تعرف على دور الأزهر في مقاومة العدوان الثلاثي سنة 1956
العدوان الثلاثي
أدى توقيع مصر اتفاقية الأسلحة التشيكية التي تقضي بتزويد مصر بالأسلحة المتقدمة والمتطورة بهدف تقوية القوات المسلحة لردع إسرائيل، ودعم مصر للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وإمدادها لها بالمساعدات العسكرية، ما أغضب فرنسا وحرضها على المشاركة في العدوان، وتأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبدالناصر في 26 يوليو 1956، هذا التأميم منع إنجلترا من التربح من القناة التي كانت تديرها قبل التأميم، إلى العدوان الثلاثي على مصر.
واختار الرئيس جمال عبد الناصر منبر الجامع الأزهر في اليوم التالي للعدوان ليلقي خطابه الشهير الذي أعلن فيه الجهاد المقدس ضد جيوش الطغاة المعتدين، وانطلقت صيحة مدوية مجلجلة في أسماع العالمين وانتفض الشعب المصري انتفاضة كبرى على إثر هذا الإعلان.
وقام الأزهر، بحسب تقرير لموقع الأزهر، بدور بارز ومؤثر في مقاومة العدوان الثلاثي وكان دوره هذا حلقة جديدة في سلسة جهاده في مكافحة الاستعمار، فقد اشترك الأزهر في كل ميادين المعركة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية.
وعلي الصعيد الداخلي، أصدر الأزهر من خلال شيخه وكبار علمائه البيانات المتلاحقة بما ينبغي له وما يجب عليه في مواقف المحن والشدائد مستلهما في ذلك روح الإسلام وقوانين الإسلام في أحوال الحرب والسلام، فعقب إعلان الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، أصدر شيخ الأزهر عبدالرحمن تاج بياناً بعنوان "الموت دفاعاً عن الوطن شهادة"، جاء فيه: "إن قرار تأميم قناة السويس الذي اتخذته مصر وأعلنه زعيمها العظيم ورئيس جمهوريتها في 26 يوليو 1956، هو قرار وطني حكيم قوي في غاية القوة وأسمى معاني الشرف والعزة والكرامة، وهو عمل مشروع لا ينقصه شيء من الاعتبارات الشرعية والقانونية، ولا يؤثر على حق مصر في القيام به ما تزعمه دولتان أو ثلاث دول من الدول الاستغلالية الاستعمارية، وأضاف البيان أن تأميم قناة السويس قد صار حقيقة واقعة هتف لها جميع المصريين وغير المصريين من الذين ذاقوا مرارة الاستعمار والاستعباد واكتووا بنار الاحتلال والاستبداد.
وأوضح أن الموت في سبيل الوطنية، وفي الدفاع عن العزة القومية، وعن الاستقلال والحرية، أفضل من الحياة في ظل الاحتلال والاستعباد، وختم البيان بقوله :" ألا إن رجال الأزهر جميعاً، يعرفون حق المعرفة، ويؤمنون أقوى الإيمان أن الجهاد في سبيل الدفاع عن الوطن، جهاد في سبيل الله، وهم يدركون أن واجبهم الاسمي أن يتأهبوا لهذا الكفاح، وأن يعدوا العدة لشرف هذا الدفاع، وليعلم الطاغون الباغون أنه حين يجد الجد، سيكون الأزهريون في مقدمة صفوف المجاهدين" .
وأكد شيخ الجامع الأزهر وكبار علمائه، عقب العدوان الثلاثي على مصر، بعنوان "نداء من شيخ الأزهر وعلمائه"، معلنين فيه استنكاراً شديد اللهجة على هذا العدوان، وقد جاء فيه :" في هذه الساعات التي يسجل فيها التاريخ على حكومات الاستعمار بغيها السافر ونبذ العهود وانتهاك الحدود، وإهدار المبادئ الإنسانية وبعثها العصابات الصهيونية إلى العدوان الغادر على أرض الكنانة، يعلن شيخ الأزهر وعلماؤه أن هذا السلوك الشائن الذي يسلكه المستعمرون وما يفتنون فيه من الكيد لمصر، إفساد في الأرض، وإشاعة للشر، وسعي إلى إثارة حرب في بلاد العروبة والإسلام، لو استعرت نارها وامتد لظاها فسيكونون هم أول من تدور عليهم الدوائر ..." . ولم يقف البيان عند هذا الحد، بل شمل نداء إلى العالم كله شرقه وغربه، أن يعمل على درء هذا الخطر عن الإنسانية حفظاً للسلام وحماية لحقوق الإنسان، موضحين أن من أهم تعاليم الإسلام هو الأمر بالدفاع والتحذير من العدوان، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى: { وَقَتِلُوا فيِ سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَتِلونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } ؛ لأن الجهاد في تلك الظروف فريضة عليهم جميعاً بكل ما يملكون من نفس ومال وولد .
وعلي الصعيد الخارجي: فقد قام الأزهر من خلال شيخه بمراسلة ملوك ورؤساء عدد من الدول في الشرق والغرب مثل: باكستان، والهند، وإندونيسيا، وسيلان، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيران ، لتوضيح أبعاد الموقف؛ من أجل القيام بعمل حاسم لإنجاز سحب قوات العدو فوراً من مصر، ورد إسرائيل وراء خطوط الهدنة حقناً للدماء وتوطيداً للسلام.
وعلى صعيد الميدان العسكري: قام الأزهر بتجريد كتائب من علماء الأزهر وطلابه لمقاومة العدوان بجانب جيش التحرير، وقد حرص شيخ الجامع الأزهر الشيخ عبد الرحمن تاج علي توديع الكتائب عند سفرها إلى ميدان المعركة، وخطب فيهم قائلاً : " أيها المؤمنون المجاهدون أنتم علي الحق وأعداؤكم على الباطل، وأنتم بالحق مؤمنون وهم للحق كارهون جاحدون، فأنتم تدافعون عن دياركم ووطنكم وهم معتدون باغون عليكم، فثقوا بعدالة الله وأيقنوا بنصر الله فالله يغار على عباده المؤمنين، وقد كتب التأييد والنصر والعزة للمجاهدين الصابرين " ، كما توجه إلى الجيش في الميدان يهنئ فوزهم الذي أحرزوه في تلك الساعة، وبشرهم بأن نصر الله قريب؛ لأنهم على الحق .
وفي الميدان الاقتصادي، ساهم الأزهر بمبالغ كثيرة لتوجيهها الوجهة اللازمة في المعركة، وإعانة للمنكوبين من أسر الشهداء، وتنازل بعض العلماء عن أنصبتهم في أوقافهم الخاصة؛ لتعمير بورسعيد ومواساة المنكوبين من أهلها، وتبرع جميعهم بنسبة مئوية من مرتباتهم أشهراً متوالية لهذا الغرض أيضاً .
وفي الميدان الثقافي قام الأزهر بالتعبئة العامة وتهيئة النفوس لخوض المعارك في سبيل الوطن ووقايته من مفاسد الاستعمار والمستعمرين، قام الأزهر بتنوير الشعب وتبصيره بأحكام الدين وما شرعه للمسلمين في هذه المواقف، وما أعد للمجاهدين دون أوطانهم وحرماتهم من موفور الجزاء في العاجل والآجل، ليكون تحمل الشدائد بالباعث الديني إلى جانب الباعث الوطني قوياً قوة العقيدة والإيمان، وتلك هي التعبئة المعنوية التي تُعني بها الشعوب وتقف عليها كثيراً من الإمكانات.