتشترك فيها كل الوزارات والمؤسسات المعنية بالشباب، والأسرة، والطفل، والتربية والتعليم، والأزهر الشريف، والأوقاف، ودار الإفتاء المصرية، والإعلام، وكل الجهات التي لها اتصال بعقل الفرد وتنمية وعيه، وكل مؤسسة عليها أن تؤدي دورها المنوط بها في إطار من الجدية والحرص على النهوض بالعقل الجمعي للأمة والتحليق به في آفاق بعيدة، من أجل الارتقاء بالإنسان الذي هو محور الكون، وخليفة الله في أرضه، الذي علمه الله عز وجل ما لم يعلم، لينفذ كما أمره القرآن الكريم ويحلق في أقطار السماوات والأرض بالعلم، والخلق، ليقود قاطرة التنمية والتقدم، في مصر الكنانة، لتنافس وتناطح الدول الكبرى في استعادة مجد الآباء والأحفاد وإرث الحضارة القديم الذي يسري في دماء وعقول وقلوب المصريين جميعا.