العقارب والثعابين تطارد المواطنين.. و«مفيش أمصال» (تحقيق)
كتب:
تحقيق: أحمد عصر
09:33 ص | الأربعاء 31 أكتوبر 2018
الثعابين
مات «أشرف»، بعدما انتفض صارخاً من جلسته تحت شجرة، كان يحتمى بها من حرارة شمس الظهيرة، عندما باغته ثعبان فأصابه بلدغة سامة أوقفت قطار حياته عند الخامسة عشرة، ليقضى الطفل ساعاته الأخيرة، بدموع اتخذت طريقها إلى خديه الصغيرين، فى رحلة بحث عن «مصل مفقود» داخل وحدة صحية غابت عنها الخدمات الطبية العاجلة الواجب توافرها، زادت نبضات قلب «أشرف»، وتصبب العرق من جبينه الأسمر قبل أن تُغلَق عيناه لا إرادياً فى منتصف طريقٍ طويل غير ممهد، أعلى دراجة نارية تصارع الزمن من أجل الوصول إلى عبوة مصل تعلقت بها روحه، التى سرعان ما خرجت من جسده بعدما لم يجد مصل «المستشفى المركزى» نفعاً، ليعود «أشرف» مرة ثانية إلى حيث بدأ فى الوحدة الصحية لاستخراج «تصريح دفن».
«الوطن» تحقق فى ظاهرة تجتاح سكان القرى البعيدة
حكاية «أشرف» قصها علينا أسرته فى قرية بنى عبيد، التابعة لمركز أبوقرقاص فى محافظة المنيا، كانت فى سبتمبر من العام الماضى، وقتها كان الطفل يقضى مع والده وعمه ساعات من العمل فى «موسم تقشير الذرة الشامى» بأرضهم الزراعية، فخطفت صرخته انتباههم ليهموا إليه مسرعين قبل أن يخبرهم بما حدث، ما عبّر عنه المزارع الستينى مجدى لبيب، والد الطفل، قائلاً: «عمه خده على الحمار وجرى على الوحدة الصحية وأنا دورت اللطم على وشى».
«قالوا لى المصل مش موجود واطلع بيه على المستشفى»، كان هذا رد القائمين على الوحدة الصحية بقرية بنى عبيد، حسب ما قال الثلاثينى «هانى»، عم الطفل، عندما دخل عليهم يستغيث بهم لإنقاذ حياة نجل شقيقه، ليتجه بعدها إلى مستشفى المركز قبل أن يعود بعد ساعات وهو يحمل «أشرف» بين يديه جثة هامدة، فيصل «الخبر الأسود» إلى القرية قبل وصول الجثمان، ليستقبله الأب المكلوم بإغماءة «لم يفق منها إلا بعد دفن الطفل»، وتستقبله الأم بصدمة لم تخرج منها إلى الآن.
فى هذا التحقيق تكشف «الوطن» عن نقص حاد فى أمصال العقارب والثعابين داخل الوحدات الصحية بالقرى، نتيجة تخاذل وزارة الصحة والسكان عن توفيرها، فضلاً عن عدم تجهيز هذه الوحدات لاستقبال مصابى الثعابين والعقارب والبدء فى إسعافهم، كمرحلة أولية، حتى يتم نقلهم بطريقة آمنة إلى أقرب مستشفى لهم، الأمر الذى أودى بحياة الكثيرين خلال الأعوام القليلة الماضية، إضافة إلى تعريض حياة العديد من المواطنين للخطر بسبب بعدهم عن أماكن توافر الأمصال داخل المحافظة التى يعيشون فيها.
- منظمة الصحة العالمية
فى تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، حول مضادات سموم الثعابين، قالت المنظمة إن هناك نحو 5 ملايين نسمة يتعرضون سنوياً للدغات ثعابين يصاب نصفهم، تقريباً، بحالات تسمم، ينتج عنها وفاة نحو 100 ألف حالة، إضافة إلى حالات بتر الأطراف والعجز الدائم المقدرة بثلاثة أضعاف عدد الوفيات، ويشير التقرير، الذى نشرته المنظمة على موقعها الإلكترونى فى فبراير الماضى، إلى أن أفريقيا يقع بها سنوياً نحو مليون لدغة، تكون أغلبها بين النساء والأطفال والمزارعين الذين يعيشون فى المجتمعات المحلية فى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وأوضحت المنظمة فى تقريرها أن مضادات السموم تعد العلاج الوحيد القادر على إبطال معظم الآثار السامة للدغات الثعابين، وأن هذه المضادات ضمن قائمة الأدوية الأساسية التى وضعتها المنظمة، والتى ينبغى إدراجها، حسب التقرير، فى مجموعة خدمات الرعاية الصحية الأولية التى تقدم عند وقوع لدغات الثعابين.
مدير «القومى للسموم»: «الوحدة الصحية تعتبر خط الدفاع الأول للمريض والمصل الواحد لا يمكن أن يكفى لعلاج مصاب الثعبان أو العقرب».. و«الصحة العالمية»: مضادات السموم هى العلاج الوحيد للدغة الثعبان ويجب إدراجها فى مجموعة خدمات الرعاية الصحية الأولية
- وحدات صحية خاوية
فى إطار رحلة البحث عن أمصال العقارب والثعابين بالوحدات الصحية داخل القرى، قام معد التحقيق بجولة على عدد من المحافظات، وكانت جميع الوحدات التى دخلناها تعانى، إما من نقص حاد فى الأمصال بحيث لا تكفى لعلاج مصاب واحد، أو عدم توافرها من الأساس، فضلاً عن عدم وجود أية تجهيزات تمكنها من استقبال مثل هذه الحالات.
فى محافظة المنوفية، اخترنا مركز قويسنا، لما عانت منه قرى المركز فى يوليو الماضى من ظهور عدد كبير من الثعابين قامت بلدغ عشرات المواطنين، حيث بلغ عدد المصابين، حسب قول الدكتور نصيف الحفناوى، وكيل وزارة الصحة بالمحافظة، نحو 28 حالة، إضافة إلى حالتى وفاة، ورغم ذلك لم تكن الوحدات الصحية بالمركز لديها القدرة على استقبال هذه الحالات، ففى الوحدة الصحية بقرية دمهوج، كانت لافتة على الباب الداخلى تدعو مصابى العقارب والثعابين بالتوجه إلى الوحدة لتلقى العلاج، وهو ما كان مغايراً لما قاله الدكتور إسلام شديد، الطبيب المسئول عن الوحدة: «المصاب بيكون محتاج إمكانيات مش عندنا واللى بيتعمل هنا إسعافات أولية».
ثلاجة عادية صغيرة داخل إحدى غرف الوحدة، اصطحبنا إليها الطبيب ليؤكد توافر المصل، إلا أنها كانت تحتوى على مصل وحيد للثعبان ومثله للعقرب، وهى كمية لا تكفى لعلاج مصاب واحد بلدغة ثعبان أو لدغة عقرب، حسب ما قال متخصصون.
وفى قرية شبرا بخوم، إحدى القرى التى لقى فيها أحد مصابى الثعابين مصرعه، كانت ثمة لافتة أيضاً معلقة بالداخل، ولكنها اختلفت فى محتواها عن لافتة «دمهوج»، فتضمنت عبارات مفادها أن مصاب الثعبان عليه التوجه إلى مستشفى قويسنا المركزى وليس إلى الوحدة، وفى محاولة للحديث مع أحد مسئولى الوحدة لم نجد أحداً، رغم أن الساعة لم تبلغ الواحدة ظهراً بعد، فقط ثلاث ممرضات جلسن إلى جوار بعضهن، تحدثت إلينا منهن نجلاء عبدالمنعم، عرفّت نفسها بأنها تحل محل مشرفة التمريض، وعلقت على اللافتة، رغم تأكيدها وجود المصل، قائلة: «التعليمات اللى عندنا من وكيل الوزارة إننا مانديش المصل».
كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً عندما دخل معد التحقيق إلى الوحدة الصحية بقرية العيساوية شرق، التابعة لمركز أخميم بمحافظة سوهاج، لم يكن بالوحدة سوى أفراد الأمن وأحد الإداريين، وكانت الطبيبة المسئولة عن الوحدة «فى اجتماع خارجى»، ولا يوجد من ينوب عنها، وبسؤالهم عن مدى توافر أمصال العقارب والثعابين قالوا إن الوحدة يوجد بها مصل وحيد للعقرب، واصطحبنا أحدهم إلى ثلاجة صغيرة داخل واحدة من الغرف، (لم تختلف عن سابقتها)، وفتحها فكان بها كوب بلاستيكى صغير يحتوى على أمبول وحيد من مصل العقرب.
وعند الحديث معهم عن حادثة طفل لقى مصرعه بالقرية قبل شهور نتيجة لدغة عقرب، أجابوا جميعاً فى نفس واحد: «ماكانش فيه مصل ساعتها سيادتك»، ليأخذ أحدهم المبادرة فى الحديث بعد ذلك قائلاًً إن المصل الوحيد الموجود بالوحدة وصل قبل أسبوع فقط من حديثنا معه.
لم يختلف الأمر كثيراً فى قرية الصبيحى، التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، فكانت الوحدة الصحية «مُجنزرة» عند زيارتنا لها رغم أن الوقت «ظهر»، وهو ما اشتكى منه أهل القرية، بينما كانت الوحدة الصحية بقرية الأبعادية خالية من الأمصال، حسب ما قال الأهالى، وفى محافظة المنيا كانت الوحدة الصحية بقرية بنى عبيد تحتوى على مصل عقرب فقط، كما قال الطبيب المسئول عنها عندما دخلنا إليه مفتعلين أن أحد أبناء القرية لدغه ثعبان، فكان رده: «اطلعوا بيه على المستشفى المركزى».
- طريقة مثلى لحفظ الأمصال
من خلال جولتنا على الوحدات الصحية، رصدنا بها عدم وجود ثلاجات مطابقة للمعايير الواجب توافرها لحفظ أمصال العقارب والثعابين من الأساس، فهى ثلاجات عادية، ويمكن فتحها فى أى وقت من أى شخص، (كما حدث معنا) ولا يوجد عليها أى نوع من أنواع الرقابة الطبية، ومن خلال حديثنا مع الدكتورة هبة والى، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للمصل واللقاح (فاكسيرا)، قالت إن الأمصال يجب حفظها وفقاً لنظام دقيق مثل الذى تتبعه «فاكسيرا» فى تخزين إنتاجها، حيث تتبع الشركة نظاماً، حسب «هبة»، يتمثل فى حفظ الأمصال والطعوم داخل مجمع ثلاجات مراقبة على مدار 24 ساعة بنظام إلكترونى يرصد أى خلل بشكل سريع، موضحة أن شرط وضع المصل فى «ثلاجة عادية»، ألا يتم التعامل معها باعتبارها ثلاجة منزل، وأن تكون مراقبة وأن يمكن التحكم فى درجة حرارتها، وأن يكون عليها «مونيتور» لمراقبتها من خلاله.
وكيل «الصحة» بالفيوم عن عدم توافر المصل: «الناس لازم يكون عندها الوعى وتطهر الأماكن اللى هى فيها.. وقبل الطب الناس كانت بتداوى نفسها بالطبيعة»
- مديريات الصحة تتهرب من المسئولية
حاولنا التواصل مع مديريات الصحة فى المحافظات التى زرناها، ورغم اتصالاتنا المتكررة على الدكتورة أمينة رجب، وكيل وزارة الصحة بمحافظة المنيا، والدكتورة رجاء حسين، وكيل وزارة الصحة بسوهاج، إلا أنهما لم تستجيبا.
بينما كان رد الدكتورة آمال هاشم، وكيل وزارة الصحة بالفيوم، أن عدم وجود مصل الثعبان فى الوحدات يرجع إلى «ضرورة إعطائه بالمستشفيات» على العكس من مصل العقرب التى قالت إنه «موجود بالوحدات»، وعندما أوضحنا لها أن هناك بعض الوحدات الصحية فى محافظة البحر الأحمر، (تواصلنا مع القائمين عليها)، تقدم الرعاية الطبية الكاملة لمصابى لدغات الثعابين كان ردها: «كل محافظة وليها المناخ بتاعها».
بمواجهة «آمال» بالشكاوى التى يعانى منها المواطنون بسبب عدم توافر الأمصال بالوحدات الصحية ما تسبب فى وفاة أحدهم قبل شهور قليلة، رأت أن المواطنين أنفسهم يتحملون جزءاً من هذا الأمر، قائلة: «الناس لازم يكون عندها الوعى وتطهر الأماكن اللى هى فيها واللى يتلدغ يربط فوق اللدغة، ويقلل من الحركة بتاعته لحد ما الإسعاف تنقله»، بساطة المزارع الذى قد لا يعى هذه الأمور الطبية التى تتحدث عنها «آمال» لم تمثل لها عائقاً أمام تنفيذه لما تقول، فضلاً عن عدم توافر سيارة الإسعاف التى تحدثت عنها، ليكون ردها علينا بعد أن قلنا لها ذلك: «قبل الطب وقبل أى حاجة الناس زمان كانت بتداوى نفسها بالطبيعة».
لم تكمل «آمال» حديثها معنا بعد هذه الجملة، وطلبت الرجوع إلى مدير الطب الوقائى بالمديرية، على أن نعاود الاتصال بها فى وقت لاحق، إلا أنها لم ترد على اتصالاتنا بعد ذلك.
بينما كان رد الدكتور نصيف الحفناوى، وكيل وزارة الصحة بمحافظة المنوفية، على نقص الأمصال داخل الوحدات الصحية، بأنه ينفذ تعليمات الوزارة التى تعود إلى عام 2015، عندما منعته داخل الوحدات الصحية بعد ما لقى مواطن مصرعه فى إحدى الوحدات بمحافظة المنيا، قبل أن يختم حديثه قائلاً: «أنا غير متخصص فى الوقائى ياريت ترجع لإدارة الطب الوقائى فى الوزارة».
- مصل غير كافٍ ودور مفقود
«المصل الواحد لا يمكن أن يكفى لعلاج مصاب الثعبان أو العقرب»، هكذا قالت الدكتورة إيمان عبدالمنعم، مديرة المركز القومى للسموم الإكلينيكية والبيئية بكلية طب قصر العينى، فى حديثها لنا، مشيرة إلى عدم وجود حد معين لعدد الأمصال التى قد يحتاجها المريض، وأن المعيار الوحيد هو تحسن الحالة، موضحة أن أقل عدد أمصال قد يحتاج إليه المصاب بلدغة ثعبان أو لدغة عقرب هو 3 عبوات من المصل، وأن هناك أنواعاً من اللدغات تكون البداية معها بـ10 عبوات دفعة واحدة.
وفيما يخص «طبيب التكليف» قالت «إيمان» إن كل ما يعرفه هذا الطبيب بشأن التعامل مع مصابى العقارب والثعابين ما قام بدراسته فقط أثناء الكلية، ولكنه لا يُدرب عليه عملياً، ومن ثم ترى «إيمان» ضرورة أن يتدرب طبيب التكليف فى مراكز السموم كما يتدرب فى أقسام الطوارئ قبل تكليفه بإدارة وحدة صحية، خاصة أن الوحدة، حسب «إيمان»، تعد بمثابة خط الدفاع الأول للمريض، ودورها يكون محدوداً بالحالة الوافدة إليه، فإذا لم تصل إلى مضاعفات خطرة يمكن للطبيب أن يبدأ فى إعطاء الجرعات الأولية من المصل بعد طلب سيارة إسعاف مجهزة تنقل المريض إلى أقرب مركز سموم.
- ضحية «شبرا بخوم»
فى قرية شبرا بخوم بمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، كان هناك بيت، بنيت حوائطه من الطوب الطينى، بداخله جلست الأربعينية «نبوية سليمان»، متشحة بالسواد على زوجها «إبراهيم عبدالرازق»، لقى مصرعه إثر إصابته بلدغة ثعبان، وإلى جوارها أطفالها الثلاثة فى أعمار متفاوتة، تستعيد ذكريات وفاة زوجها «بائع الملح»، عندما عاد من عمله فى الواحدة ظهراً، أحد أيام يوليو الماضى، قبل أن يخلد إلى النوم ليريح جسده المنهك، إلا أن راحته المنشودة لم تكتمل: «صحيت على صرخته».
فى البيت المجاور لبيت «نبوية» كان بيت عمرو عبدالعزيز، الذى انتفض هو الآخر على صرخة صديقه «إبراهيم»، فجاء مسرعاً يسأل عما حدث: «لقيته خارج وبيقولى الحقنى تعبان كبير قرصنى»، وقعت الجملة على «عمرو» كالصاعقة، ليهمّ فى إحضار دراجته النارية ويتجها ناحية الوحدة الصحية التى لم يجدا بها سوى الخفير، حسب «عمرو»: «قال لى انت جاى تعمل إيه هنا اطلع على المستشفى».
اتجه «عمرو» إلى مستشفى قويسنا المركزى لتستقبله طبيبة الطوارئ بعدما أخبرها بما حدث: «طلّعت كيس محلول من دولاب قدامى وعلقته لإبراهيم زى ما هو من غير ما تحط عليه أى حاجة»، وضعٌ استمر عليه «إبراهيم» نحو نصف الساعة، فقد خلالها الوعى تدريجياً، حسب «عمرو»، لتتخذ الطبيبة إجراءً آخر بعدها: «ادوله حقنتين فى العضل، وقالوا لنا اطلعوا على مستشفى شبين».
40 يوماً على أبواب «الصحة» دون رد واضح.. والمسئولية تائهة بين «الوقائى والعلاجى والرعاية الأساسية».. والعلاج الشعبى بـ«المحاواة» فى كوم أمبو يغنى المواطنين عن الوحدات و«محاوى»: «لو مفيش ناس موجودة زينا تحاوى المصاب ده ممكن يروح فيها»
«سيارة إسعاف غير مجهزة ذات رائحة كريهة» كانت وسيلة النقل التى وفرها المستشفى لنقل «إبراهيم» إلى مستشفى شبين الكوم، عبّر «عمرو» عن شدة كراهية رائحتها بموقف الطبيبة المرافقة الذى سرده قائلاً: «قالت لمرافق السواق لو سمحت تعالى انت ورا عشان باقرف من ريحة العربية»، إلا أن القدر شاء ألا يصل «إبراهيم» إلى المستشفى حياً، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة فى منتصف الطريق.
الغضب فى نفس «نبوية» لم ينطفئ، وبكاؤها على زوجها لم ينقطع، بعدما فقدت عائلها الوحيد: «حسبى الله ونعم الوكيل فيهم كلهم»، قالتها قبل أن تبرر تركها بيتها منذ ذلك «اليوم الأسود» وذهابها للعيش فى بيت إخوة «إبراهيم» خوفاً منها على أطفالها، فبيتها فى منطقة زراعية ولا تملك تصريح بنائه بشكل حديث، فباتت تخاف العيش فيه حتى لا يواجه أطفالها مصير والدهم.
- قوة اللدغة.. والاحتياج للمصل
لدغة الثعبان السام تختلف من حيث نوعها ومن حيث تأثيرها، كما قالت الدكتورة إيمان عبدالمنعم، مديرة المركز القومى للسموم، فاللدغة قد تكون جافة، وفيها لا يخرج السم مع العضة، وأزمة المصاب هنا تنحصر فى الالتهابات الموضعية، وتكون أهون بكثير من اللدغة السامة.
أما من حيث تأثير السم نفسه، فتقول «إيمان» إنه يختلف وفق عدة عوامل، فقد تكون اللدغة سطحية، وقد تصل للعضلات، وأخطرها إذا كانت فى الوريد، وفيها يكون سريان السم فى الجسم سريعاً جداً، كما يختلف أيضاً باختلاف نوع الثعبان، فضلاً عن اختلافه باختلاف مكان العضة فى جسم المصاب، فهناك أماكن شديدة الخطورة مثل الرأس والرقبة، كما يختلف حسب قوة الثعبان وخطورته ونوعية سمه وكميته، فالغدة التى تحمل السم داخل الثعبان تمتلئ من 3 أسابيع إلى شهر، وأول عضة بعد امتلائها تكون الأخطر لأن السم بها يكون مركّزاً بدرجة كبيرة، ومن ثم، ترى «إيمان» أن سرعة احتياج المصاب للمصل تختلف باختلاف كل هذه العوامل، فقد يتحمل مريض ساعة وآخر لا يتحمل دقائق.
- «فاكسيرا» وإنتاج المصل:
تقول الدكتورة هبة والى، رئيس مجلس إدارة شركة «فاكسيرا»، إن إنتاج الشركة من أمصال العقارب والثعابين حالياً يغطى كل احتياجات وزارة الصحة، بالإضافة لوجود رصيد استراتيجى يكفى لمدة عام ونصف.
وحول الأمصال التى تنتجها «فاكسيرا»، أوضحت «هبة» أنها نوع واحد متعدد السموم للثعبان وآخر للعقرب، حيث يحتوى المصل على أجسام مضادة لسموم كل السلالات الموجودة فى البيئة المصرية.
- أنواع الثعابين
أوضح الدكتور أحمد جودة، استشارى بالمركز القومى للسموم الإكلينيكية والبيئية بكلية طب قصر العينى، أن الثعابين عائلات، ويتم تصنيفها فى الغالب إلى 7 عائلات على مستوى العالم، وتندرج تحت كل عائلة أنواع كثيرة تجمعها صفات مشتركة، مشيراً إلى أن هذه العائلات يصل عدد أنواعها فى العالم كله ما بين 2400 إلى 2900 نوع.
من بين هذه العائلات هناك عائلتان هما الأكبر فى العالم من حيث السمية، عائلة «العرابيد» (Elapidae)، وعائلة «الأفعويات» (Viperidae)، بينما يعد أكثر الثعابين خطورة فى العالم من حيث السمية هو نوع «التايبان البرى» (Inland Taipan)، الذى ينتمى إلى «العرابيد»، إلا أن هذا النوع غير موجود فى مصر، ولكن كل الأنواع التى تليه من حيث الخطورة فى هاتين العائلتين موجودة فى مصر، حسب «جودة»، مثل «الكوبرا المصرية» من عائلة «العرابيد»، و«الحية أم قرنين» أو «الطريشة» كما يُطلق عليها، من عائلة «الأفعويات».
يقول «جودة» إن هناك نوعين من الأعراض يمكن للطبيب أن يفرق من خلالهما بين هاتين العائلتين، الأول يتمثل فى أعراض «الكوبرا المصرية»، وتتلخص فى إحداث شلل تنازلى للمصاب بداية من وجهه، وهذا النوع «يجب البدء فى معالجته» قبل أن يصل الشلل إلى الرئتين ومن ثم يؤثر على الجهاز التنفسى، أما الثانى فيتمثل فى أعراض الأفاعى، ويعد «الأخطر»، وتكون آثاره عبارة عن سيولة عنيفة فى الدم تجعله أخف من الماء قد تُحدث نزيفاً من كل مكان.
عم «أشرف»: «قالوا لى المصل مش موجود واطلع بيه على المستشفى المركزى».. ووالده دخل فى إغماءة لم يفق منها إلا بعد دفن الطفل
- رحلة الـ45 دقيقة
هنا، فى قرية الصبيحى بمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، كان مشهدٌ آخر من مشاهد الحزن، ارتسمت على وجوه أبطاله الشاحبة آياتٌ من الأسى كونتها الأيام على مدار عام كامل مضى، ودلت عليها ثيابهم المنسوجة بخيوط قاتمة السواد، لم يخلعوها عن أجسادهم منذ أن فارقهم عائل أسرتهم الوحيد، «السيد شريف»، ذو الخمسين عاماً، بعدما لقى مصرعه متأثراً بلدغة ثعبان فى قدمه عندما كان يروى أرضه الزراعية فى سبتمبر من العام المنصرم، حسب ما قالت ابنته «إيمان»، الطالبة فى كلية الصيدلة بجامعة الفيوم.
تحكى «إيمان» تفاصيل هذا اليوم، ويبدو أن الموت حينها كان قد سلك طريقه إلى والدها بلا رجعة، فالظروف كلها كانت توحى بذلك، مركز يعيشون فيه بلا مستشفى، ووحدة صحية مغلقة رغم أن الوقت «ظهر»، وأخرى فى قرية مجاورة ذهبوا إليها إلا أنها أيضاً كانت «خالية من المصل»، فلم يكن أمامهم طريق آخر سوى الذهاب إلى مستشفى أبشواى المركزى الذى يبعد عنهم نحو 45 دقيقة، ولكن حتى هذا الأمل تبخر عند وصولهم إليه: «ماكانش فيه هناك المصل برضو»، لتكون هذه آخر محطات «السيد» قبل أن يفارق الحياة على أحد أسرة «أبشواى المركزى».
- خطورة الحركة وبعد المسافة
الحركة الكثيرة تعد أكثر ما يعرض حياة مصاب الثعبان أو العقرب للخطر، على حد قول الدكتورة إيمان عبدالمنعم، مديرة المركز القومى للسموم الإكلينيكية، فالحركة تؤدى إلى سرعة انقباض عضلات القلب ما يعجّل من سرعة سريان الدم فى الجسم ومعه السم.
جميع الحالات التى التقى بها معد التحقيق كانت تجمعهم أمور مشتركة، على رأسها بُعد المسافة بين قريتهم وبين أماكن توافر المصل، ما جعلهم يعتمدون على وسائل نقل غير آمنة فى انتقالهم إلى أقرب مستشفى، «عربات نقل، ودراجات نارية، وحيوانات» علقت عليه الدكتورة «إيمان» قائلة: «المصاب اللى فى الوضع ده يعتبر ضاع خلاص»، موضحة أن اللدغة المصاب بها المريض فى هذه الحالة إذا ما توافرت بها عوامل الخطورة فهذا سيعرضه إلى مضاعفات شديدة قبل وصوله.
- العلاج فى وحدة «مرسى حميرة»
وحدة صحية على أطراف المدينة، تقدم خدماتها لقرية «مرسى حميرة»، التابعة لمدينة مرسى علم، جنوب البحر الأحمر، فى هذه الوحدة كان الوضع مختلفاً، كما قال أحد أطبائها الذى انتهت فترة تكليفه بها قبل شهور قليلة، فضل عدم ذكر اسمه، حكى لنا عن طبيعة العمل داخل الوحدة التى كان يقدم فيها «ما فى إمكانه».
كانت كميات المصل الواردة إلى الوحدة قليلة، وفق «الطبيب»، إلا أنه لم يجد أزمة مع ذلك طيلة عام وشهرين قضاها بالوحدة، لقلة عدد السكان واعتماده على نفسه فى إحضار المصل داخل صندوق من الثلج خصصه لذلك: «الوحدات الصغيرة بيقولوا لها تعالوا خدوا حاجتكم بنفسكم».
نحو 10 حالات عالجها «الطبيب» بنفسه داخل الوحدة أثناء فترة تكليفه، وساعده فى ذلك اطلاعه المستمر على كيفية علاج مثل هذه الحالات، فهو يرى أن الأمر «مفيش فيه خطورة» طالما توافرت مضادات الحساسية وحقن الكورتيزون والأدرينالين.
يحصل طبيب التكليف قبل أن يتولى مسئولية الوحدة على دورة تدريبية تحت مسمى «الحزمة»، حول أمور إدارية وطب الأسرة، إلا أن هذه «الحزمة» لا يوجد بينها تدريب عملى على التعامل مع مصابى العقارب والثعابين، فضلاً عن عدم إعطائها لجميع أطباء التكليف، على حد قول «طبيب مرسى حميرة».
- غاب المصل فلجأ المواطنون لـ«العلاج الشعبى»
فقد المواطنون فى القرى الثقة بوحدات ومستشفيات «الصحة»، فكان البديل لذلك، عادة، طرقاً شعبية ينتهجونها لعلاج أنفسهم، وكانت «المحاواة» واحدة من أشهر هذه الطرق فى علاج إصابات الثعابين والعقارب، عُرفت فى العديد من المحافظات خاصة الجنوبية، فانتقلنا إلى مركز كوم أمبو بأسوان، لكونه أحد أكثر الأماكن اعتماداً على هذا النوع من العلاج، وهناك لم يكن البحث عن «محاوى» أمراً صعباً.
بدرى عبده، أربعينى، يعمل فى «المحاواة» التى ورثها عن والده منذ 18 عاماً، حكى لنا كيفية العلاج بهذه الطريقة «القرآنية» كما يسميها، التى تبدأ بتحديد مكان اللدغة، ليضع عليه يده ويبدأ فى تلاوة «القسم»: «أقسمت عليك يا سم يا سموم إنك لا تطفح ولا تعوم..».
يختلف «القسم» من «محاوى» لآخر، ولكن جميعها فى النهاية متشابهة، حسب «عبده»، الذى أكد أن هذه التلاوات تساعد على تجميع السم الناتج عن اللدغة تحت يده، فيقوم بعدها بتشريط مكان اللدغة إذا كانت بعيدة عن الشريان، فى عملية تتراوح ما بين 30 دقيقة إلى ساعة، أما إذا كانت اللدغة فى أحد الشرايين أو كان يعانى المصاب من مرض السكرى، فهنا يتم ربط العضو الملدوغ ليذهب المصاب إلى المستشفى.
أدوات «المحاوى» تتنوع ما بين «موس» للتشريط، وشعرة حصان لاستخراج شوكة العقرب من جسم المصاب إذا ما انكسرت بداخله، وزيت طعام، يشرب منه المصاب «حتى يساعد على إبطاء سريان السم فى الجسم»، وليمون يستخدم فى تنظيف مكان الجرح بعد التشريط، وفى أغلب الأحوال تكون هذه الأدوات البسيطة كافية للعلاج، حسب «عبده»، الذى برر ذلك قائلاً: «هنا الحاوى أهم من المستشفى ولو مفيش ناس موجودة زينا تحاوى المصاب يروح فيها عقبال ما يلاقى المصل».
- مسئولية تائهة
حملنا شكاوى المواطنين، وحكايات الحزن التى خيمت على أسر «أشرف» و«إبراهيم» و«السيد» وغيرهم من ضحايا الثعابين والعقارب فى القرى، وذهبنا بها إلى أبواب وزارة الصحة والسكان بحثاً عن المسئول المباشر عن هذه الأزمة فنضعها أمامه، إلا أن هذه المسئولية تاهت بين إدارات ثلاث داخل الوزارة، «الطب الوقائى، والطب العلاجى، والرعاية الأساسية»، وكانت رحلة البحث عن رد واضح عما توصلنا إليه من عدم توافر الأمصال بالوحدات الصحية، فضلاً عن عدم وجود أى دور حقيقى لها فى استقبال مصابى العقارب والثعابين، من هذه الجهات، أمراً فى غاية الصعوبة، استغرق من الوقت ما يزيد على 40 يوماً، لم توافق خلالها أى إدارة على إجراء مقابلة مع أحد مسئوليها، ففى إدارة الطب الوقائى رفض مديرها، الدكتور علاء عيد، مقابلة معد التحقيق بداعى انشغاله، وطلب قائمة مكتوبة بأسئلة المقابلة من أجل الإجابة عليها، بضعة أيام وجاء الرد مكتوباً إلا أنه لم يغط كل الأسئلة المرسلة، وكان مفاده أن «دور القطاع الوقائى فيما يخص أمصال العقرب والثعبان هو تحديد وتوفير الكميات اللازمة لسد احتياجات المحافظات»، وفيما يخص تلقى العلاج فى الوحدات الصحية كان ردهم المكتوب أن «مصل العقرب متوافر بوحدات الرعاية الأساسية، أما مصل الثعبان فيتطلب احتياطات خاصة، لذلك يفضل أن يتم إعطاؤه بمراكز السموم أو بالمستشفيات»، بما يتعارض مع توصيات منظمة الصحة العالمية حول ضرورة إدراج هذه المضادات ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية.
حاولنا التواصل معهم مرة أخرى لإجراء مقابلة مع مدير الإدارة أو من ينوب عنه لكى نعرض عليهم ما توصلنا إليه، ليجلس معنا فى نهاية الأمر الدكتور محمد عبدالفتاح، مدير المكتب الفنى للإدارة، وكان رده بشأن الوحدات الصحية أن هذا الدور لا يقع على عاتق «الطب الوقائى» الذى يقتصر دورها على «توفير المصل للمحافظة فقط»، وإنما يتداخل معهم فى الدور العلاجى وتقديم الخدمات فى الوحدات الصحية إدارتا الطب العلاجى والرعاية الأساسية.
حاولنا التواصل مع الدكتور أحمد محيى القاصد، مساعد وزير الصحة والسكان لقطاع الطب العلاجى، من خلال خطاب رسمى موجه إليه من المتحدث الإعلامى للوزارة، إلا أنه رفض مقابلتنا، وبعد تكرار طلبنا أكثر من مرة قابلنا الدكتور محمد عبدالبديع، مدير المكتب الفنى للإدارة، وقال إنه سيرتب لنا موعداً مع أحد الأطباء المتخصصين فى الإدارة، إلا أن هذا لم يتم، وبعد إلحاحنا قال لنا إن «مسئولية الإدارة تبدأ من توفير العلاج فى المستشفيات، وإنه لا تقع عليهم أية مسئولية فيما يخص العلاج داخل الوحدات الصحية التى تقع تحت مسئولية إدارة الرعاية الأساسية».
لم يختلف موقف «الرعاية الأساسية» فى الرد علينا، إلا أن ردهم المكتوب على ما أرسلناه إليهم من أسئلة تضمن الدور المنوط بالإدارة فيما يخص الوحدات الصحية، حيث جاء بالرد إقراراً بأن من بين الأدوار التى تقدمها هذه الوحدات للمواطنين «التعامل مع الحالات الطارئة والعاجلة وإجراء الجراحات البسيطة»، الدور الذى أثبت التحقيق أنه غير مفعل، وبعد إصرارنا على مقابلة الدكتورة سعاد عبدالمجيد، رئيس قطاع الرعاية الأساسية، للحديث معها حول هذا الأمر وافقت على المقابلة، إلا أنها قالت: «أنا مش مسئولة عن الموضوع ده، وإدارة الطب الوقائى هى الإدارة المسئولة».
أخبرناها برد إدارة الطب الوقائى، فقامت بالاتصال بالدكتور علاء عيد، رئيس إدارة الطب العلاجى، أثناء جلوسنا معها بعد أن فتحت السماعة الخارجية للهاتف، ليرد عليها قائلاً: «بصى يا دكتورة سعاد، بيتهيألى انتى عارفة كويس أوى إن الأمصال دى علاجى مش وقائى ودى مش شغلتى».
أنهت «سعاد» مكالمتها الهاتفية، وأعدنا عليها السؤال مرة أخرى حول مدى مسئوليتها عن استقبال مصابى لدغات العقارب والثعابين فى الوحدات الصحية التى تقع تحت مسئولية إدارتها، ليكون ردها هذه المرة بصوت مرتفع قبل أن تنهى المقابلة: «مش أنا اللى بحدد الكلام ده، وأنا غير مسئولة عن هذه الرعاية الصحية داخل الوحدات».
- الموت مستمر
حكايات الموت داخل القرى لا تنقطع، والحزن أصبح زائراً «ثقيلاً» على أُسر غلبتها قلة الحيلة بعد أن خطف الموت أحدهم بين ليلة وضحاها بسبب لدغة ثعبان أو لدغة عقرب، فبالأمس القريب كان «حسام»، صاحب الأعوام العشرة، يلهو مع شقيقه وأصدقائه خلف منزلهم المسقوف بالغاب، فى قرية العيساوية شرق، التابعة لمركز أخميم بـ«سوهاج»، لم تمنعهم الحرارة عن اللعب، ولكنها كانت سبباً كافياً لخروج صُحبة غير مرغوب فيها من جحورها، «عقربٌ ملعون»، كما وصفه والد الطفل، اختار «حسام» دون غيره، ليضعه ضمن قائمة طويلة من الموتى الذين تعلقت أرواحهم بعبوة مصل «صعبة المنال». الوحدة الصحية بقرية «حسام» لم يختلف حالها، فبعد أن ذهب إليها والد الطفل الأربعينى «حسن حربى» وهو يحمل نجله مصاباً بلدغة عقرب فى معصم يده، لم ينس الأب هذا المشهد رغم مرور عام وبضعة أشهر عليه، بوابة الوحدة كانت مغلقة، إلا أن أحد العاملين السابقين بها أخبره بأنها خالية من المصل ونصحه بالتوجه إلى مستشفى أخميم المركزى، فلم يتردد الأب الذى بحث عن سيارة تنقلهم هذه المسافة البالغة نحو 45 دقيقة، ما جعل حالة الطفل تزداد سوءاً قبل وصولهم: «قبل ما ندخل المستشفى كان بدأ يرجع».
«حالة غير مستقرة»، كان التشخيص الذى قالته الطبيبة لوالد «حسام»، بعدما قامت بإعطاء الطفل «حقنتين عن طريق محلول»، فقرر التوجه إلى مستشفى سوهاج العام بعدما نصحته الطبيبة بذلك، ليظل الأب مع طفله داخل المستشفى حتى الواحدة بعد منتصف الليل، ثم اتجه إلى البيت تاركاً طفله ومعه زوجته حتى يأتى إليهما بـ«شوية طلبات» فى اليوم التالى، إلا أنه بعد عودته منعه الأمن من الصعود فهاتف زوجته التى خرجت إليه وطمأنته على «حسام» وأخذت منه ما أحضره، ليهمّ فى العودة مرة أخرى إلى البيت، إلا أن مكالمة هاتفية من زوجته حالت دون ذلك: «لقيتها بتقول لى إلحق الواد تعبان أوى وعقبال ما رجعت تانى كان مات».
حزنٌ كبير كان ظاهراً فى حديث «حسن»، إلا أن حزن زوجته كان أكبر، آمال محمد، صاحبة الـ28 عاماً، التى لم تتمكن من الحديث كثيراً عن طفلها المفقود: «أول ما بتيجى سيرته باتخنق».
لدى «آمال» من الأطفال أربعة غير «حسام» أصغر منه سناً، لم يفارقوها طيلة حديثها، فكانت تلملمهم بين يديها، كلما حاول أحدهم تركها جذبته مرة أخرى إلى جوارها، وفى نظراتها بدا الخوف عليهم واضحاً، فتارة تشرد نظراتها بينهم، وتارة أخرى تتلفت حولها بعينين زائغتين كأنما تبحث عن شىء، وكأنها تتربص بذلك «العقرب الملعون» حتى لا يخرج ثانية على حين غفلة فيخطف منها واحداً آخر من أبنائها دون أن تملك سبيلاً لعلاجه.
أشهر ضحايا لدغات العقارب والثعابين فى آخر 3 أعوام
سبتمبر 2017
وفاة الخمسينى السيد شريف، فى قرية الصبيحى التابعة لمركز يوسف الصديق بالفيوم متأثراً بلدغة ثعبان.
سبتمبر 2017
وفاة الطفل أشرف مجدى فى قرية بنى عبيد التابعة لمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا متأثراً بلدغة ثعبان.
يوليو 2017
وفاة الطفل حسام حربى فى قرية العيساوية شرق دائرة مركز أخميم بمحافظة سوهاج متأثراً بلدغة عقرب.
مايو 2018
وفاة شاب فى قرية المناشى التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط، متأثراً بلدغة ثعبان.
يوليو 2017
وفاة الخمسينى عاشور جمال، فى قرية مير التابعة لمركز القوصية بمحافظة أسيوط، متأثراً بلدغة ثعبان.
يوليو 2018
وفاة طالب أثناء عمله فى أرضه الزراعية، فى عزبة الصافى حميدة التابعة لمركز الدلنجات بالبحيرة متأثراً بلدغة ثعبان.
أكتوبر 2016
وفاة الطفل زياد أحمد رجب، 9 سنوات، فى قرية غرب الموهوب التابعة لمركز الداخلة بالوادى الجديد متأثراً بلدغة عقرب.
يوليو 2018
وفاة الأربعينى إبراهيم عبدالرازق بقرية شبرا بخوم التابعة لمركز قويسنا بالمنوفية متأثراً بلدغة ثعبان.
مارس 2016
وفاة عبدالرحمن عمر إثر تعرضه للدغة ثعبان بكورنيش النيل الشرقى بناحية جزيرة محروس بمحافظة سوهاج.
أغسطس 2018
وفاة الخمسينى رجب محمود، فى قرية عطف حيدر التابعة لمركز العدوة بالمنيا، متأثراً بلدغة ثعبان.