من «الإغاثة» إلى «التأهيل والتنمية».. حكايات تعافى قرية الروضة ببصمة المتطوعين
مختار فى إحدى جلسات التأهيل النفسى لأطفال القرية
«الموت لا يوجع الموتى، بل يوجع الأحياء»، فلقد لقى شهداء الروضة ربهم أما ذووهم فوجدوا أنفسهم يواجهون مصيراً غير معلوم، ولكن «المر يمر» حين تقف مؤسسات الدولة بجانب أبنائها، ويتحدون على قلب رجل واحد بكل عزيمة وإصرار على الصمود ومواجهة التحديات.
قبل عام وقعت الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، وتوماس جولدبرجر، القائم بأعمال سفير الولايات المتحدة بالقاهرة، وشيرى كارلين، مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمصر، والدكتورة مؤمنة كامل، الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر المصرى، اتفاقية منحة لدعم المتضررين من العملية الإرهابية بقرية الروضة التى بدأت تجنى ثمار هذه الاتفاقية، وتقول الدكتورة مؤمنة كامل، الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر، إن الهلال الأحمر وجد فى القرية منذ اللحظات الأولى من خلال فرق الطوارئ والإغاثة، حيث تم نقل معظم المصابين لتوفير الدم والإسعاف الأولى والدعم النفسى بالإضافة لمهمات الإغاثة المعيشية والوجبات الساخنة للمرافقين.
«مختار»: شابات «الهلال الأحمر» تعاملن مع الفتيات وكل الفئات بمهنية
ونظراً للوجود الفعّال للهلال الأحمر مع الأهالى، جاءت الاتفاقية المشار إليها لاستكمال العمل الإنسانى هناك خاصة فى مجال الدعم النفسى الاجتماعى لا سيما للأطفال والشباب والتدريب اليدوى للسيدات على الأنوال ومساعدتهن فى تسويق منتجاتهن، وذلك لكسب الرزق بعد فقدانهن عائل الأسرة، وتمتد هذه الاتفاقية لمدة عام تأكيداً على أهمية تكامل العمل بين المؤسسات الحكومية والدولية ومنظمات المجتمع المدنى.
وأكدت «كامل» أن الهلال الأحمر يستجيب للاحتياج الإنسانى أياً كانت أسبابه دون تفرقة أو تمييز سواء للنوع أو المعتقد أو الدين، وبالتالى حادث الروضة هو حادث نتج عنه ضرر إنسانى جسيم يتطلب التدخل الفورى المناسب، وأوضحت أن شباب المتطوعين بالهلال الأحمر استفادوا من هذه التجربة، حيث تعرفوا على الاحتياجات الحقيقية للسكان، بجانب تعلمهم التواصل مع السيدات ودمجهن فى برامج دعم وتشجيع الأطفال على العودة إلى مدارسهم وأنشطتهم الحياتية، مؤكدة أنه لا يزال هناك الكثير الذى تقدمه الدولة من مساكن ووحدات صحية للأهالى.
ويقول محمد مختار، المنسق الميدانى لأنشطة الهلال الأحمر فى قرية الروضة: «منذ اليوم الأول كنت هناك»، ويوضح رحلة عام فى قرية فقد أهاليها الأمل بفقدانهم رجالهم، لكنهم استطاعوا تخطى الأحداث، «الذهاب إلى القرية فى وقت الأزمة كان من أصعب المواجهات»، هكذا يحكى مختار، فنحن لم ننتظر هدوء الأحداث بل وُجدنا فى الحال منذ اليوم الأول، وكان من الصعب جداً تفهم الأهالى لطبيعة عملنا ما تطلب بذل المزيد من المجهود للتفاهم مع الأهالى وتعريفهم بأنفسنا، ويتابع: كانت العقبة الأكبر فى التعامل مع طبيعة القرية الفقيرة التى لا يمتلك أهلها الكثير ولا تعتمد إلا على سواعد رجالها، ففقدت أعمدتها فكانت المهمة صعبة لكننا آمنا أنها ليست مستحيلة، فى بداية الأزمة لم يكن هناك أمل فمعظم الأهالى كانوا ينوون الرحيل دون معرفة وجهتهم، كان الخوف يسيطر على القرية لكنهم تخطوا آلامهم بقوتهم ومثابرتهم خلال عام واحد من الأحداث الأليمة.
«كامل»: الدعم النفسى الاجتماعى بدأ من اللحظات الأولى بالتوازى مع جهود الإغاثة
عقبة أخرى واجهت متطوعى الهلال الأحمر، بحسب «مختار»، كانت الطبيعة الجغرافية للمنطقة، لأنها مقسمة لأكثر من منطقة، وطبيعة عادات القرية تمنع التنقل بين البيوت والوقوف بالشوارع ودخول شوارع دون أسباب واضحة كزيارة قريب بها، للبيوت حرمة يجب صونها حتى الشوارع لها عاداتها، فالقرية التى كانت تحافظ على هدوئها قبل الحادث أصبحت صامتة من الخوف: «أمام الأزمة ازدادت الضغوط فكنا نتنقل بصعوبة داخل القرية للوصول لأكبر عدد ممكن والعمل مع الأهالى فى أماكن مختلفة وكل يوم فى مكان جديد نبدأ برنامجاً وفى مكان آخر نستكمل آخر»، أما عن التعامل مع عادات القرية، فيقول مختار: كانت العادات فى القرية لا تسمح بتعامل الفتيات مع الشباب، فكان يجب استحضار شابات للعمل بالقرية مع الفتيات، وطبيعة الأطفال كانت تتطلب وجود شباب فى أعمار صغيرة وهو ما نجح فيه فريق الهلال الأحمر، حيث استطاع الفريق التعامل مع كل الفئات بمهنية.
«مستعدين أقوياء»، شعار صار يردده أطفال الروضة بمجرد رؤية مدربى الدعم النفسى للهلال الأحمر، فالفريق الذى وضع نصب عينيه إزالة آثار الحادث من عيون الأطفال الذين شاهدوا ذويهم يسقطون أمام أعينهم قبل عام فى المسجد، استحدث الشعار بمجرد بداية عمله مع أطفال رغم صغر أعمارهم إلا أنهم ضربوا مثلاً فى الصبر والجلد.
«وكأن الحياة ردت إليها» كانت الجملة التى عبرت بها نورهان حسنى مسئول الفتيات فى الهلال الأحمر فى حديثها لـ«الوطن» عن الفارق ما بين الروضة فى نوفمبر 2017 واليوم، «فالتغير واضح بعد أن كان الأهالى لا يخرجون من بيوتهم حتى لشراء مستلزماتهم، هم الآن يعيشون حياتهم بشكل هادئ ويذهب الأطفال لمدارسهم ويتقدمون بدراستهم ويتوجهون إلى أعمالهم بل وتعلموا العديد من المهارات الجديدة».
لم تجد نورهان مشكلة مع التعامل مع الواقع حولها، فالعقبات وجدت لاجتيازها فاستطاعت طمأنة أهلها ولم يبق سوى تعريف نفسها والتعامل مع فتيات القرية ودعمهن نفسياً وتعليمهن مهارات جديدة، حيث لم تقتصر برامج الهلال الأحمر على الدعم الفنى إنما هناك برامج للتنمية الذاتية والمهارات الشخصية والتدريب على الحرف اليدوية.
تقول نورهان حسين، إنه على مدار العام الماضى مرت قرية الروضة بمراحل متعددة حتى تعود إلى الحياة بشكل طبيعى مرة أخرى، فى بداية الأزمة كان الناس يخافون منهم كغرباء ثم اعتادوا عليهم وآمنوهم على أطفالهم لكن كانت هناك صعوبة بإقناعهم بذهاب التلاميذ إلى المدارس، أيضاً عودة الرجال للعمل خصوصاً أن الحادث استهدف الرجال، ومع الوقت والمثابرة تبدل الأمر، ورغم قسوة مصابهم فإنهم أثبتوا قدرتهم على التخطى وإرادتهم فى الحياة، متغلبين على ما حاول الإرهاب اقتناصه منهم، وتضيف أصبحت القرية جزءاً من حياتى، وتشير إلى حالة طفل 11 عاماً تقريباً كان شاهداً على الأحداث وتعامل معه أحد الإرهابيين بشكل مباشر ولقد أثر فيها بشكل شخصى، حيث كان صامتاً ويتعامل بعنف مع الجميع، ما تطلب معاملته معاملة خاصة والاهتمام المتزايد به حتى تخطى الصدمة، وأصبح جزءاً من البرنامج فكان يبادر بمساعدتنا فى جمع الأطفال.
أما الحالة الأخرى فكانت لطفل استشهد أبوه فى المسجد وهو يحميه وأخيه لكنه أصيب وبعدها ظل فى حالة صدمة حتى إنه لم يكن يتحدث، وبعد جلسات دعم نفسى خاصة بحالته استطاع التعامل معنا والاندماج مع بقية الأطفال.