مات، ماذا يعني مات؟
مات يعني اختاره الله ليكون بجواره في الجنة.
لطالما قرأت هذا الاقتباس على ساحات التواصل الاجتماعي، وقد كُتب تحته اسم كاتبته الراحلة د.رضوى عاشور، وعلمت فيما بعد أنه اقتباس من رواية ثلاثية غرناطة للكاتبة المشار إليها. بحثت عن الرواية في حسابي على الجود ريدز واعتزمت أن اقرأها حين يأتي الوقت المناسب، وتباطئت في فعل ذلك عندما علمت أن عدد صفحاتها حوالي ٥٠٠ صفحة!
وعندما حانت الفرصة واستعرتها من صديقة، احتفظت بها قرابة الشهر ولم أقترب منها وعندما اتخذت القرار النهائي وشرعت أقرأ فيه، كتبت منشورًا فيسبوكيًا للفت أنظار الأصدقاء بأنني أقرأ هذه ا الرواية، وعلى عكس ما توقعت وجدت الكثيرين يقولون لي أنها رواية مملة وأنه عمل أدبي لا طائل من ورائه!
ولكني التزمت الصمت وطالبت نفسي بالحيادية، وقلت أنني لن أتحدث عن رأيي إلا عند الانتهاء منها. وها قد حدث، ووجدت في الرواية ما أثار شغفي، ولكن لأكون منصفة شغفي هذا قد لا يتلاقى مع شغف البعض واهتماماتهم، فليس جميع محبي الأدب يفضلون روايات الخيال التاريخي، النوع الذي تنتمي له هذه الرواية، على أي حال تتحدث ثلاثية غرناطة عن الأندلس -أسبانيا حاليًا- وكيف تحولت من أرض عربية ذات أصالة وتاريخ عربي إلى دولة أوروبية لا يوجد بها أي مظهر إسلامي اللهم إلا بعض المباني والمنشآت التاريخية، رأيت كيف سقطت الأندلس وكيف أُجبر المسلمين على ترك إسلامهم ومحو لغتهم وعقيدتهم، جذعت لما قرأت عن حرق الكتب العربية، وعن أوامر الغزاة في محو كل ما هو عربي من أسماء وملابس ومن منع لأداء فروض الصلوات، ومن أحاديث علنية بالعربية، وكيف كان الغزو قاسيًا حين فرض ارتداء كل ما هو جديد ويليق بالحضارة الجديدة التي تكونها دولة الاحتلال، من محو لأسماء الأشخاص وسن القوانين الصارمة التي تعاقب كل من تسول له نفسه بمخالفة الأوامر، ومع الوقت تجد نفسك حائر بين هويتين، هوية شخص نصراني في العلن وشخص مسلم في الخفاء وتزداد هذه المعاناة في مواسم الزواج ومراسم الموت، قصة حقيقية ممزوجة بخيال تاريخي خصب، كُتبت بهذا الشكل حتى تُقدم في شكل روائي سهل لمن يستعصي عليه قراءة التاريخ، مع التقدم في قراءة صفحات الرواية تجد ملامح الحضارة العربية في الماضي من حياة الوراقين وروائح الطعام الأندلسي وهواء البلاد المنعش، ستتعرف كيف كانت الأندلس وكيف كانت ستبدو لو ظلت موجودة الآن عربية مسلمة.
تنقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء غرناطة ومريمة والرحيل، وكانت الثلاثية تصدر منفصلة في الطبعات القديمة ولكن جمعتها "دار الشروق" في كتاب مستقل يحوي الأجزاء الثلاثة، وقد حازت الرواية على جائزة أفضل رواية لكتاب المرأة العربية ١٩٩٥، كما ترجمت إلى الإنجليزية أيضًا.
ولكل قصة بطلها الذي تتبع حكايته وتتعرف على تفاصيل الفترة التي تدور فيها الأحداث وما يجري في الأراضي الأندلسية حينئذ، وما يقوم به العرب من محاولات لإستعادة البلاد أو تنازل وتهاون حسبما تختلف الأوقات التاريخية والحكام.
ولأكون منصفة فإن الرواية يسكنها بعض الملل والإسهاب الغير مطلوب، ولكن رغم ذلك فقد منحتني العظيمة رضوى عبر رائعتها معلومات مهمة عن تاريخ العرب في دولة من الدول، تعرفت على مصير أمتنا العربية في دولة عريقة، الرواية تقدم عبرة لكي نتعظ من تاريخنا ونتأمل في مستقبلنا لعلنا نستفيد وتعتمر الحكمة والعظة رؤوسنا.
وأختم حديثي، باقتباس من الرواية
" في وحشة سجنك ترى أحبابك أكثر، لأن في الوقت متسعاً، ولأنهم يأتونك حدبًا عليك في محنتك، ويتركون لك أن تتملى وجوههم ما شئت وإن طال تأملك".