كم مرة شاهدت ممثلاً فى عمل فنى وقلت كيف لهذا الشخص أن يكون ممثلاً أو يقوم بالتمثيل من الأساس، أو رأيت مشهداً رتيباً مملاً إخراجياً مثلاً، أو سمعت موسيقى بلا روح، إيقاعات متكررة مع صخب وضجيج ألم تسأل نفسك يوم.. ما هذا؟
لماذا كل هؤلاء يحتلون الأماكن التى يشغلونها الآن.. بل وكيف أصبحوا نجوم الساحة أيضا.. كما لو كان هناك رابطاً قوياً يربطهم ببعض.. نعم إنهم أصحاب أنصاف وأرباع المواهب.. أصبحوا مثل اللوبى المنتشر جسدا واحدا على طول المهنة.. بل إنهم يعرفون بعض بالأعين.. فهذا ممثل ضعيف محصور فى دائرة واحدة، أو صاحب عينين ميتتين، وهذا مخرج غير موهوب مقلد غير مبدع، يقوم بنسخ الإعمال الفنية، وذاك مؤلف ليس لديه حبكة أو لسان متعدد للشخصيات، أو عمق فى الحوار، أو جملاً لا تنسى، فكل حواره سطحى يعبيء الورق المطلوب منه لإتمام العمل ليس إلا.
وهذه نجمة تاريخها فى التسلق على أكتاف الغير معروف للجميع، ويقال هذا فى جميع الجلسات إلا التى تشاركهم هى فيها.. وغيرهم الكثيرين من أنصاف المواهب الموجودين فى كافة المجالات.. فهم يعوضون نقص الموهبة بطرق أخرى تصل لحد التذلل ومسح الجوخ كما يقولون.. طرق لا يقوم بها الموهوب الذى دائما يعتقد أن أفضل طريق لعرض نفسه هى عن طريق موهبته التى تتكلم عنه.
شاهدت ذلك والتاريخ يشهد عليه فى نماذج عدة.. مثل الموسيقار العظيم "موتزارت".. الذى لا يختلف عليه اثنان فى موهبته الفذة.. كان يوجد موسيقار آخر فى عصره يتحكم به كونه موسيقار البلاط الإمبراطورى آنذاك.. وطبعا كعادة ابن الكار.. لا يعرف ويقدر حجم الموهبة إلا من حرم منها، وكان يتطلع لأن تكون من نصيبه.. فكان هذا الموسيقار المدعو "ساليرى" يشعر بفرق موهبة "موتزارت" ومدى لمعانه وتفوقه.. وقرر أن يهمشه.. بل ويتجاهله ويحمل عليه.. إلى أن مات "موتزارت" فى ريعان شبابه قهرا وهماً.. بل وفقيراً معدما.. ودفن بأحد المقابر على سور مدينته وما زال مجهولا إلى الآن مكان دفنه.. ولكن ظلت أعماله خالدة رغماً عن أنف "ساليري".
نفس الشيء يتكرر عبر العصور واختلاف الأزمان.. نفس اللوبى من أنصاف المواهب الذين يصلون للقمة عادة.. تعويضاً عن نقص الموهبة.. أثناء انشغال الموهوب بتقديم فنه كلما سنحت الفرصة.. سواء كان فى دور جيد ليقتنصه من فمهم.. أو حتى لو كانت تجربة فنية ما لم يشاهدها أحد.. لكنه أخرج فيها طاقته الإبداعية.. إنهم ينظرون لبعض ودون أى لغة حوار يقررون ذلك بالأعين.. هؤلاء الضعفاء يقررون أن يتجاهلوا هذا الموهوب لكى لا يكشف فساد فنهم وذوقهم المتدنى أو آداءهم المزرى.. يتجاهلونه فقط ويظلون على هذا التهميش حتى ينساه الجمهور.. وكيف لا يتسنى لهم ذلك وهم من يجلسون على طاولة المفاوضات والاختيارات كأن لسان حالهم يقول لهذا الموهوب ( العب بعيد يا شاطر)، وهو فعلاً الشاطر الموهوب المليء بالفن والأحساسيس التى تفضحها عينه الحية أو طاقته وحماسه أثناء العمل.. فانظر إلى مشهد واحد أو أغنية أو لحن واحد يقوم به هذا الموهوب وقارنه بتاريخ كامل لهؤلاء الآخرين وستعرف الفرق.. ولكن يظل فى نظرى المسخ الأكبر هو الجمهور الذى قام بتغدية أنصاف المواهب حتى اصبحوا الوحوش التى هم عليها اليوم.. هو المسخ الحقيقى حين يشاهد هذا الهراء يكبر أمامه حتى يصبح هو الصفة العامة الغالبة ويظل القليل منهم كجمهور يقولون يا ليتهم يستطيعون التغيير.. ويا ليتهم فعلا قبل أن ينتهى المبدعون قهراً وكمداً فى هذا الزمن الافتراضى الذى يقاس فيه النجم بعدد المتابعين له بغض النظر عن حجم موهبته.. أو كون المتابعين له أحباء له أو أعداء.. فالمهم والأهم هو العدد الكبير المتابع له حتى أصبحنا فى زمن "الفولورز".
ولنا فى الحديث بقية..
À toute à l'heure
يمكنكم التواصل مع الكاتب من هنا
https://www.facebook.com/hossam.dagher.1