دراسة: الحاخامات سخَّروا الخطاب الديني لإخضاع اليهود خدمة للحاكم
الدكتورة مي كشك صاحبة الدراسة
توصلت دراسة علمية حديثة بعنوان "لغة الخطاب الديني اليهودي والإسلامي المعاصر" إلى أنه بعد تحليل فتاوى الحاخامات والشيوخ المختلفة، فإن آليات الخطاب الديني لدى الإثنين واحدة، فاستخدام الحجج الدينية والقياسية واحد، وقد تقتطع فقرة توراتية أو آية قرآنية من سياقها لخدمة غرض الفتوى، أو لتأييد رأي رجل الدين الناطق بها.
وكشفت الدراسة، التي حصلت فيها الباحثة مي كشك، المدرس المساعد بقسم اللغة العبرية بـ"ألسن عين شمس"، على درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى، أن رجال الدين يعتمدون على الحجج الأخلاقية بكثرة سواء لبيان مميزات أو عيوب أمر ما، لترغيب المتلقي أو ترهيبه من قضية معينة، كما أنهم يستخدمون ألفاظ الترهيب والترغيب والإجازة والتحريم للبت القاطع في قضية ما، وللتأثير على المتلقي بوجهة نظر معينة.
وتبين من الدراسة، التي حصلت عليها "الوطن"، أن الأساليب اللغوية متشابهة إلى حد كبير بين الحاخامات والشيوخ، فالتكرار من أجل تسليط الضوء على طرف محدد في الفتوى مستخدم وبكثرة، وكذلك التضاد من أجل توضيح المعني وتعميقه في ذهن المتلقي، كما أن أساليب الاستفهام المستخدمة في الفتاوى في الغالب أساليب استنكارية، إما لاستنكار السؤال من المتلقي، وإما للتعجب من أمر ما جاء في نطاق حديث صاحب المسألة.
وأكدت الدراسة أن حاخامات اليهود وشيوخ الإسلام في الغالب ما يتوسطون في الحكم الخاص بقضية ما، فبعد التحريم أو عدم الإجازة، يذكرون أن الأمر قد يجاز حال كانت هناك ظروف محددة، وهنا نجد أن غالبيتهم يتبعون قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".
وأكدت الدكتورة مي كشك، في دراستها، أن النتائج تقول إن الدين في مكانة القلب من الحضارة الإنسانية لا مراء، وبسبب ذلك ظهر خطاب الكهنوت في سعي دائم للسيطرة على الناس إخضاعهم لسلطان الكهنوت ومريديه وحواشيه، والكهنوت يعرف طبائع الناس ويستخدمها في سعيه الأصيل نحو السلطة والسلطان والإخضاع، فطبائع الإنسان هي مرجعية كل خطاب يوجه للناس.
وأوضحت أن فرضية هذه الدراسة تقوم على أن الكهنوت سيطر على الخطاب الديني اليهودي واستغل طبائع اليهود وظروفهم في سعيه الدائم للسيطرة عليهم، وقد نجح في ذلك نجاحا لافتا وكاشفا، وأن مؤسسة الكهنوت منذ نشأتها الأولى هي مؤسسة سياسية لا ترمي فقط إلى الوصول إلى الحكم والثروة والجاه، بل تسعى إلى التحكم في عقول الناس وفي سلوكهم من خلال استخدام العقيدة الدينية.
وتابعت: "إن الديانة اليهودية عند قيام المسيحية في معقلها الأكبر، كانت قد انتهت إلى الغاية من الجمود والضيق، حيث جمدت جميع العقائد اليهودية على النصوص والمراسم، وتحولت من الدين إلى نقيض الدين، لا شيء يناقض الدين كما ناقضته تلك الأنانية القومية، التي حسبت الإله المعبود ملكا لها دون سائر عباده، وأنه يبيح لها في سائر الأقوام، ما لا يباح في شريعة ولا قسطاس مستقيم، وجنى عناد الكهنوت اليهودي وإصراره على الباطل جنايته المعهودة، فذهبت ريح الكهنوت والمراسم الهيكلية، وتفرقت مراجع الديانة مع كل مجمع وكل معبد وكل طائفة ذات مذهب في التوراة أو التلمود أو تقاليد الأحبار والربانيين، وتفرقت الكهانات مع يهود العالم على حسب المجتمع الذي تنتمي إليه".
وأشارت كشك إلى أنه ظهر الإسلام في إبان دولة الكهانة والمراسم، وواجه أناسا من الوثنيين، أو من أهل الكتاب الذين صارت لهم تقاليد الجمود إلى حالة كحالة الوثنية في تعظيم الصور والتماثيل والتعويل على المعبد والكاهن في كل كبيرة وصغيرة من شعائر العبادات، ولاح للناس في القرن السابع للميلاد خاصة أن المتدين قطعة من المعبد لا تتم على انفرادها، فالدين كله في المعبد عند الكاهن. فلما ظهر المسلم في تلك الآونة ظهر الشمول في عقيدته من نظرة واحدة، فالناظر القريب يدرك شمول العقيدة الإسلامية من مراقبة أحوال المسلم في معيشته، ويكفي أن يرى المسلم مستقلا بعبادته عن الهيكل والصنم والأيقونة والوثن، ليعلم أنه وحدة كاملة في دينه، ويعلم من ثم كل ما يرغبه في ذلك الدين، أيام كان الدين كله وقفا على المعبد وعالة على الشعائر والمراسم مدى الحياة.
وقد نوقشت دراسة "لغة الخطاب الديني اليهودي والإسلامي المعاصر، فتاوى الحاخامات والشيوخ نموذجاً، دراسة في ضوء علم تحليل الخطاب" في قسم اللغة العبرية بكلية الألسن جامعة عين شمس، تحت إشراف د.جمال أحمد الرفاعي، أستاذ اللغة العبرية وآدابها بقسم اللغات السامية، ود.نيفين محمد كمال، أستاذ الدراسات الإسلامية بقسم اللغة العربية، ود.منصور عبد الوهاب أستاذ اللغة العبرية وآدابها المساعد ورئيس قسم اللغات السامية.