«لغتنا الجميلة» هو اسم برنامج إذاعى شهير من إعداد وتقديم الشاعر الكبير فاروق شوشة، الذى كان جمهور المذياع يتابعه يومياً على إذاعة البرنامج العام منذ شهر سبتمبر سنة 1967م، واستمر تقديمه لأكثر من ثلاثة عقود. ولعلنا جميعاً نتذكر مقدمة هذا البرنامج، التى تتضمن أحد أبيات قصيدة «رجعت لنفسى فاتهمت حصاتى» لشاعر النيل حافظ إبراهيم، الذى يقول فيه: «أنا البحر فى أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى». وقد كان هذا البرنامج بمثابة نافذة وإطلالة يومية على أوجه الجمال والإبهار فى لغة الضاد. ومع نجاح هذا البرنامج، واستثماراً لهذا النجاح، تم تحويل المادة الإذاعية المسموعة إلى مادة منشورة فى كتاب يحمل ذات العنوان، وهو «لغتنا الجميلة»، الذى صدرت الطبعة الأولى منه عام 1973م. ثم صدرت طبعة جديدة من هذا الكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة، الذى توقف بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ونتنمى أن يعود هذا المشروع الحيوى المهم، فلا يتوقف لمجرد ارتباطه باسم السيدة الأولى سابقاً «سوزان مبارك». وعلى كل حال، وكثمرة لبرنامج شاعرنا الكبير فاروق شوشة، أصبح اسم «لغتنا الجميلة» شائعاً ومتداولاً على الألسنة والأقلام فى مصر والعالم العربى، وغدت صفة الجمال مقترنة بلغتنا العربية، فلا تكاد تُذكر حتى يُقال «لغتنا الجميلة» بدلاً من «لغتنا العربية»، الأمر الذى ارتأينا معه أن يكون عنوان المقال متضمناً وصف «الجميلة» للدلالة على «اللغة العربية»، وكما لو كان هذا الوصف اسماً لها.
ومؤخراً، وفى حدث غير مسبوق، ألقت وزيرة خارجية النمسا «كارين كنايسل» كلمتها بالدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة العربية، مبررة ذلك بأن «اللغة العربية لغة جميلة ومهمة وجزء من الحضارة المهمة العربية، ودرست فى لبنان خلال سنوات الحرب، كيف يستمر الناس فى الحياة، رغم كل الظروف الصعبة. هذا سر الحياة، وفيه ناس رجال ونساء، من بغداد حتى دمشق، يستمرون فى الحياة، كل الاحترام لهؤلاء الناس».
فى المقابل، لا نغالى إذا قلنا إن اللغة العربية تعانى الإهمال والجفاء من أهلها والناطقين بها. فقد يتباهى البعض باستخدام مفردات أجنبية فى حديثه اليومى مع بنى جلدته، معتقداً أن الحديث بلغة أجنبية دليل على المستوى الاجتماعى الراقى أو المتميز. وبدأنا نسمع عن لغة «الفرانكو أرابيك»، وهى عبارة عن أبجدية مستحدثة غير رسمية ظهرت منذ بضع سنوات، وتستخدم على نطاق واسع بين الشباب فى الدردشة على شبكة الإنترنت، وبحيث يتم استخدام الحروف والأرقام اللاتينية فى كتابة الكلمات العربية. ويتخذ العديد من المحال التجارية أسماءً أجنبية لمحلاتهم، الأمر الذى يشكل إخلالاً فاضحاً بأحكام القانون رقم 115 لسنة 1958، بوجوب استعمال اللغة العربية فى المكاتبات واللافتات فى إقليمى الجمهورية، ولو كانت هذه الأسماء مكتوبة بحروف عربية.
وإزاء هذا التجاهل والإهمال الذى تعانيه اللغة العربية فى بلاد العرب، فلا أقل من أن نتفهم أنين لغة الضاد وأن نصغى لشكواها من جحود أبنائها. كذلك، يتعين علينا أن نشكر ونثمن عالياً موقف وزيرة خارجية النمسا التى أعادت إلينا الاعتزاز والفخر بلغتنا العربية. والله من وراء القصد..