الرسالات السماوية أجمعت على احتضان «من فقدوا عائلهم» مادياً ونفسياً.. والإسلام يحظر التبنى منعاً لاختلاط الأنساب
الدكتورة آمنة نصير
أكد عدد من علماء الأزهر الشريف أن الإسلام حث على كفالة الطفل اليتيم واللقيط وأولاد الشوارع، وأجمعوا لـ«الوطن» على أن رعاية هؤلاء الأطفال لا تقتصر على إنفاق المال فقط، بل تشمل الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والمعنوية، مرحبين بجهود الأسر البديلة فى هذا الشأن.
وقال الدكتور حسن خليل، عضو اللجنة العليا للأسر البديلة وممثل الأزهر فيها، إن اللجنة تباشر عملها بالتعاون مع جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارات التضامن الاجتماعى والداخلية والعدل والخارجية والأزهر الشريف لتحقيق مصلحة الأطفال المكفولين. وأضاف أن دور الأزهر فى اللجنة هو توضيح ماهية الأسر الكفيلة وأنها تعمل فى رحاب الشرع الحميد وليست بعيدة عن سماحة الأديان السماوية التى أوصت باليتامى واللقطاء وبرعاية الإنسان عامة أياً كان نوعه أو جنسه أو ديانته. وأوضح أن عمل اللجنة أزال كثيراً من الشكوك والاضطرابات فى أذهان كثير من الأسر فى هل هذا الأمر تبنٍّ أم كفالة؟ وهل هو حلال أم حرام؟ موضحاً أن الكفالة رعاية أمر بها الشرع الحنيف ورسولنا الكريم مسترشداً بالآية الكريمة «فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر»، وتابع أن القهر هنا ليس بمعنى الضرب إنما هو كل أمر يغضب اليتيم أو الطفل اللقيط أو الإنسان الذى لا عائل له حتى ولو بإيذائه معنوياً يمنعنا الشرع عن ذلك. وأكد أن بعض الأفكار التى تتبعها التيارات المتشددة والجماعات المنحرفة عن منهج الإسلام القويم عن فكرة تحريم الكفالة أزالها الأزهر، مشدداً على أن كفالة الطفل ذكراً كان أو أنثى وتربيته وتعليمه وحسن تنشئته أمر مشروع فى الإسلام بل حث وشدد على ضرورته.
فى السياق نفسه، قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب، أنه لا بد من الاطمئنان إلى الأسر البديلة بأنها لا تتاجر بالأطفال ومعرفة أنها تكفل ولا تنتسب ولا تريد أى شىء منهم يسبب الأذى، موضحة أن ذلك يحتاج إلى تحرٍّ جيد على ثقافتهم وأخلاقهم، خاصة أننا نتابع ما يحدث، وأصبح الأب الحقيقى يقتل أطفاله فى هذا الزمن. وأضافت أنه لا بد أن ندقق كل التدقيق فى موضوع الأسر البديلة ومتابعتهم حتى التأكد والاطمئنان على أنها لن تسيئ للأطفال بعد الحصول عليهم فإذا وجدت الضوابط الأخلاقية والإنسانية والنفسية وبأنها أسرة لن تضيعه ولن تهينه فأهلاً وسهلاً بذلك.
«نصير»: «نظام الأسر» يحل مشكلة أولاد الشوارع بشرط خضوعهم لضوابط.. و«الأزهرى»: نموذج للتكافل الاجتماعى الذى نفتقده
وأوضحت أن الأسر البديلة أصبحت تحل مشكلة أطفال الشوارع ولكن لا بد أن يتم ذلك فى إطار معين وهو شرط ألا تنسبه لنفسها لعدم خلط الأنساب، وحرّم الإسلام التبنى ولكنه أتاح وأجاز الكفالة. وأكدت أن الرسالات السماوية الثلاث شددت على مكارم الأخلاق لدى البشر وكفالة اليتيم والعطف عليه وقضاء حوائجه، موضحة أن كفالة اليتيم تكون فى ملبسه ومدرسته وحياته وقضاء حوائجه وكرامته وتوفير حياة كريمة فى معيشته، حيث إنه لم يختر يتمه ولكنه فُرض عليه، فاليتيم يعانى من فراغ فى الحنان والدفء والحماية، داعية الأسر إلى ضرورة التكاتف فى تقديم العون للأطفال اليتامى.
من جانبه، قال على محمد الأزهرى، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إن أطفال الشوارع وغيرهم من الأيتام يحتاجون لمن يحنو عليهم فى سياق اجتماعى يشعرهم بعدم الوحدة، مشيراً إلى أن الكفالة للأسر البديلة تحد من هذه الظاهرة وتعمل على إيجاد بيئة مناسبة للتعايش فيها. وأضاف أن مبادرة الأسرة البديلة أمر طيب وتعالج مشكلة زيادة أطفال الشوارع الذين منهم من يتسول، أو يتجه للسرقة، أو يقبل على الإدمان، ناهيك عن حالات الاغتصاب والحمل غير الشرعى بين أطفال الشوارع، فجاءت هذه المبادرة لتؤتى أُكلها فى هذا الوقت الراهن، وهى تختلف اختلافاً كلياً عن التبنى فإن الإسلام جاء ليبطل عادة التبنى التى كانت موجودة فى الجاهلية فقال تعالى: «وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ».
وذكر أن الإسلام رغّب فى التكافل الاجتماعى، ودعا إليه حتى فى أبسط الأمور، مثل من كانت عنده دابة أو سيارة أو دراجة بخارية ووجد جاره أو غيره فى الطريق يسير على قدميه فعليه أن يحمله عليها وتعد الأسر البديلة صورة من نماذج التكافل الاجتماعى الذى نفتقده.
وأشار «الأزهرى» إلى أن التكافل لا يكون بالمال فقط، بل يشمل الجانب الاجتماعى والتبسط مع الأيتام ومساعدة الفقراء حتى ولو بالكلمة الطيبة، والحرص على نفعهم وإرشادهم للخير، وقال إن هناك مبادرة أطلقها أحد الأطباء فى محافظة الشرقية، قامت على عدم تقاضى أجر الكشف من الأيتام والفقراء والأرامل، وبدأت هذه المبادرة فى الرواج فى أنحاء الجمهورية وبدأ الأطباء يتفاعلون معها فى جميع التخصصات، وكذلك الصيدليات، وأصحاب المطاعم وسيارات الأجرة ومدرسى الدروس الخصوصية، وذلك من أجل التكافل الاجتماعى الذى حث القرآن عليه، فى قوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».