مفاجأة: «صبحى» طفل «رابعة» القتيل ليس إخوانياً وذهب هناك سعياً وراء الرزق
«العثور على جثة طفل من دار أيتام فى رابعة».. هكذا تناولت وسائل الإعلام الخبر، وسط أخبار أخرى كثيرة بعد صدور تقرير الطب الشرعى فى أحداث رابعة، لم يذكر اسم الطفل، ولا اسم دار الأيتام التى جاء منها، ربما لأن الطفل نفسه اعتاد أن يعيش مجهولاً فى الدنيا، لم يحلم يوماً أن يتصدر اسمه صفحات الجرائد، ولا أن تظهر صوره على شاشات التليفزيون، ولم يخطر بباله يوماً أن يتحول لمجرد خبر فى صفحات الحوادث.
لكن الطفل الذى ذكره الطبيب الشرعى فى تقريره لم يكن طفلاً، تجاوز عمره الـ20 عاماً. إنه «صبحى»، الذى عاش طفلاً يتيماً فى ملجأ للأيتام، بدأ سنواته الأولى فى ملجأ بالمنوفية، وما لبث أن نُقل إلى جمعية «أم القرى» للأيتام فى 6 أكتوبر، عاش حياته يحلم بأن يكون له بيت وأسرة وأبناء يحتضنهم فى منزل صغير، وقرر أن يكون أباً مثالياً، وأن يمنح أبناءه الحنان الذى افتقده طيلة عمره.
فى غرفة صغيرة بالملجأ كان «صبحى» يعيش مع صديق عمره «رأفت»، تقاسما الغرفة منذ عرفا الدنيا، لم يفترقا يوماً منذ ذلك الوقت.
«طيب وحنون».. هكذا يصفه صديق عمره، يحاول جاهداً أن يدارى دموعاً ملأت عينيه وهو يتذكر صديقه، بل هو «أخوه»، كما اعتاد أبناء الملجأ الواحد أن ينادوا بعضهم. يقول «رأفت»: «أنا وصبحى مواليد يوم واحد، ومن يوم ما اتولدنا ما بعدناش عن بعض، كان أخويا بجد وكنت بحس بأمان فى وجوده معايا»، يتوقف الشاب قليلاً ثم يعود ليقول: «كان بيحب الكل ويمكن هو الوحيد هنا اللى كان محبوب من الكل برضو، لأنه عمره ما آذى حد ولا عمره حتى فكر يجرح مشاعر حد».
يروى «رأفت» قصة ذهاب «صبحى» إلى اعتصام رابعة العدوية، قائلاً: «صبحى كان يعمل مساعد طباخ فى أحد المطاعم هنا فى أكتوبر، وعندما بدأ اعتصام رابعة، قرر صاحب المطعم أن يذهب إلى هناك لبيع وجبات الطعام داخل خيمة للمعتصمين، لم يكن «صبحى» يرغب فى الذهاب، خاصة أننى رفضت بشدة وقلت له مالناش دعوة بالإخوان، وبلاش تروح عشان ما يحصلكش حاجة، حاول وقتها أن يقنع صاحب المطعم بأن يبقيه فى الفرع هنا، ولكنه أصر على ذهابه معه، وبرغم مخاطر وجوده فى رابعة، فإن صاحب المطعم كان يعطيه فى اليوم 50 جنيهاً دون أن يحدد له ساعات عمل معينة، ففى بعض الأحيان كان يعمل 20 ساعة متتالية دون أن يحصل على أى زيادة».
«جمعة»، صديق «صبحى» فى الملجأ، يقول: «كان نفسه يتجوز ويبقى عنده أسرة كبيرة، وكان بيحب الشغل عشان يقدر يحوش ويتجوز ويصرف على أولاده لما ربنا يرزقه، ولما حاولنا نقنعه ما يروحش هناك تانى قالنا لقمة عيش وعشانها ممكن أستحمل أى حاجة».
6 أيام كاملة من البحث قضاها أصدقاؤه فى الملجأ، لم يتركوا مكاناً إلا قصدوه، ولكن دون جدوى، قرروا فى النهاية الذهاب إلى المشرحة للبحث عنه سائلين الله ألا يجدوه هناك، ولكنهم تعرفوا على جثته، انهار الجميع من البكاء على صديق عمرهم، وعادوا إلى الملجأ ينعونه ويعلقون صوره فى غرفهم.
ينظر «رأفت» إلى قطة صغيرة فى أحد أركان الملجأ، ثم يقول: «كان صبحى يحضر معه الطعام كل يوم ويجلس مع القطط يطعمها بيديه، وذلك برغم التعب الذى كان يشعر به بعد يوم طويل من العمل، ومنذ وفاته رفضت كثير من القطط هنا تناول أى طعام، واختفت تماماً عن الأنظار، وكأنها شعرت أن لا مكان لها هنا بعد غيابه».