فبعد الفحص والمحص والتمحيص، إنت إزاى بتعمل كده يا أخى؟! عمال تجيبنا وتودينا، شوية تقلب علينا المواجع، وشوية ترجعنا لذكريات حلوة افتقدناها وبنحلم نعيشها من تانى، وشوية تخوفنا وشوية توجهنا وشوية تضحكنا وشوية تخلينا نحب الحياة، إنت بتعمل كده إزاى؟! ويا ترى لسه فى جرابك إيه؟
قاعدة لا بيا ولا عليا وألاقيلك الواد معتز أخويا الصغير بعلو صوته وبيقول "الله عليك يا مكى"، جريت طبعا على أوضته وأنا كلى غضب دخلت عليه ولسه بقول له "إنت سايب المذاكرة وبتسمع أغانى؟"، بكل حماس رد عليا وقال لي تعالى بس اسمعى أغنية أحمد مكى الجديدة "آخر شقاوة" وبعدها اعملى اللى إنتى عاوزاه.
أنا طبعا صممت على موقفي وقفلت الأغنية ومعتز كمل مذاكرته بعد اعترافه ليا إن دى المرة العشرين اللى بيسمع فيها الأغنية دى، وإنه متابع جديد لكل أغانى مكى، الحقيقة الموضوع استفزنى وروحت فى الخباثة كده وسمعت الأغنية علشان أفهم إيه اللى فيها خلاه مبسوط قوى كده، بدون ما اشعر كل ما الأغنية تخلص ارجعها تانى، ووصلت فعلا للمرة العشرين زى معتز بالظبط.
الحكاية ما خلصتش معايا عند أغنية "آخر شقاوة"، وهي آخر أغنية لمكى، واللى كان بيوجه فيها رسالة هامة كعادته للشباب، لأ ده الموضوع اتطور وقررت اسمع كل أغانى مكى بتمعُن علشان أعرف إيه اللى يخلى كل الشباب يسمعه كده وعن اقتناع.
عرفت الإجابة بسرعة لما سمعت "أغلى من الياقوت"، واتوجعت من كمية المشاعر الحلوة الصعبة اللى فى كلمات الأغنية، أحمد مكى بمنتهى الحب والصدق كان بيوصل رسالة بالمشاعر الحلوة اللى جوه كل أب لابنه وحاول كمان يحرك مشاعر العيال اللى قلبها قسي على أهلها، وبكل ذكاء كانت نهاية الأغنية جمله تقطع القلب لما قال "كنت معاك يوم ولادتك عاوزك جنبى يوم ما أموت".
وصلت "لناصية زمان"، ومن غير ما أحس خدنى بالأغنية رجعنى لزمن دافى كلنا مفتقدين تفاصيله الحنينة، رجعك لجارك الجدع، للعشرة الحلوة، لريحة الأصل والأصول، يااااه على التفاصيل اللى شميت ريحتها من ساعة ما سمعت الأغنية.
قولت فى عقل بالى أشوف بقى "قطر الحياة" وصل مع مكى لغاية فين، بصراحة كده استجدعته قوى فى الأغنية دى، لما لقيته كل همه فى أغانية إنه يعالج فينا وجوانا الحاجات اللى بتخسرنا روحنا.
ولسه بسمع وأنا في قمة الاستمتاع ولسه حاببة اسمع كمان وكمان، لحد ما قابلتنى أغنية "أيام زمان"، اللى حاول فيها مكى إنه يرجعنا لبراءة طفولتنا، لنقاءنا، لشخصياتنا قبل ما تلوثها الأيام والمواقف.
ختمت جولتى فى أغانى الفنان الإنسان بـ"طرقت بابك"، ورغم كل القوة اللى بيحاول يوصلها لنا فى معانى كلماته إلا إنه فى النهاية، حب يأكد لنا إن رب الكون هو السند.
أحمد مكى الفنان الجدع اللى الفن عنده رسالة، فنان قدر يعمل قاعدة جماهيرية كبيرة، وخاصة من الشباب، عرف يتكلم بلسانهم، وصل لهم ببساطته المعهودة، لما فكر يغنى استغل ده فى حمايتهم ما ساهمش زى غيره فى زيادة الانحراف وتشوية القيم والأخلاق، كان كل همه إنه يرجع مفاهيم غابت عنهم ويوجههم ويحذرهم ويفتح عيونهم على الحاجات اللى غابت عنهم فى زحمة مغريات الحياة.
أحمد مكى.. إنت حدث فنى فريد ومحترم قاومت مرض السرطان الذى أصابك وما زلت تقاوم بفنك أمراض المجتمع.
أرجو منك الاستمرار في هذا الطريق المفيد، وأرجو منك أيضا أن تستغل حُب الشباب لك فى توجيههم الدائم لأن الفن رسالة وأنت خير من يمثله.