"المشمهندس محسن".. 20 سنة هندسة في أوروبا "وفي الآخر بيصلح غسالات"
"مفيش حاجة بتفضل على حالها"، مثل شعبي، ينطبق تماما على الشاب العشريني الذي غادر مصر مطلع التسعينات، لينطلق من تحت قبة جامعة القاهرة في رحلة مكوكية، طاف فيها العالم من مشرقه إلى مغربه، كان فيها رحالة يتعلم الجديد في تخصصه "هندسة الكهرباء والاتصالات" في دول أخرى، ينقل خبراته ومعارفه بين واحدة وأخرى، فندرة التخصص وحساسيته، جعلته مطلوب في البنوك الكبرى حول العالم للتعامل مع الإلكترونيات الدقيقة من أجهزة "العد النقدي، الميكرو فيلم، وأنظمة الأمان"، ليستقر به الحال في النهاية بمكتب صغير بمنزله، مختبئًا وراء أجهزة كهربائية، منهمكًا في تصليحها، ليرمي 28 عاما من الهندسة وراء ظهره، وتبدأ رحلة جديدة في حياة "المشمهندس محسن".
محسن محمد، تخرج في كلية الهندسة قسم كهرباء واتصالات، جامعة القاهرة عام 1990، ليعمل بعدها في أحد المجالات الحديثة حينها "اشتغلت في شركات تركيب أجهزة البنوك زي التظريف الآلي وعد النقدية والاسكانر والميكرو فيلم" ليعتبرها "صنعة" تميز فيها في وقت لم يكن يعرفها كثيرون، وتعلمها على يديه العديد من العاملين في المجال والنابغين فيه حاليًا.
عشرون عامًا قضاها المهندس الكهربائي في مجال شركات البنوك، عمل خلالها في شركتين قضى في كلٍ منها عشر سنوات، تجول خلالها في العديد من بلدان العالم في مشرق الأرض ومغربها "قعدت في ألمانيا 5 سنين وزيهم في إنجلترا، اتدربت فيها على آلات ومكن البنوك، اللي كنا بنستورده منهم" بالإضافة لسفره لهولندا واليابان.
محسن محمد: إشتغلت في شركات كبيرة وسافرت بلاد كتير وعلمت معظم اللي شغالين في المهنة دلوقتي
الدول العربية كذلك كان لها نصيبٌ من رحلات "محسن"، فدول مثل قطر والكويت والإمارات وتونس والجزائر، زارها لتركيب ماكينات وآلات البنوك الخاصة بالشركات التي كان يعمل فيها "حرفيًا لفيت العالم وكنت عايش أحلى عيشة".
سارت حياة الرجل بشكلٍ جيد حتى أتى عام 2014 الذي انقلبت فيه حياته رأسًا على عقب، "السنة اللي كانت أسوأ أوقات حياتي، اتعرضت لعملية نصب من واحد من أقرب الناس ليا"، استأمنه على كل ما جمعه من أموالٍ طوال سنوات عمله الطويلة واستولى عليها وهرب، ليغدو مفلسًا بين عشيةٍ وضحاها.
أزمةٌ نفسيةٌ ومشاكل عديدة يصفها محسن بـ"الصعبة للغاية"، دفعته لترك المجال الذي اعتاد العمل فيه، ويستقيل من الشركة التي جعلته يوقع إقرارا بعدم العمل في المجال لمدة 3 سنوات، وحين استفاق من أزمته وحاول العودة من جديد وجد مقعده في كل الشركات شغلها من كانوا يتعلمون على يديه، ويعملون تحت إدارته "مقبلتش على نفسي اشتغل تحت إيد حد من اللي اتعلموا مني، وهم كمان مش هيرضوها ولا هيعرفوا يشتغلوا مرتاحين".
المهندس الخمسيني: تعرضت لعملية نصب من أقرب الناس تسببت في إفلاسي وترك العمل
بحث المهندس الخمسيني عن عملٍ آخر يقترب من مجاله، حتى وجده في أحد شركات تركيب وصيانة المصاعد الكهربائية، والتي كان مسؤولًا فيها عن فرع الإسكندرية، إلا أنه لم يطق كذلك الاستمرار فيه ليتركه مطلع العام الجاري، ويعود سيرته الأولى حيث بدأ قبل التخرج من الجامعة، حيث تصليح الأجهزة الكهربائية والثلاجات.
"كنت غاوي أصلًا شغلانة التبريد والتكييف من زمان" كلماتُ عبّر بها محسن عن سبب امتهانه لتصليح الأجهزة الكهربائية بعد تلك الرحلة الطويلة، ورغم حصوله على بكالوريوس الهندسة، عمل في ورشة تبريد وتكييف منذ أن كان في الصف الأول الثانوي وتعلم فيها المهنة، كما عمل في قسم صيانة الأجهزة بعد التخرج في بعض الفنادق، قبل العمل في شركات أجهزة البنوك.
محسن: بشتغل في التبريد والتكييف من وأنا في أولى ثانوي
يعمل محسن حاليا في تصليح الأدوات الكهربية بشكل أشبه بـ"الديليفري" حيث يتصل به العميل ليذهب حتى منزله ويصلح الأدوات بداخله، ولا يمتلك ورشةً لاستقبال الزبائن فيها، "الأجهزة اللي بتحتاج شغل كتير ونقل لماكن تاني بجيبها البيت في أوضة عندي"، فالرجل لم يعد لمهنته القديمة فقط، بل عاد أيضًا للعيش في بيته القديم في منطقة إمبابة.
يستعجب الخمسيني كثيرًا من جنون الأسعار الذي تسبب فيه بعض "الصنايعية"، فالأجر الذي يتقاضاه الفني ووجده بعد عودته للمهنة مبالغٌ فيه للغاية، ويحاول قدر الإمكان ضبطه وإعادة الأمور لنصابها "زباين كتير بيدوني فلوس أكتر من حقي، زي ما اتعودوا مع الصنايعية، وبرجعهالهم تاني ومباخدش غير اللي أاستحقه".
"فكرة الصفحة مجاتليش غير بعد ما واحدة كتبت عني "بوست"، وانتشر ومبقيتش عارف أرد على التليفون"، هكذا فسر محسن سبب إنشاء صفحة له على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" للترويج لمهنته، بعدما أصبح مطلوبًا بشكلٍ كبير لإصلاح الأجهزة الكهربائية، إلا أنه رغم ذلك أصبح قانعًا راضيًا بحياته ولا يرغب في العودة لعمله القديم، كما لا يحلم بفتح ورشة كبيرة "عشان أجيب صنايعية يشتغلوا معايا أكون مربيهم على إيدي، وأنا مش باقي في عمري كتير عشان أعلم حد".