أساتذة جامعيون يتحدثون عن مهنة التدريس
طلاب الجامعات - صورة أرشيفية
ركيزة الحلقة الثانية فى النظام التعليمى المصرى
تشهد مصر فى الوقت الراهن توجهاً عاماً نحو القضية التعليمية بأكملها بدأت بالحلقة الأولى «المدرسة» من التعليم فى اتجاهها إلى الحلقة الثانية «الجامعة» كرد فعل متسلسل نحو التطوير والتحديث.
لذا وجب التركيز على ركن مهم من أركان التعليم بالمرحلة الجامعية وهو «الأستاذ الجامعى» أو عضو هيئة التدريس بالجامعة، الذى يحمل على عاتقه مسئوليات جسام. تتبلور أهم هذه المسئوليات فى ثلاثة أوجه أو أدوار للأستاذ الجامعى أولها ما يكون بين الأستاذ الجامعى وطلابه والثانى ما يكون من إنتاج علمى ينتجه والأخير يكون فيما يخدم به مجتمعه.
أما عن دور الأستاذ الجامعى مع طلابه فيتمثل فى العملية التدريسية التى ارتبطت بالتعليم الجامعى منذ نشأته فهو نشاط يمارسه أستاذ الجامعة بهدف السعى لتحقيق عملية التعليم التى تتم عن طريق نقل المعارف والخبرات وتنمية المهارات والميول واكتساب القيم واكتشاف المواهب والاطلاع على كل جديد وتنمية العادات الصحية وفلسفة الحياة للطلاب مما يسهم فى تطوير القوى البشرية ورفع كفاءتها وتنمية قدرتها لتهيئتها لأعمال وأنشطة وممارسات متعددة بمجالات العمل المختلفة، ولكى يمارس الأستاذ الجامعى دوره على الوجه الأكمل تجاه طلابه ينبغى عليه أن يكون متمكناً فى مجال تخصصه وواسع الاطلاع لكى يلم بأحدث النظريات والتطبيقات فى مجال تخصصه إلى جانب مواكبته لظروف العصر والاستعانة بالأساليب المتنوعة من التكنولوجيا وتقنيات المعلومات الحديثة والتركيز على التعلم الذاتى والتفكير الإبداعى والتحليلى والناقد.
وبالنسبة لدور الأستاذ الجامعى وما ينتجه من إنتاج علمى فإن البحث العلمى يمثل الأداة الرئيسية لإيجاد المعرفة وتطويرها وتطبيقها فى المجتمع وذلك من خلال اشتغال أساتذة الجامعة بالبحث وتدريب طلابهم عليه، فالبحث العلمى عنصر مهم فى حياة الجامعة كمؤسسة علمية فكرية كما أن سمعة الجامعة ترتبط بشكل كبير بالأبحاث التى تنشرها، وبالتالى فإن أهمية البحث العلمى لأساتذة الجامعة تكون لكونهم يمتلكون القدرة العالية من التفكير المنظم والابتكار والقدرة على توظيف واستخدام المعرفة فى الواقع.
وأخيراً نأتى لدور الأستاذ الجامعى فى خدمة مجتمعه، الذى يأتى على وجهين أحدهما من داخل الجامعة ويتلخص فى مسئوليته فى المشاركة فى الأنشطة الطلابية وتوجيهها والأدوار الإدارية فى القسم والكلية والجامعة وعضويته باللجان المختلفة، أما الوجه الآخر فيتمثل فى دور الأستاذ الجامعى خارج الجامعة، الذى يتضح فى القيام بالبحوث التطبيقية التى تعالج مشكلات المجتمع وتسهم فى حلها، بالإضافة إلى تقديم المشورة والخبرة لمؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمشاركة فى الندوات والمحاضرات العامة والمساهمة فى الدورات التدريبية التى تقدم لتأهيل العديد من القيادات والعاملين.
وعلى الرغم من أهمية الأدوار الحيوية التى يقوم بها الأستاذ الجامعى فإن هناك العديد من أوجه القصور التى يعانى منها، وترجع إلى ظروف المجتمع التى وضعته جبرياً بين حجرى الرحا، فهو بالتأكيد يعرف وظائفه وعلى علم بما يتوقعه المجتمع منه لكن الظروف الجامعية والمجتمعية المحيطة به لا تعطيه الفرصة ولا تمكنه من الأداء الأمثل والإبداع، أضف إلى ذلك ما يتعرض له من نقد لاذع يتهمه بأنه ليس على المستوى وبأنه لا يبحث إلا بغرض الترقى، وفى السياق نفسه نجد بعض الصعوبات وأوجه القصور الأخرى التى تعيق الأستاذ الجامعى عن أداء دوره المنشود على الوجه الذى ينتظره المجتمع ويرتضيه وفى مقدمتها الافتقار إلى برامج الإعداد والتأهيل التربوى للأستاذ الجامعى وعدم توافر مهارات استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والتدريب عليها ونجد أيضاً عدم توافر الحرية الأكاديمية للأستاذ الجامعى فى بعض الأوقات والحط من قدره فى بعض المواقف.
ونهاية من بداية فإن ما يشهده وطننا الحبيب فى الوقت الراهن لا يدعو إلا إلى التفاؤل والأمل فى غدٍ مشرق يعلو فيه أصحاب العلم والخبرة والمهارة آخذين نواصى النمو والتطور على أسس علمية راسخة، راكنين فى عملهم الدؤوب على راحة وظيفية وإدارية ومجتمعية، حيث آن الأوان أن يوضع الأستاذ الجامعى فى نصابه الراقى سواء فى قيادة المؤسسات والهيئات التى تحتاج إلى ذوى العلم والخبرة المكتسبة من خلال برامج تدريبية على أحدث ما يكون أو إزالة القيود والعراقيل التى تعوق الأستاذ الجامعى عن تأدية رسالته العلمية والتعليمية داخل أو خارج الجامعة.
الأستاذ الدكتور سليم عبدالرحمن سليمان
أستاذ المناهج وطرق تدريس المواد الفلسفية
كلية التربية- جامعة حلوان
الثقة بالنفس والتحليق خارج السرب
بين المهام الأكاديمية اليومية داخل أروقة الكليات والمعاهد الجامعية من جانب، وبين إعداد البحوث والكتب العلمية لأغراض الترقية والتدريس وتوثيق الإنتاج العلمى من جانب آخر، يقع الأستاذ الجامعى، مطالَباً بالتوفيق بين الجانبين، بل وأداء دور مجتمعى آخر مهم، يكمن فى تلبية دعوات حضور الندوات والمؤتمرات العلمية وغيرها من الفعاليات والورش التدريبية، سواء كمدرب أو متحدث، كى يستعرض نتائج أبحاثه، ويبحث سبل وآليات الدمج بين المبادئ النظرية والتطبيقات العملية فى مجال تخصصه، أو كمتدرب بغرض صقل وتطوير مهاراته.. كل هذه المهام والأعمال إلى جانب التزاماته الشخصية التى لا تتوقف يوماً.
هذا هو الأستاذ الجامعى، شخص اعتاد منذ التحاقه بكليته مروراً بتخرجه وتدرجه فى المناصب الأكاديمية على تحمل المسئوليات، وتأديتها على الوجه الأمثل، ولِمَ لا؛ فهو الشخص الذى ينظر له الجميع على أنه المثل الأعلى والقدوة التى ينبغى الاقتداء بها فى كل شىء، فى مظهره وتصرفاته، وأسلوب حديثه، ونقاشه مع الآخرين، فى مزيج إنسانى نادر، يجمع بين سمات الهدوء والرزانة والثقة بالنفس، التى لا تخلو من روح الود والألفة، بل قل من حزم وصرامة، بلا تعصب أو انفعال، وتعاطف ولين بلا ذلة أو انكسار.
وإن أردت الاقتراب أكثر من التركيبة الشخصية للأستاذ الجامعى، فألخّص لك الأمر فى كونه الشخص الذى نشأ منذ نعومة أظافره على فلسفة حب التميّز عن الآخرين، والتحليق بعيداً عن سرب التقليد والنمطية، والهروب من الدوائر الفكرية المغلقة إلى عالم الابتكار والإبداع، متخذاً من عقيدته الإيمانية الراسخة وأساليب التفكير العلمى الممنهج وسيلة لتقديم أفكاره الفريدة، والسعى قدماً نحو بلوغ آليات تطبيقها، فهدفه الأسمى ليس مجرد تحويل النماذج النظرية المجردة لتكنيكات عملية، بل إضفاء اللمسة الإبداعية على المنتج العلمى، سواء كان بحثاً أو كتاباً أو تطبيقاً عملياً، يلائم احتياجات العصر، ويلبى رغبات الجمهور، ويحقق لهم أقصى معدلات الإشباع والرضا نحو تبنيه.
والأستاذ الجامعى المبتكر يقرأ أكثر مما يكتب، وينصت أكثر مما يتحدث، يترفع دوماً عن الصغائر التى تحول دون تطبيق أبحاثه أو الاستزادة المعرفية المتراكمة التى تشبع شراهته البحثية اللامتناهية، قدوته فى ذلك نبى الله وكليمه موسى (عليه السلام) الذى كان على أهبة الاستعداد للمُضى أحقاباً زمنية متواصلة فى سبيل بلوغ منتهاه من البحث والتعلم، لكنه وقف عاجزاً عن الصبر أمام العلم الإلهى الذى اختص الله به أحد عباده المخلصين وهو سيدنا الخضر (عليه السلام) ليظل طالب العلم يسعى طيلة حياته وراء أهدافه البحثية المتجددة، فما إن يصل إليها حتى تبرز له أهداف أخرى.
يقول تعالى: {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..} (فاطر: 28).
الدكتور محمود فوزى
مدرس العلاقات العامة والإعلان- كلية الإعلام- جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا