النماذج السلبية جاذبة لصناع الدراما.. تشويه المعلم فن وبيزنس
السينما والدراما والمسرح استخدمت نماذج سلبية مشوهة للمعلم
بمجرد دخوله إلى محرابه المقدس تنقطع الأصوات تماماً، همهمات خفيفة فى الخلفية تضيف توتراً للأجواء، لا يقطعها سوى صوت أصابع الجير الأبيض تحتك بلوحة خضراء استقر عليها تاريخ اليوم وعنوان عريض يفتح به الباب أمام عقول ووجدان تلاميذه على عوالم أخرى أكثر اتساعاً ورحابة. مشهد تتناوله الدراما لتجسد به طبيعة عمل المعلم، فيما يختلف هذا التناول فى أعمال درامية أخرى لتبرز صور سلبية للعاملين بتلك المهنة.
تعاملت السينما والدراما التليفزيونية مع المعلم باعتباره شخصية ثرية مليئة بالتفاصيل، تشتبك فى عدد كبير من جوانب الحياة، إلا أن الدراما لم تتبع طريقة معالجة واحدة فى تقديم صورة المعلم التى تنوعت بين القالب النمطى والنماذج المثالية، وأحياناً الشكل الساخر الذى يجمع بين الأداء المبالغ فيه والحركات الهزلية، أما النماذج السلبية المشوهة فكان لها نصيب الأسد فى التناول وفقاً لمخرجين ونقاد وممثلين خاصة فى السنوات الأخيرة، بدعوى أن تلك النماذج هى المسيطرة فى الوقت الحالى، وأن الفن ليس إلا انعكاساً لما يحدث فى الواقع.
تعتبر شخصية «الأستاذ حمام» التى قدمها نجيب الريحانى فى فيلم «غزل البنات» من أبرز نماذج المعلمين التى علقت فى أذهان الجمهور، تلتها سلسلة طويلة من الأعمال التى قدمت المعلم بصورة إيجابية مثل «آخر الرجال المحترمين» و«حضرة المتهم أبى» اللذين قدمهما الراحل نور الشريف، إضافة إلى مسلسل «ضمير أبلة حكمت» للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة والمخرجة إنعام محمد على، الذى لعبت فيه فاتن حمامة دور البطولة، ثم تدهورت صورة المعلم فى بعض الأعمال بين المدرس الجشع الذى يسعى للكسب المادى، أو المتحرش، كما جاء فى مسلسل «عوالم خفية» الذى عرض فى رمضان الماضى، إضافة إلى فاقد الهيبة الضعيف أمام سطوة طلاب أكبر سناً، أو نموذج ساخر مثل دورى إيمى سمير غانم فى «عسل أسود» ومحمد هنيدى فى «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة».
الناقد محمود عبدالشكور قال إن السينما المصرية تناولت المعلمين بشكل إيجابى وآخر سلبى، لكن النماذج الأسوأ هى الأشهر على الإطلاق، وأضاف: «أعتبر مسرحية (مدرسة المشاغبين) التى تحولت فيما بعد إلى فيلم، هى الحد الفاصل بين ازدراء المدرس واحترامه، حيث تعد من أسوأ النماذج التى قدمت العلاقة بين التلاميذ والمدرس، ومن المؤلم أن نرى هذا العرض يقدم طوال الوقت باعتباره عملاً كوميدياً، بالرغم من أنه مأخوذ عن فيلم بعنوان «To Sir.. with Love» للمخرج جيمس كلافيل، الذى يقدم صورة إيجابية للمدرس الذى يستطيع تغيير طلابه المستهترين للأفضل»، وتابع «عبدالشكور»: «معظم الأفلام القديمة قدمت المدرس الذى يدخل فى علاقة عاطفية مع تلميذاته، وهو شىء غير مقبول على المستوى المهنى، ومع مرور الوقت بدأت السينما تتناول الوضع الاجتماعى والاقتصادى فى المجتمع من خلال تلك الشخصية، مثل فيلم (اغتيال مدرسة) أو (انتحار مدرس ثانوى)، إضافة إلى (البيضة والحجر) للراحل أحمد زكى الذى يوضح تحول المدرس إلى دجال شهير».
وقالت المخرجة رباب حسين التى تناولت فى أعمالها نماذج إيجابية للمعلم، مثل «حضرة المتهم أبى» و«ماما فى القسم»: دور الفن تقديم النماذج الإيجابية والمشرفة للمعلمين، فبعد الفجوة التى أحدثتها (مدرسة المشاغبين) كان يجب تقديم صورة المعلم القدوة، وأعتز جداً بمسلسل (حضرة المتهم أبى) وببطله نور الشريف، الذى قدم صورة لمعلم يحبه طلابه ويرفض التخلى عن مبادئه وقيمه حتى فى أحلك وأصعب الظروف، بينما سميرة أحمد قدمت دور مديرة مدرسة حازمة تسعى لتقييم سلوك طلابها فى (ماما فى القسم)، ومحمود ياسين الذى قدم دور المدرس الحنون الذى يساعد الطلاب ويتواصل مع عائلاتهم لحل مشاكلهم.
وعن التغير فى تناول الدراما لشخصية المعلم علقت رباب: «المجتمع حالياً يمر بمجموعة من التغيرات أدت إلى ظهور نماذج سلبية، ورغم ذلك ما زالت النماذج الإيجابية موجودة، ونحن فى حاجة إلى التركيز عليها بصورة أكبر، فهذا دور الفن بشكل أساسى».
وبدت سميرة عبدالعزيز غير راضية عن تناول الدراما لدور المعلم فى السنوات الأخيرة، وقالت: «نعانى حالياً من مشكلة فى التعليم»، وناشدت المؤلفين تقديم أعمال هادفة تنتصر لقضايا مجتمعية وتسعى إلى نشر النماذج الإيجابية فى المجتمع بدلاً من الأعمال التى تقدم العنف والبلطجة. وتذكرت سميرة مسلسل (ضمير أبلة حكمت)، ووصفته بأنه من الأعمال الفنية التى تناولت بشكل إيجابى علاقة المدرسين بالإدارة وعلاقتهم بالطالبات ومدى تدخلهم فى سير حياتهن بشكل إيجابى، وتابعت: «بعض صناع الدراما يعتقدون أن النماذج السلبية أكثر جاذبية، المدرس الذى يدخل فى علاقة مع فتاة صغيرة أو الذى يتورط فى تسريب الامتحانات وغيرها من النماذج المسيئة لمكانة المعلم، كل هذا أدى إلى انتشار صورة سلبية خاصة بعد أن أصبحت الإعلانات هى المتحكم الأول فى صناعة الدراما، كل هذا يحدث فى غياب الدولة عن إنتاج أعمال تنتصر للمثل والأخلاق ويحتذى بها الجمهور».
من جانبها قالت الناقدة خيرية البشلاوى: «أذكر فى آخر الأعمال التى كان بطلها معلماً فى فيلم (رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة) أنه تم تقديم شخصية المعلم بشىء من السخرية والاستخفاف، والأزمة أن هذا يعكس نظرة المجتمع الحالية للمدرس، حيث وضعه البعض فى خانة الانتهازى الشره من خلال مراكز الدروس الخصوصية، وأصبح متهماً بشكل أساسى ومسئول عن فساد المنظومة التعليمية وانهيارها»، وتابعت «البشلاوى»: «إذا عدنا للوراء سنجد أعمالاً درامية قديمة أسهمت بشكل كبير فى التحقير من مهنة المعلم، مثلاً محتوى (مدرسة المشاغبين) ملىء بكم غير طبيعى من الانحطاط فى إطار كوميدى، وأرى أنها مسئولة بشكل غير مباشر عن تدهور العلاقة الجليلة بين التلميذ والأستاذ، لكن الأزمة الحقيقية أن واقع المعلمين حالياً لا يلهم صناع الدراما بتقديم نموذج إيجابى عنهم، فأصل مهنة المعلم تم تخريبها وبالتالى الصورة التى تنقلها الدراما مشوهة».