خرج من رحم مؤتمر «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق» الذى أقامته دار الإفتاء المصرية -عبر الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم- فى الفترة من 26 - 28 أكتوبر 2018م، وتحدثنا عنه فى المقال السابق، خرج (المؤشر العالمى للفتوى)، الذى يقيس حالة الفتوى فى العالم خلال الفترة (من 1 أكتوبر 2017م، إلى 30 سبتمبر 2018م)، وقام به الأستاذ طارق أبوهشيمة، رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء، يشاركه فريق عمل متميز، وحمل المؤشر دلالات خطيرة لا مناص من أن تكون أمام المعنيين بمواجهة التطرف، وأن يكون المؤشر سابقاً لأى خطوات نحو تجديد الخطاب الدينى.
رصد المؤشر الفتاوى الخاصة بالمسيحيين فى مصر، وأظهر عدة ملامح، أهمها أن الخطاب الرسمى الصادر من الأزهر اتسم بالعقلانية والتسامح، إلا أن الفتاوى الصادرة من المؤسسات الرسمية بلغت 40% فقط، فى حين أن الفتاوى الصادرة من جماعات متشدّدة بحق المسيحيين بلغت 60%، بما يعنى أن النسبة التى تُصدر خطاباً يؤجج المشاعر وينشر الفتن فى مصر هى الأعلى صوتاً!! فماذا ننتظر؟!
أما فتاوى السلفيين فقد مثّلت صداعاً فى رأس الأمة، بطبيعة ابتعادها عن مقاصد الشريعة، فيشير المؤشر إلى أن السلفيين فى مصر هم الأكثر إصداراً للفتاوى بين هذا التيار فى العالم بنسبة 30%، والسعودية -التى هى منبع الوهابية- تأتى بعد مصر بنسبة 20%!! ثم البحرين، ثم الأردن، ثم تونس، ثم الجزائر، معنى هذا أن المواطن المصرى يتلقى 60% من فتاوى تدعو إلى التحريض على المسيحيين، وأنه يتلقى ثلث فتاوى العالم من التيار السلفى!! إنه مؤشر خطير جداً.
أيضاً، فإن فتاوى العبادات تستحوذ على نسبة 42%، وهذا معناه غلبة الجانب الوعظى التعبّدى على الجانب الحضارى فى خطابنا الدينى، وأن المجتمع فى وادٍ ومؤتمرات وأحاديث التجديد فى وادٍ آخر، ذلك أننا لو جمعنا خلاصة الأحاديث النبوية بعد حذف المكرر لوجدنا عددها 60 ألف حديث تقريباً، منها نحو 4 آلاف حديث فى العبادات، ويتبقى 56 ألف حديث فى الأخلاق.
أما الخطاب الإفتائى فى مصر، فقد وصلت فيه نسبة الفتاوى المنضبطة الصادرة من المؤسسات الرسمية إلى 92%، وهذا يشير إلى الجهد الكبير لدار الإفتاء المصرية فى الانضباط المنهجى فى الفتوى، وأستطيع القول إن مؤسساتنا الدينية لا تخلو من بعض السلبيات، إلا أن دار الإفتاء المصرية هى أفضل جهة تقدم فتاوى منضبطة فى العالم السنى كله، بما أنها تدرك الواقع وتواكب المسائل الجديدة، وليس أدل على ذلك من فتوى «البيتكوين» (عملة مثل الدولار واليورو، لكن «البيتكوين» عملة إلكترونية يتم تداولها عبر الإنترنت فقط من دون وجود واقع فيزيائى لها)، فأفتت الدار بتحريم التعامل بها، نظراً لما تمثله من مخاطر أمنية ومجتمعية، ثم تبعها فى القول بالتحريم هيئات الإفتاء فى فلسطين، ثم السعودية، ثم تركيا، ثم الكويت، فى مقابل فتاوى أجازت التعامل بهذه العملة ظهرت على موقع (فوركس السعودية) و(إسلام ويب) و(طريق الإسلام).
تلك سطور من المؤشر العالمى للفتوى.. والمؤشر هو صرخة من دار الإفتاء المصرية -عبر أمانة دُور وهيئات الإفتاء فى العالم- ليكون أمام السيد رئيس الجمهورية، والمسئولين عن الخطاب الدينى. والمهتمين من المفكرين والباحثين والإعلاميين.. وفى المقال القادم نكمل.