فى بداية العام الحالى، وتحديداً فى السابع عشر من شهر يناير، قررت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماى» استحداث وزارة هى الأولى من نوعها على مستوى العالم، وهى «وزارة العزلة»، لمحاربة الشعور بالوحدة الذى يصيب نسبة كبيرة من البريطانيين، يقدر عددهم بتسعة ملايين، أغلبهم من كبار السن، وتم تعيين «تريسى كراوتش» كأول وزيرة لهذا المنصب، ومؤخراً، وبالتزامن مع «اليوم العالمى للصحة النفسية» الذى يتم الاحتفال به فى العاشر من أكتوبر من كل عام، قررت رئيسة الوزراء البريطانية تعيين أول وزيرة فى العالم لمكافحة الانتحار، كجزء من الاستراتيجية الوطنية للحد من عدد الأشخاص الذين ينتحرون، حيث تشهد لندن أربعة آلاف وخمسمائة حالة سنوياً، ويعد الانتحار هو السبب الرئيسى فى وفاة الرجال تحت سن الخامسة والأربعين عاماً، وتم تعيين «جاكى دويل برايس» -٤٩ عاماً- وزيرة لشئون الصحة العقلية وانعدام المساواة ومكافحة الانتحار، وتزامن هذا الإجراء كذلك مع استضافة العاصمة البريطانية لندن أول قمة عالمية للصحة النفسية، وكانت دولة فنزويلا قد استحدثت فى العام 2013م «وزارة السعادة الاجتماعية»، بحيث تركز دورها على الاهتمام بكبار السن وتنفيذ البرامج الاجتماعية، وفى الثامن من فبراير 2016م، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة وزارة للسعادة، لمواءمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع.
وتأتى هذه التطورات كرد فعل على شيوع النظرة المادية فى العالم المعاصر، بحيث تعرضت العلاقات الاجتماعية والمشاعر الإنسانية للفتور والوهن، وحلت وسائل التواصل الاجتماعى الافتراضية محل الاتصال الأسرى والاجتماعى المباشر، ومن ثم، تفشت ظواهر العزلة والشعور بالاكتئاب وإحساس الفرد بغياب الدعم الأسرى والمجتمعى، وقد اقتضى ظهور هذه المشاكل الاجتماعية تغير النظرة إلى التنمية، بحيث لم يعد دور الحكومات مقصوراً على التنمية الاقتصادية، وإنما امتد إلى التنمية الاجتماعية، فما فائدة معدلات النمو العالية والأرقام الاقتصادية المرتفعة، إذا لم ينعكس ذلك على حياة الناس وسعادتهم، وليس معنى أن الدولة ثرية أن معدلاتها فى السعادة عالية، بل قد يكون العكس، وإذا نظرنا إلى الأفراد، يمكن القول إن الأثرياء ليسوا بالضرورة هم أكثر الناس سعادة، بل هناك أفراد أقل دخلاً، ولكن طريقة حياتهم أفضل، فالشعور بالسعادة لا يرتبط فقط بمستوى الدخل، وإنما يتوقف على بعض العوامل الأخرى، وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة تبنت فى سنة 2012م مؤشرات تقيس سعادة الإنسان، وتعتمد هذه المؤشرات على قياس مستويات التعليم والاقتصاد والإدارة العامة، والصحة والأمن والعلاقات الاجتماعية الإيجابية، والحرية وريادة الأعمال.
وتأتى هذه التطورات الدولية فى ظل تفشى وتعاظم خطورة العنف الأسرى فى المجتمع المصرى، بحيث أصبحنا نسمع وبشكل متكرر عن قيام زوج بقتل زوجته وأبنائه ثم انتحاره، كذلك، كثر الحديث فى الوقت الحالى عن «ظاهرة التنمر فى المدارس»، ما ينعكس سلباً على الحالة النفسية للتلاميذ والطلاب، ونعتقد أن الأمر يستوجب قيام مجلس الوزراء بوضع استراتيجية وطنية للتنمية الاجتماعية، وكما فعلت الحكومة البريطانية، ينبغى على حكومة الدكتور مدبولى أن تعمل على رفع مستوى الوعى بالصحة النفسية وتوفير أخصائيين نفسيين مؤهلين فى المدارس، والمساعدة فى قياس مستويات صحة الطلاب ورفاهيتهم النفسية، كذلك، نرى من الضرورى أن تتغير نظرة الوالدين إلى التربية، بحيث لا تقتصر على منع السلوكيات السلبية مثل الكذب والغش، وإنما تمتد إلى غرس القيم الإيجابية مثل التفاؤل والتحلى بالإصرار والعزيمة وروح المغامرة والثقة بالنفس. والله من وراء القصد.