مش كل من قعدت على «مكنة خياطة».. تبقى «أم عمرو»
«أم عمرو» تواصل عملها بابتسامة رضا
فى حارة ضيقة بالوايلى يقع بيتها الصغير، مبنى مطلىّ باللون الوردى وسط عشرات البيوت الرمادية، فتيات صغيرات يلعبن فى الشارع، يتوقفن ليُشِرن إلى ذلك المنزل المميز: «هو ده بيت أم عمرو الخياطة». سُلم صغير يقود إلى الطابق الرابع المؤدى إلى الغرفة التى تقيم بها رضا أحمد إبراهيم، 50 عاماً، التى تشتهر فى منطقتها بمهارتها فى حياكة الملابس باستخدام ماكينة خياطة متواضعة اشترتها منذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً.
«دى اللى أكّلت عيالى وربتهم من ساعة ما جوزى مات».. تربت «أم عمر» على الماكينة وتقول بفخر إن هذه القطعة الحديدية ساعدتها فى تربية ولديها بعد وفاة زوجها بسكتة قلبية مفاجئة، حينها لم يكن ابنها الأكبر بلغ عمره الـ 15 عاماً والأصغر 11 عاماً: «كان شغال قهوجى، وورديته 24 ساعة، يشتغل يوم ويريح اليوم اللى بعده، فى دخلة كل شتا الشغل بيقف فبطلع المكنة وأشتغل عليها تلات أو أربع شهور، وبعد ما مات بقت هى مصدر الدخل الرئيسى».
أيام كثيرة صعبة مرت على المرأة الخمسينية وهى لا تملك شيئاً يعينها على الحياة، وتحمل الأعباء المادية، لكنها لم تستسلم، طرقت كل أبواب الرزق المتاحة، فكانت تتكفل بنظافة المساجد المجاورة فى الصيف بمقابل مادى بسيط، تبيع حمص الشام فى الشارع طوال الشتاء: «كنا بنخلى بيت ربنا بيبرق، وبالخرطوم ننضف سجاجيده وحماماته، وبناخد 180 جنيه فى الشهر، فى دخلة الشتا جسمى يوجعنى من الميه دى، فأنزل أبيع حمص شام فى الحارة، كل ده مع القرش اللى طالع من الخياطة».
لم تتوانَ «أم عمرو» عن استكمال مشوار أولادها فى التعليم بعد وفاة زوجها: «كنت باخد معاش جوزى 55 جنيه، والدرس الواحد لابنى بـ20 جنيه وكان لازم أديله مادتين على الأقل»، لم تنسَ أبداً من قدم لها العون فى مشوارها: «كان المدرس يعمل لى تخفيض 15 جنيه على المادتين عشان يتامى، لحد ما خلصوا دراسة، ودلوقتى اتجوزوا وخلّفوا واتعلموا الصنعة وبقوا ترزية برضه فى أماكن تانية»، لم تتردد يوماً فى إعطاء الأولوية لأبنائها على كل شىء: «كنت باحرم نفسى من البرشامة، عشان الفلوس الموجودة على قد عشاهم».
رغم مرارة الوحدة، وامتحانات الحياة الصعبة التى تواجهها كثيراً، لم تفقد يقينها: «كنا ممكن ننام فى يوم مفيش فى البيت ولا مليم، ومش عارفين تانى يوم هنتصرف إزاى، نلاقى حد بيخبط عشان يخيط حاجة، والرزق يظهر من العدم»، تنظر إلى حفيدتها بعين شاردة: «هاعلمها إنه مهما الحياة قسيت كله بيعدّى وربنا كريم وبيفرجها»، تتكئ على ماكينة الخياطة وتقول: «دى صديقتى ومصدر رزقى وسَتْرى فى الدنيا، ما بقيتش أشوف زى الأول بس باخلّى مرات ابنى تلضم لى الإبرة ومكملة لحد دلوقتى عشان ما أقدرش أستغنى عن الشغل».