"مصطفى" فقد حاسة الشم بسبب أدخنة أسمنت "وادي قمر": "محدش حاسس بينا"
صورة مصطفى غزال
سنوات عديدة ظل فيها متحاملاً على نفسه يعاني الأدخنة التي تملأ بيته كل يوم، حتى فقد حاسة الشم منذ ثلاثة أعوام، الرجل الذي كان يعتاد على الاستمتاع بهواء شاطئ المكس بالإسكندرية، لم يعد قادرًا اليوم على مداومة عادته اليومية المحببة إليه، أو حتى تذوق روائح الأطعمة المفضلة ليه.
مصطفى غزال، صاحب الـ57 عامًا، والذي يسكن بمنطقة وادي القمر بالإسكندرية، سئم من انبعاثات مصنع الأسمنت والفحم، الذي يفصله عن بيته مسافة 12 متر، فليس هو من تضرر منه فقط، بل أصيب من جراء غباره المزمن أهالي المنطقة بأمراض الحساسية والسرطان.
"مافيش بيت مفهوش جهاز للتنفس، وصوتنا اتنبح من كتر الشكاوى بقالنا سنين كتير على الوضع دا، المصنع بيموت فينا ومحدش مهتم بحالتنا"، يعبر مصطفى عما بداخله من شيق بسبب معاناته اليومية ولكن بلا جدوى، "خلاص بدأنا نفقد الأمل بأن في حد من المسئولين يساعدنا بعد السنين دي".
وعلى الرغم من أبنائه الأربعة مصابين بحساسية في الأنف، إلا أن "مصطفى" ينتابه حزن كبير حين يفكر في مغادرة منزله، الذي تربى فيه وقضى فيه طفولته، علاوة على ارتفاع أسعار الإيجارات خارج المنطقة، الأمر الذي سيكون شاقًا على رجل يتحمل مسئولية الإنفاق على ابنائه الذين يدرسون جميعهم بمراحل تعليمية مختلفة، "هنروح فين و نسيب بيتنا اللي اتربينا فيه، أنا شغال نقاش على باب الله وأقل شقة دلوقتي إيجارها ألف جنيه".
يرى "مصطفى" أن نقل المصنع، أسهل من نقل السكان اللذين تواجدوا في المنطقة قبل إنشاء المصنع، "مش هنسى عمري اليوم اللي زارت فيه لجنة من البنك الدولي المنطقة، صعبنا عليهم وقالوا أزاي انتو عايشين هنا، والحكومة مش حاسة بيكوا".
لم يمحى من ذاكرة الرجل، ذات يوم قيامه بتناول وجبة "مسقعة" حامضة دون أن يشعر برائحتها، لكن ملاحظة ابنته أنقذته من الاستكمال في تناولها، فالرجل بات لا يستطيع التفرقة بين أنواع الطعام دون رؤيته، "بقيت محروم حتى من ريحة العود اللي كنت بحبها، التراب بقى معشش في حياتنا منقدرش نفتح الشباك عشان نشم هواء زي بقية الخلق، على طول شباكنا مقفولة وبردوا بنلاقي التراب داخلنا".