"ست بميت راجل".. رحلة سير يومية لـ"زينب" من الهرم للسيدة لتربي أولادها
صورة الحاجة زينب
ساندت زوجها ولم تتخل يوما عنه، فكان يملك محلا صغيرا "إيجار قديم" بمنطقة السيدة زينب خصصه لبيع "البقالة"، ليكون مصدر رزقه الوحيد في الإنفاق على أولاده الخمسة ومتطلبات الحياة اليومية، فكان الرزق حسب حظه ومتطلبات الحياة تحتاج للكثير، لكنها رضت بالقليل، لأنه بامتزاج الحب والرضا معه سيصبح الرزق كثيرا وفيرا.. لكن منذ 47 عاماً توفى زوج "زينب" وترك الأبناء الخمسة صغارا، فتحولت حياة زينب وتغيرت كثيرا حيث أنها كانت لا تعمل وتمكث في المنزل لترعى شؤون بيتها، لكن فقدان زوجها جعلها تخرج للعالم لتعمل من أجل رعاية صغارها، ورفضت الزواج وسخرت كل حياتها لخدمتهم.
من الهرم إلى السيدة زينب، رحلة يومية تقطعها "زينب" لافتتاح محل البقالة بالسيدة في الساعة السابعة صباحا، تذهب صباحا لشراء ما ينقصها من منتجات وترفض المساعدة في ذلك، خوفا من غش التجار وحرصا على توفير كل قرش لأبنائها، تحمل البضاعة فوق رأسها سيرا تحت حرارة الشمس بين جدران قسوة الأيام، رافضة استخدام المواصلات حتى توفر المال بقدر المستطاع.
أولادها يعودون للمحل بعد المدرسة لتناول الطعام، ثم يذهبون لدروسهم، وتستمر هي في المحل حتى ينتهوا من المدرسة والدروس، وفي الـ 7 مساء يتوجهون جميعاً للبيت، ليبدأ عملها الآخر في ممارسة أعمالها المنزلية.
أصبحا زينب لأبنائها الأب الذي يعمل لينفق عليهم ويلبي كل احتياجاتهم، وكانت الأم التي تغمرهم بالحنان والحب وتقضي حوائجهم، والصديقة التي يتحدثون معها بكل حرية ومرح.
عندما مات زوجها حديثا، عرض عليها أخوات زوجها أن يديروا المحل لها، مقابل أجر شهري، لكنها رفضت: "أنا كنت في عرض أي قرش عشان ولادي، هيعيشوا إزاي بحسنة آخر كل شهر"، ومن هنا قررت العمل وأن تقف بوجه الحياة وتتحدى صعوباتها.
رحلة شاقة لشراء البضائع تخوضها "زينب" يوميا، إذ كانت تشتري السكر من شركة بالمنيرة، والشاي من زين العابدين، وتحصل على التونة من منطقة بين السورين، والمنظفات من باب الخلق.
ويصفها من حولها بأنها "ست بميت راجل" مدحا في ذكائها في تصريف شؤونها: "أنا ولا بأعرف أقرأ ولا أكتب، ومكنتش أعرف حاجة في الدنيا دي لكن كتر الحُزن يعلم البكاء، فكان لازم أتعلم كل حاجة عشان ولادي".
عمل "زينب" ليل نهار حتى علمت أبنائها الخمسة وزوجتهم، وبعدها عرضوا عليها أن تستقر في شقتها بالهرم لتعويضها عن تعبها ورحلتها الشاقة في تربيتهم، إلا أنها كانت ترفض وتصر علي العمل رغم بلوغها 88 عاما، فتأتي كل يوم من الهرم للسيدة لتستعيد ذكريات كفاحها الطويلة، مرددة: "الحمد لله ما حوجتش ولادي لحد"، وتعود الساعة 7 مساء لتجد كل يوم أحد أبنائها في انتظارها ليلبي كافة احتياجاتها.