ألاعيب المحاماة
التونى
بين ممثل النيابة العامة ودفاع المتهمين يحتدم الصراع فى جولات المعارك القضائية داخل أروقة المحاكم للتأثير على عقيدة المحكمة وقناعتها بشأن المتهمين وإدانتهم أو براءتهم، وفى كل مرحلة يلعب الدفاع الذى يمثله المحامى الدور الأكبر فى زعزعة عقيدة المحكمة فى الاتهام المنسوب لموكله حتى يبرئه أو على الأقل يخفف الحكم عليه.
استغلال ثغرات الإجراءات والتشكيك فى الأدلة والاعترافات والتسجيلات.. وإطالة أمد التقاضى
وعن هذا الصراع، يقول مصدر قضائى عمل فى النيابة والقضاء، إن: «الأحكام القضائية يلزمها يقين المحكمة التى تنظر القضايا ويتكون هذا اليقين من خلال الجلسات والإجراءات التى تتخذها بشأن المتهمين وأوراق الدعوى المنظورة أمامها وصولاً لصحة الاتهام من عدمه، إذ تقوم المحكمة بتحقيق الوقائع المنظورة أمامها فى ضوء أمر الإحالة المقدم من النيابة العامة والمتضمن قوائم أدلة الثبوت بحق المتهمين والأدلة التى اعتمدت عليها فى توجيه الاتهام وكذلك فى ضوء ما يبديه المحامون الموكلون للدفاع عن المتهمين من أوجه دفوع وطلبات تنفى ما نسب بحق موكلهم أو تزعزع صحته، وفى النهاية تبقى رؤية المحكمة هى الفيصل وحكمها هو عنوان الحقيقة التى تراها فى القضية المنظورة، وتعد الإجراءات التى اتخذت بحق المتهمين واحدة من أبرز الأمور التى يعمل الدفاع على تفنيدها فى جلسات التحقيق والمحاكمة لإيجاد ثغرات تتمثل فى مخالفات تتعلق بقانون الإجراءات الجنائية الذى يعد الضابط للتعامل مع المتهمين أمام النيابة والمحاكم، وتتعلق الإجراءات التى يعول عليها المحامون فى القضايا بكل شىء يخص المتهم منذ القبض عليه أو استجوابه والتحقيق معه وتوجيه الاتهام وأيضاً فترات حبسه الاحتياطى على ذمة التحقيقات قبل محاكمته أو أثنائها»، ويضيف المصدر أن عمل المحامين على زعزعة عقيدة المحكمة بشأن الاتهام المنسوب لموكلهم يطول التشكيك فى الأدلة التى اعتمدت عليها النيابة أو جهات التحقيق الأخرى سواء كانت أدلة مادية ملموسة مثل أداة الجريمة أو الأحراز الخاصة بالقضية أو المستندات والأوراق أو أدلة قولية مثل الاعترافات أو شهادات الشهود أو مرئية أو مسموعة مثل التسجيلات المصورة أو الصوتية، وما إذا كانت تلك التسجيلات تمت بإذن قضائى من عدمه لكون القانون يوجب أن تكون التسجيلات التى يعول عليها فى القضايا والتحقيقات تمت بقرار قضائى مسبق قبل تسجيلها، ويوضح المصدر أن التشكيك فى أقوال الشهود أمام المحاكم واحد من المهام التى يعول عليها المحامون كذلك حتى لا تعتمد المحكمة على تلك الشهادات فيطلب المحامون استجواب هؤلاء الشهود لمناقشتهم فى أقوالهم محاولين إيجاد تضارب فيها أو يأتون بشهود نفى تكون أقوالهم مغايرة لما يرد فى شهادتهم أو يبحثون عن سبب يطعن فى شهادتهم أو يدخل الشك فيها أمام القضاة.
«نجيدة»: القوانين تعطى الفرصة للمماطلة والتأجيل.. و«حسن»: يجب تغريم من يتعمد تأخير الفصل فى الدعاوى
وتشغل التقارير الفنية التى تتضمنها أوراق القضايا أيضاً موقعاً هاماً فى عمل المحامين بالطعن عليها مثلاً بالتزوير أو بمناقشة مقدميها أمام المحاكم أملاً فى عدم الأخذ بها أو على الأقل عدم الأخذ بكل ما ورد فيها بشأن ما يعزز الاتهام قبل موكليهم، ويكون الاعتراف فى قضايا الرشوة بالنسبة للوسطاء والراشين ملاذ المحامين لإفلات موكليهم من العقوبة، وشهدت بعض قضايا الرشوة الشهيرة مثل رشوة وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال أو رشوة قاضى الشرقية استخدام الاعتراف للحصول على رخصة القانون فى الإعفاء من العقوبة بالنسبة للمتهم بتقديم الرشوة أو الوساطة فى تقديمها للموظف العام، فكان حكم المحكمة بشأنهم هو الإعفاء من العقوبة، استناداً إلى اعترافهم بارتكاب الجريمة، وعلى الرغم من أن القانون قد أعطى هذه الرخصة للراشى والوسيط إلا أن مصادر قضائية قالت إن الاعتراف الذى يعول عليه للحصول على الإعفاء من العقوبة يجب أن يكون اعترافاً متطابقاً لما يرد بشأن وقائع القضية موضوع المحاكمة وما تتضمنه أوراقها من تحقيقات، موضحاً أنه على الرغم من أن الاعتراف يمنح صاحبه إعفاء من العقوبة فى قضايا الرشوة إلا أنه يعد أمراً هاماً لسلطات التحقيق فى إثبات جريمة الرشوة بشأن الموظف العام وإثبات الاتهام المنسوب إليه.
ويقول يحيى التونى، أمين صندوق نقابة المحامين، إن إطالة أمد القضية ناتج عن تكدس القضايا أمام المحاكم، كما أن قاعات الجلسات غير مهيأة، والمنظومة بالكامل سبب تأخير إجراءات التقاضى، لافتاً إلى أن اتهام المحامين بالتلاعب لإطالة أمد التقاضى لصالح موكليهم تهمة باطلة، روجت لها بالخطأ المسلسلات العربية القديمة، بينما القوانين فى الواقع تنظم إجراءات التقاضى وتحدد حقوق والتزامات كل أطراف الدعوى، ويضيف: «بالتالى فالحديث عن مسئولية طرف دون الآخر عن هذه الأزمة ظلم للطرفين»، مطالباً بأن يكون نظر قضايا المخالفات البسيطة، كالمرور والبيئة وغيرها، على درجة واحدة من التقاضى، وتخصيص قطاع لنظرها، لأن تأخير إجراءات التقاضى يوقع الضرر على المحامى من ناحية، لأنه يحتاج منه إلى جهد كبير، بجانب تأثيره السلبى على دخله، لأن من مصلحته أن ينجز أكبر عدد من القضايا فى أقل وقت، ويوضح أن إطالة أمد التقاضى يلحق أضراراً بالمدعى، ويضر المتهم، لأن سيف الاتهام يظل مصلتاً على رقبته، ويقع عليه ضغط عصبى ونفسى، بجانب التكلفة المادية، وبشكل عام فإن العدالة البطيئة فيها قدر من الظلم، وضرب المثل قائلاً: «رأينا فى قضية عادل حبارة، قاتل الجنود فى رفح، كيف طال أمد القضية، رغم اعتراف المتهم بجريمته، إلا أن طبيعة القضية والحقوق والواجبات على الطرفين، تستلزم اتخاذ كل هذا الوقت، كما أن هناك بعض القضايا المدنية تستمر فى المحاكم أكثر من 10 سنوات».
من جانبه قال محمد حسن المحامى، إن هناك عديداً من ثغرات القانون يستغلها المحامون لكسب المزيد من الوقت لصالح موكليهم أملاً فى الصلح أو التوصل للتراضى بالتصفية المالية، خاصة قضايا التعويضات والقضايا التجارية والأحوال المدنية، وقد يلجأ بعض المحامين إلى محاولة إطالة التقاضى من خلال تأجيل الجلسة لأكثر من مرة لعدم حضور خصومهم وتعمد غيابهم والتأجيل لتقديم البيانات التى لا يقدمها فى النهاية، والهدف كسب المزيد من الوقت، أو تعنت المحامين وطلبهم رد المحكمة، وأضاف، أنه يجب التصدى لهذه الثغرات من خلال إجراء تعديلات على القانون تتمثل فى اختصار إجراءات التقاضى والاكتفاء بإعلان واحد للخصم وإذا لم يحضر تحجز الدعوى للفصل، ومنع المحامين التأجيل بسبب مستندات لأكثر من مرة مع إلزامه بدفع غرامة كبيرة فى حالة التأخير، كما يجب مضاعفة الرسوم الخاصة بالاستئناف الذى يلجأ المحامى إليه كخطوة روتينية.
وقال عبدالعظيم كركاب، عضو مجلس نقابة المحامين، إن بطء التقاضى يعد ظلماً، إذا كان مقصوداً، مضيفاً أن المحاكم كافة لا تقصد البطء، كما أن المحامى دائماً وأبداً يسعى بكل الطرق أن يثبت براءة موكله، موضحاً أن المحاكم تتعطل نتيجة كثرة القضايا وقلة أعداد القضاة، وفى أغلب الأحيان يضم رول محكمة الجنح نحو 600 قضية مطلوب نظرها فى يوم واحد، كما توجد إجراءات قانونية لصالح العدالة تطيل أمد التقاضى، وطالب بزيادة عدد القضاة، وتعيين عدد أكبر والعمل على تطبيق النصوص التى توجب أن يكون القاضى متفرغاً بشكل تام، والحزم فى منع انتداب القضاة لأنه يأخذ وقتهم، مع تطوير أبنية المحاكم وبناء أخرى جديدة، وتقريب جهات التقاضى من المتقاضين، وتوفير الدعم المالى اللازم لتحقيق منظومة العدالة.
من جانبه، يرى طارق نجيدة، المحامى، أن سبب ألاعيب المحامين واستخدامهم الحيل لإطالة أمد التقاضى، هو عوار القوانين التى تعطى الفرصة للمحامى للجوء إلى الحيل، فى حالة عدم تأكده من براءة موكله، وأولى هذه الحيل هى طلب مد أمد التقاضى، والمماطلة لتأجيل القضية، ويستمر الوضع حتى يسقط الحكم بالتقادم، واعتبر أن مد التقاضى يضاهى الظلم نفسه الذى يقع على المدعى، وحيل المحامين كلها تؤدى إلى بطء عملية التقاضى، ومنها طلب إحضار الشهود وطلب خبراء وزارة العدل فى قضايا الأموال العامة والاختلاسات التى غالباً ما تستجيب لها المحكمة، فتحيل القضية إلى الخبير للفحص وتظل جهة الخبراء تعلن المحامى بطلب الحضور ولا يمتثل ثم ترد الدعوى إلى المحكمة مرة أخرى بعد 3 مرات إعلان بتقرير تعذر تحقيق الحكم التمهيدى لعدم حضور المدعى أو موكله، وأشار إلى أنه فى هذه الحالة من حق المحكمة أن تفصل فى الدعوى بحالتها وبالمستندات المتوافرة لديها.
كركاب