بالفيديو| سمير جعجع: ثورة «30 يونيو» تجاوزت حدود مصر إلى العالم العربى.. وأشك فى قدرة الإسلام السياسى على الصمود
هنا لبنان التى تعيش أجواء استثنائية، بين الفراغ الحكومى ومخاوف من تفجُّر الأوضاع الإقليمية برمّتها على أرضها التى تستقبل نحو مليون لاجئ سورى.. وعلى أرضها يوجد حزب الله الذى أدخل نفسه علانية على خط الأزمة السورية.. وبين هذا وذاك تتصاعد حدة التوتر الشيعى السنى، بينما يستعد الشارع المسيحى المنقسم بدوره لانتخابات رئاسية فى النصف الأول من 2014. وفى ظل هذه الأجواء، تتغير خريطة تحالفات المنطقة، ويترقب لبنان مصير هذه التحالفات التى كانت نقطة انطلاقها من القاهرة فى ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو، الذى يعد التاريخ الأهم عالمياً للعام 2013.. من هنا كان حوار «الوطن» مع الدكتور سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، وأحد نجوم الشارع المسيحى إذا جاز التعبير، والذى يتوقع الكثيرون أن يكون المنافس القادم أمام غريمه العماد ميشيل عون، وخلفهما يقف الشرق الأوسط بتحالفاته. «الحكيم»، كما يلقبّه أنصاره، أطلع «الوطن» على قراءته للعام المقبل، استناداً لتحليله لمجريات عام مضى، وكان من الطبيعى أن تكون المحطة الأولى مصر، التى يرى أن ما شهدته حدثٌ يتجاوز المألوف، ويكتب تاريخاً، وأن مصر كانت على مشارف حرب أهلية طاحنة، لولا ما فعله الفريق أول عبدالفتاح السيسى والقوات المسلحة، مؤكداً أن مؤسسات الدولة المصرية أثبتت أنها أقوى من الأفراد والفرقاء، وهو ما تفتقده لبنان، التى تعد مؤسساتها الأضعف فى الحلقة ويبقى أن نشير إلى أن هذ الحوار أجرى قبل اغتيال العقيد اللبنانى محمد شطيح بثلاثة أيام.
■ دعنا نبدأ من تاريخ 30 يونيو 2013 كمدخل لقراءة الوضع الراهن بالشرق الأوسط.. كيف تابعت مجريات الثورة المصرية ضد حكم الإخوان؟
- صدقنى لو قلت لك إننى بقيت أمام الشاشات 3 أيام منتبهاً ومتابعاً لما يجرى فى مصر، لأن المشهد كان تاريخياً أكثر من كونه سياسياً، كنت أتوقع أن ينزل أكثرية المصريين للشوارع وساحات المدن، لكن لم أكن أتوقع أن يكونوا بهذه الكثافة، وتفاجأت، لكنى تفاجأت إيجاباً.
■ وما قراءتك لهذا الحدث؟
- منذ انطلاق الربيع العربى، كنت أتوقع أن ينتقل الصراع بين الفرق المختلفة إلى صراع داخل المجتمعات العربية بين المعتدلين و«الآخرين»، ودعنى أسميهم الآخرين حتى لا نطلق أسماء مختلفة غير دقيقة. وفى مصر كان المشهد الأول لهذا الصراع الذى يعطى نتيجة وينتهى بالشكل الذى انتهى به، مثلاً فى ليبيا ما زلنا فى مخاض المشهد الأول، بمعنى أن الصراع بين المعتدلين والآخرين يمر من فصل إلى فصل، وفى تونس ما زلنا فى منتصف المشهد الأول، أما فى مصر فى 30 يونيو 2013 انتهى المشهد الأول بانتصار المعتدلين ووصول الأمر لما هو عليه، ودعنى أقُل إن ما حدث فى مصر تجاوز المشهد المصرى، وكان له مردود فى كل أنحاء العالم العربى، فى ليبيا وتونس وليس انتهاء بسوريا وربما تركيا، وربما فى مراحل لاحقة إيران.
■ ماذا تعنى؟
- أعنى أن هذه كانت التجربة الأولى للإسلام السياسى بمعناه العقائدى والمنظم والحركة الإسلامية السياسية الأكبر وأم كل الحركات الأخرى، وحسم المعركة بالشكل الذى جرى فى مصر أثّر بشكل كبير جداً على مسار الأمور فى كافة المجتمعات العربية، فبعد انتهاء المشهد فى مصر بهذا الشكل، أشك جداً فى قدرة الإسلام السياسى على الصمود فى أى مكان آخر. ومن هذا المنطلق فإن «30 يونيو» لم تكن حدثاً مصرياً فقط، بل كانت حدثاً على مستوى العالم العربى كله، وربما على مستوى العالم الإسلامى ككل.
■ بعد «30» يونيو شاهدنا ترتيبات جديدة فى هذا الإقليم من بينها مواقف متباينة ومتناقضة للإدارة الأمريكية تجاه ثورتى مصر.. وشاهدنا ظهوراً واضحاً للدور الروسى فضلاً عن التفاهمات الجارية بين أمريكا وإيران.. كيف تقرأ هذه الخريطة المتشابكة؟
- هذه الموضوعات بعضها يفتقد إلى الترابط، فالتقارب الأمريكى الإيرانى يختلف عن الترتيبات الأخرى، ففيما يتعلق بالموقف الأمريكى من الفصل الأول للثورة المصرية والفصل الثانى منها، بنظرى أنا وربما بخلاف نظر الكثيرين، لم يكن انطلاقاً من مضمون واضح لما يجرى، بل انطلاقاً من طريقة تعاطى هذه الإدارة الأمريكية بالتحديد مع السياسة الخارجية، فاليوم نحن أمام رئيس أمريكى فى الأساس خاض معاركه الانتخابية الرئاسية على أنه لا يريد أن يتعاطى مع السياسة الخارجية، ويريد أن ينسحب من العالم، فكيف تطلب منه أن يعرف عمق وأبعاد ما يجرى فى مصر؟ وبكل صراحة أنا لم آخذ لا الموقف الأول ولا الموقف الثانى ولا تطورات المواقف الأمريكية مأخذ الجد، وكنت متأكداً أن هذه المواقف ليست جدية، وأن الموقف الأمريكى الجدى سيكون هو الموقف الأخير، وبالفعل الموقف الجدى الأمريكى لم يكن كما كان منذ 6 أشهر، ولم يكن كما كان منذ 3 أشهر أو سنة أو سنتين، وبالفعل تابعت بسرور الأخبار التى تتحدث عن موقف الكونجرس بتخفيف القيود أو حتى إزالتها كلها عن المساعدات المقدمة لمصر.
■ وماذا عن روسيا؟
- الموقف الروسى كان طبيعياً مع تقلص الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط، ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ.. كان طبيعياً أن يجد الروس ضالّتهم فيما تفعله الإدارة الأمريكية الحالية، فبمجرد أن أخلى الأمريكان الساحة قليلاً، اندفع الروس لملء الساحة مكانهم.
■ وماذا عن التفاهم الأمريكى الإيرانى وانعكاساته الإقليمية؟
- حتى اللحظة لا نستطيع التكهن أو البناء على أى شىء جدى، رغم التقارب الذى حدث، وبالرغم من مشاركة دول (5 + 1) فيه، ورغم كل الحبر الذى أُسيل على الورق وكل الورق الذى وُزّع، لا أستطيع أن أجزم بأن هناك شيئاً كبيراً تغير، ولكن كل ما أستطيع قوله إننا نعيش الآن هدنة مدتها 6 أشهر بين إيران من جهة والغرب من جهة أخرى، لها علاقة فقط بالملف النووى الإيرانى، وليس لها علاقة بأى شىء آخر، وهو بحد ذاته كاف لنسف كل هذا التقارب من أساسه عند أول محطة.. وكأن الخلاف الإيرانى الأمريكى له علاقة فقط بالملف النووى، وليس له علاقة مثلاً بما يجرى فى العراق أو بما يجرى فى لبنان أو بما يجرى فى فلسطين وأفغانستان، وبالتالى نحن فى هدنة.. هل سيتطور الأمر إلى سلام أم سيعود إلى حالة الحرب الباردة بين إيران والغرب؟ لا أستطيع التكهن.. ولكن ما أميل إليه شخصياً هو أننى أستبعد وصول الغرب إلى شىء ما بشكل جدى مع إيران، من الوارد أن تستمر الهدنة وتتجدد الـ6 أشهر بأخرى، ولكن هذا ليس حلاً، لكنه ترحيل للأزمة، فإلامَ سيؤدى هذا فى وجود هذه الإدارة الأمريكية الحالية؟ تحديداً لا نستطيع القول، انطلاقاً من كون هذه الإدارة ليس لها رؤية واضحة أو مواقف واضحة فى سياستها الخارجية.
■ نعود للمشهد المصرى مرة أخرى.. حالة الاستقطاب السياسى الحاد الذى شهدته مصر مع تطور أعمال العنف جعلت البعض يتخوف من انزلاقها لحرب أهلية، خاصة أن هذا الاستقطاب شبيه إلى حد بعيد بأجواء لبنان قبل الحرب الأهلية.. ما رأيك؟
- لا يمكن، لسبب بسيط وهو وجود «الجيش المصرى»، يعنى إذا افترضنا للحظة أن فى «30 يونيو» لم يكن هناك الجيش المصرى أو أنه لم يتدخل بشكل أو آخر، هنا أعتقد أن الاحتمال كان كبيراً جداً أن تنزلق الساحة المصرية لحرب أهلية طاحنة، لأن أكثرية المصريين يرفضون حكم الإخوان، ومن جهة أخرى الإخوان تنظيم موجود وفاعل وعقائدى، وبالتالى لا التنظيم كان مستعداً للتنحى عن الساحة ولا أكثرية المصريين عندهم استعداد لاستمرار حكم الإسلاميين. وهذا كان كافياً لإحداث فتنة كبيرة، ولكن وجود الجيش وتدخله بهذا الشكل قطع الطريق على أى حرب أهلية فى مصر.
■ الساحة السياسية العربية استقبلت فى 2013 اسماً جديداً وهو الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. بالنسبة لك كرجل سياسة مخضرم كيف تقيّم السيسى؟
- لولا السيسى ما كان الجيش المصرى تدخل بالشكل الذى تدخل به، وما كان جنّب مصر حرباً أهلية. ومع كل احترامنا لوزراء الدفاع الذين تولوا المسئولية، لكن لو كان هناك شخص غير السيسى كان من الممكن ألا يتدخل الجيش، أو حتى يتقلص دوره أو يُخترق أو يتشرذم، لا أحد يستطيع أن يقدّر ما كان سيحدث، ولكن وجود الفريق السيسى ضمن وجود الجيش كمؤسسة قوية، وتدخل حين وجب التدخل وبشكل محدود جداً، لم يتعدَّ الدور المنوط بالجيش، فلم يكن تدخلاً فى السياسة ولكن تدخله الحاسم فى الفترة من 30 يونيو إلى بدايات يوليو كان كناية عن دور أمنى أكثر من كونه سياسياً، وجرّاء هذا برز اسم الفريق السيسى على الساحة السياسية، وهذا بحث آخر يُترك للشعب المصرى أمره.
■ منذ وصولى إلى لبنان وجدت أن الخوف يسيطر على أهلها.. لماذا؟
- لأننا نفتقد مؤسسات الدولة الموجودة فى مصر.. يعنى فى مصر رغم كل أحداث الـ3 سنوات الماضية، كانت المؤسسات هى الأقوى، واستمرت فاعلة وموجودة، وأكبر دليل هو أن الأحداث الأخيرة مرّت بأقل قدر من الخسائر الأمنية والبشرية، وللأسف فى لبنان المشهد مختلف، فالمؤسسات هى الأضعف بين الفرقاء، خصوصاً تجاه فريق حزب الله، الذى يشكل دويلة قائمة بحد ذاتها، وعندما توجد دويلة فى إطار دولة فهذا كالسرطان فى جسم الإنسان، وبالتالى يضعف الجسم تماماً، والسرطان هو الذى يأخذ كل الحيوية، لذلك المواطن اللبنانى يشعر بالخوف لأنه يحس وكأن لا دولة تحميه. وبالرغم من ذلك وكل الحوادث الأمنية، فلبنان ما زال بحالة جيدة، وبالتالى لا مبرر لهذا الخوف، ولكنه خوف نفسى بفعل ضعف مؤسسات الدولة، وبفعل غياب القرار السياسى فى لبنان.
■ فى تقديرك.. ما تبعات دخول حزب الله على خط الأزمة السورية بشكل معلن؟
- تبعاته كانت كبيرة جداً، وما زالت، وأولها أنه تدخل تنظيم مسلح موجود فى دولة فى دولة أخرى، والحكومة التى كان يشارك بها حزب الله كان لها موقف يسمى «النأى بالنفس»، وهذا التدخل بهذا الشكل أعطى صورة لكل العالم كأن لا دولة فى لبنان، لأن الدولة اللبنانية عندها سياسة واضحة وهى الحياد فيما يتعلق بالأزمة السورية، فكيف إذن ننأى بالنفس وتذهب وحدات عسكرية للقتال فى سوريا، الأمر الثانى هو أن تدخُّل حزب الله فى سوريا من الناحية العملية كأنه أزال الحدود بين لبنان وسوريا، وكأنك تتنقل بين محافظتين فى دولة واحدة، هذا التدخل ضرب الاستقلال اللبنانى وضرب الصياغة اللبنانية والتعايش اللبنانى. الكل يعرف أن أكثرية كبيرة من الشعب اللبنانى لا تريد أن تتدخل فى سوريا، ورغم كل ذلك تدخل حزب الله فى سوريا، وهذا يعنى كأنه لم تعد هناك دولة فى لبنان، فضلاً عن التبعات الأمنية، مثل المجموعات المتطرفة التى تأتى من سوريا إلى لبنان لتنفيذ عمليات ضد حزب الله.
■ أعداد كبيرة من النازحين السوريين إلى لبنان يرون فى حزب الله خصماً لهم.. وأيضاً هناك قلق فى مسألة فوضى السلاح ودخوله من سوريا إلى لبنان وتزامن ذلك مع عمليات ذات طابع مذهبى جعلت البعض يحذر من صراع سنى شيعى.. فما رأيك؟
- أنا قلت النتيجة الأسوأ، وهى أن تصرُّف حزب الله عملياً ألغى وجود الدولة اللبنانية، لذلك يمكنك أن تنتظر أى أحداث، وبما أن حزب الله يقاتل السوريين فى سوريا، فهم يظنون أن من حقهم أن يقاتلوه فى سوريا وفى لبنان أيضاً، وبما أن حزب الله يصنع تفجيرات عندهم فهم يسمحون لأنفسهم بتفجيرات ضد حزب الله وهلم جراً، إذن تدخُّل حزب الله فى سوريا لم تتوقف نتائجه على ضرب مفهوم الدولة اللبنانية ووجودها، بل يتطور أكثر مع تدخله فى سوريا إلى مزيد من الصراع فى لبنان بين السوريين من جهة وبين حزب الله والفريق السنى فى لبنان، الذى لا يستطيع أن يصبر على قتال حزب الله للسنة فى سوريا.
■ حالة الغليان الإقليمى الراهنة، سواء لدى القوى الإقليمية الكبرى التقليدية وهى مصر والسعودية، أو داخل لبنان.. وفى المقابل هناك معسكر حزب الله وسوريا وإيران.. وخلافات تركيا مع جيرانها وترقُّب إسرائيل للمشهد.. ما احتمالات المواجهة الإقليمية لتصفية الحسابات بالوكالة فى لبنان؟
- أقولها صراحة، وفى ظل الوضع الحالى، فإن كل شىء ممكن، وما كان يمكن أن ينقذنا هو وجود دولة قوية فى لبنان، وهو شىء بعيد كل البعد للأسف عن الواقع الحالى، وما يقلق أكثر هو أنه على أثر تقارب أمريكا وإيران من جهة وعلى أثر الموقف الأمريكى غير الواضح وغير الفعلى مما يجرى فى سوريا، هناك إعادة نظر بتحالفات تاريخية كانت قائمة فى المنطقة، مثلاً لأول مرة نرى مسئولين فى السعودية يزورون روسيا وفرنسا بهذا الكم، وهذه المتغيرات جميعاً تقلقنا وتجعلنا فى حالة انتظار لما يمكن أن يحدث، لأن النظام يتغير، ويمكن أن يؤثر بالسلب على لبنان.
■ ما موقفك من المخاوف فى لبنان من حدوث فراغ رئاسى بعد انتهاء ولاية العماد ميشيل سليمان مايو المقبل، فالشارع المسيحى منقسم بين شخصين، الدكتور سمير جعجع الذى إذا أصبح رئيساً سينظر البعض على أنه أمر مريح لمعسكر الاعتدال العربى، والعماد ميشيل عون الذى إذا فاز سيُعتبر فوزه فوزاً مباشراً لمعسكر حزب الله وإيران وسوريا؟
- دعنى أوضح أننا كحزب القوات اللبنانية وأنا شخصياً، لم نذهب إلى اصطفاف معين ولكن كل ما فعلناه أننا أكملنا طرحنا السياسى، الذى هو صراحة مجموعة من الثوابت المسيحية اللبنانية عبر التاريخ منذ الاستقلال إلى الآن، وظل ثابتاً فى عز الحرب الأهلية اللبنانية. نحن فى موقفنا التاريخى، ووجدنا أنفسنا بانسجام كامل مع فرقاء لبنانيين آخرين وبالتحديد مع تيار المستقبل الذى يمثل أكثرية السنة فى لبنان، ووجدنا أنفسنا وسياستنا فى انسجام مع دول عربية أخرى، أبرزها مصر والسعودية والخليج ودول أخرى، وبالتالى لم تكن بالنسبة لنا عملية اصطفاف بقدر ما كانت عملية انسجام، فمنذ 100 عام إلى الآن تلك هى السياسة المسيحية فى لبنان، أما الفريق المسيحى الآخر فذهب إلى مكان مختلف تماماً لم يكن لنا فى يوم من الأيام وجود فيه.
■ بمعنى؟
- منذ متى كان أى فريق مسيحى مع جمهورية إسلامية فى إيران أو غيرها؟ وأى فريق مسيحى على مرّ التاريخ كان مع نظام الأسد؟ بالعكس، دائماً كان كل الفرقاء المسيحيين وبعض الشخصيات المسيحية فى مواجهة نظام الأسد، وفيما يتعلق بانتخابات الرئاسة ففى تقديرى أنها مفصلية ومهمة جداً، ونحن نعمل على الذهاب إلى انتخابات فعلية، فمنذ عهد الوصاية فى 1990 لم تكن يوماً من الأيام انتخابات، كان السوريون يتفاهمون مع بعض الفرقاء فى الداخل على اسم ما ويمر الموضوع.
■ هذا أيضاً مرجعه الدستور اللبنانى، لأن مَن يختار هم 128 نائباً أعضاء مجلس النواب وليس المواطن اللبنانى؟
- أنا أقبل أن يجرى الأمر عبر الـ128 نائباً، ولكن لا أقبل أن يجرى منذ عهد الوصاية عبر مفاتيحهم داخل المجلس النيابى وانتخاب رئيس الجمهورية. فالرئيس سليمان ورغم موقفنا المؤيد له، أتى إثر مؤتمر الدوحة عقب أحداث كبرى جلسوا على طاولة المفاوضات والمداولات، واتفقوا على قدوم الرئيس سليمان، وجاء بـ118 صوتاً من 128 لأنه لم يكن هناك مرشح آخر، ولم تكن هناك انتخابات رئاسية. يجب أن نذهب هذه المرة إلى انتخابات رئاسية لأنها الوحيدة التى ستعطيك رئيساً فعلياً جدياً متحرراً. بينما الرئيس الذى يأتى باتفاق كل الفرقاء، فإن عليه أن يتخذ مواقف كل الفرقاء فى لبنان، وإذا أخذت بعين الاعتبار مواقف الفرقاء فى لبنان ماذا سيكون عليه موقفك؟ لا شىء، وهو ما حدث مع الرئيس سليمان.
■ ألا تخشى استخدام ورقة الحرب الأهلية وتاريخك فيها لتشويهك أثناء الماراثون الانتخابى؟
- أولاً، لم نتخذ قراراً بعدُ داخل حزب القوات اللبنانية بأن أترشح فى انتخابات الرئاسة، ولكن بعيداً عن هذه النقطة قل لى مَن مِن الطبقة السياسية اللبنانية كلها لم يكن موجوداً فى الحرب الأهلية؟ والنقطة الثانية، حين يكون شعبك فى حالة حرب، هل هى بطولة أن تكون خارج الحرب أم داخلها؟ البطولة أن تكون مع شعبك. حين اندلعت الحرب كنت تلميذاً فى كلية الطب بالجامعة الأمريكية ببيروت، وبالتالى كان عندى كل الحجج ألا أكون فيها، ولكن لم يسمح لى ضميرى ألا أكون. وموقفى إن كان صواباً أو خطأً، يتوقف على من أية زاوية تنظر إلى الأمور، وهذا بحث آخر، ولكن ما أقوله هو أن تكون أو لا تكون. فلو لم يتدخل الجيش المصرى فى 30 يونيو لوقعت مصر فى الحرب الأهلية، وسيكون على كل إنسان أن يجسد موقفه خصوصاً وقت الصعوبات، لا أن يهرب من لبنان إلى باريس أو القاهرة لينتظر انتهاء الحرب ثم يعود. برأيى مثل هذه الأقاويل ساقطة تماماً وأرفض كل هذه النظرية وأعتبر أنه كان شرفاً لى أن أدافع عن بلادى بالمفهوم الذى رأيته مناسباً. الآن هل كان مفهومى خطأ أم صواباً، هذا بحث آخر.
■ إذا كان الأمر يطول كل الطبقة السياسية اللبنانية، لماذا يوضع اسم «سمير جعجع» تحديداً فى لوحة التنشين إذا ما ذُكرت الحرب الأهلية؟
- لأن عهد الوصاية أول ما جاء على لبنان فى 1990 أراد أن يسطح الأرض ولا يبقى له معارضون، وجرّب فى مرحلة أولى أن يستميلنى، وللتذكير فى 1991 عُينت وزيراً للمرة الأولى، ورفضت وفى 1992 عُينت وزيراً للمرة الثانية ورفضت وبالتالى أدخلونى السجن عام 1994. السوريون لم يكونوا يريدون أحداً يعارضهم فى لبنان وأنا لم أقبل، وحتى قلت لهم بالنهاية سأجلس فى بيتى ولن أشارك حتى لو كنت معارضاً بقلبى لما يجرى، وحتى هذا لم يقبلوه وشنوا علىّ حملة شعواء وارتكبوا جريمة تفجير كنيسة سيدة النجاة واتهموا القوات اللبنانية واتهمونى فيها، وتبينت الحقيقة فيما بعد، وحتى القضاء لم يستطع أن يؤكد هذه الجريمة وأدخلونى السجن ومن ثم بدلاً من محاكمتى بهذه التهمة عادوا إلى أيام الحرب وبدأوا يحاكمون عناصر القوات بتهمة حمل سلاح أيام الحرب. لذا فالصورة هى محصلة عمل الدولة السورية والدولة اللبنانية منذ 1990 وحتى 2005 بمحاكمات ذات طابع وشكل رسمى لإظهار هذه الصورة، وطبعاً المواطن سواء العربى أو الغربى العادى يشاهد محكمة وقضاة يحاكمون «سمير جعجع» لأنه مجرم وفعل كذا وكذا. وأول ما خرج السوريون من لبنان فى 2005، وفى أول اجتماع لمجلس النواب فى يوليو 2005 أصدر العفو المطلوب بأكثرية 100 صوت من أصل 128 وهو ما يؤكد أن كل هذه المحاكمات كانت سياسية وباطلة.
■ هل عُرض عليك بالفعل من قبل رئيس الجمهورية آنذاك الهروب واللجوء السياسى قبل القبض عليك؟
- حدث قبل اعتقالى بشهرين أو ثلاثة، وأرسل رئيس الجمهورية وقتها المرحوم إلياس الهراوى إلىّ، قائلاً: «أنت متزوج حديثاً والأفضل أن تذهب أنت وزوجك إلى الخارج لأننى أرى المشهد عاطلاً جداً بالنسبة لك» وعرض علىّ ترك البلاد ورفضت لأنى لا أقبل وكان الأفضل أن أقاوم حتى إن قاومت بالصمت.
■ بخصوص سجنك، كيف كانت الحياة فى حبس انفرادى لمدة 11 عاماً؟
- كان كل ما يدور فى ذهنى هو «المقاومة».
■ ألم تشعر للحظة بأنك ستظل داخل هذه الزنزانة طيلة حياتك؟
- إطلاقاً، وفى كل الأحوال حتى لو كنت بقيت طيلة العمر داخلها، كان هذا وقتها مقاومة مطلوبة، لم يكن باستطاعتى المقاومة بغير هذه الطريقة، لذا كنت راضياً.
■ وما الدرس الأكبر الذى توصلت إليه فى سجنك؟
- إذا أعاد التاريخ نفسه لتصرفت بنفس الطريقة. لكن خلال اتفاق الطائف 1989 اعتقدت وصدقت بشىء اسمه «المجموعة الدولية» وضمنها الجامعة العربية التى أشرفت على اتفاق الطائف، كان المشهد مثل حفل الزفاف؛ مجرد أن ينتهى يبقى العريس والعروس ويعود الآخرون لبيوتهم. المجموعة الدولية والعربية بمجرد توقيع الطائف ذهبوا وبقينا رأساً برأس فى وجه السوريين ونظام الأسد. ولا أحب التحدث عن الأموات، ولكن الرئيس حافظ الأسد فعل الكثير.
■ كيف؟
- يعنى اتفاق الطائف واضح المعالم كان فيه شق داخلى نُفذ عام 1990، وآخر إقليمى يتعلق بانسحاب الجيش السورى من لبنان وترك اللبنانيين يعيدون اللعبة السياسية فى بلادهم، إنما الرئيس حافظ الأسد بعد اشتراكه فى حرب الخليج الأولى حصل على غضّ طرف أمريكى وإقليمى عنه، فضرب عرض الحائط باتفاق الطائف. وما نعيشه اليوم فى لبنان مرجعه عدم التطبيق الفعلى لاتفاق الطائف، فلو طُبق بالشكل الفعلى لما كان هناك حزب مثل حزب الله بالشكل الموجود به الآن، فكل الأحزاب كان يُفترض أن تكون سياسية وفقاً لاتفاق الطائف، وكان يجب حل التنظيمات المسلحة، ولكن حافظ الأسد حل التنظيمات المسلحة التى تعارضه وأبقى على المؤيدة له، لذا فالدرس الوحيد الذى تعلمته وأتمنى من غيرى تعلمه هو عدم تصديق أى ضمانات دولية أو إقليمية.
■ أنصارك يخشون عليك من الاغتيال إذا ما أصبحت رئيساً.
- أنا لا أخشى الاغتيال، وبالأساس تعرضت لأكثر من محاولة قبل اعتقالى ولم تنجح، فلم يكن أمامهم سوى اعتقالى بشكل مباشر، وأوجدوا الحجة بنفسهم بتفجيرهم كنيسة سيدة النجاة، وفى أبريل 2012 تعرضت لمحاولة فاشلة للاغتيال فى حديقة منزلى.
■ هل زرت زنزانتك بعد خروجك؟
- بالفعل زرتها وذهبت إلى وزارة الدفاع فى 2007 والتقيت مدير المخابرات فى الجيش اللبنانى، وقلت له إننى أريد زيارة الزنزانة، ولكننى زرت الزنزانة التى مكثت فيها آخر 7 أشهر وليس الزنزانة الأصلية.
■ كم كانت مساحة زنزانتك الأصلية؟
- لم تكن تتجاوز 6 أمتار مربعة، كانت فى البداية 5، ثم نقلونى إلى واحدة أكبر بمتر مربع. ولعلمك أعدت بناء نموذج لهذه الزنزانة.
■ لماذا؟
- للعبرة والذكرى.
■ بمعنى؟
- بنيت نموذج الزنزانة لأن تجربة الحبس لم تكن أليمة بالنسبة لى ولكنها كانت جزءاً من مرحلة المقاومة والنضال، ولم تكن عبثية، كانت جريمتى الوحيدة أننى لا أماشى عهد الوصاية، وهذا شىء عظيم.
■ وجودك كل هذه السنوات منفرداً فى زنزانة بمثل هذا الحجم هل كان المراد منه إصابتك بالجنون؟
- طبعاً كان هدفهم تحطيمى معنوياً ونفسياً، لذا كان كل عملى ألا أسمح لهم بتحطيمى، وعملت طول الوقت على هذا الهدف. كنت أبدأ يومى من الساعة السابعة إلا الربع، وأمضى حتى 11 صباحاً فى الصلاة والتأمل وقراءات روحية، وفى الـ11 والنصف كنت أتناول الفطور والغداء، فى نفس الوقت. بعد الظهر كنت أقرأ فى علم النفس، وفى منتصف اليوم أخرج للنزهة اليومية، وكانت فى البداية نصف ساعة ثم زادت إلى ساعة ثم أتناول عشائى وأستمر فى القراءات الروحية.
■ هل كنت ملماً بالعالم من حولك، نحن نتحدث عن عقد من العزلة؟
- كنت ملماً لأننى أصلاً أعرف اللاعبين فى الشرق الأوسط وفى العالم، فكان يكفينى الحد الأدنى من المعطيات لكى أفهم اللعبة رغم حرصهم على عدم وصول أى معلومات. المجلة الوحيدة التى كانت تصلنى كانت «الإيكونوميست» وكانوا يمررونها على اعتبار أنها مجلة اقتصادية، لأنه كان لديهم حرص على عدم اطلاعى على شىء سياسى، ومن كل المطبوعات اللبنانية كانت مجلة «الشبكة» وهى مجلة اجتماعية فنية، ومع ذلك كنت من خلالها أصل إلى بعض الاستنتاجات وأرصد ما يحدث فى المجتمع والشخصيات من خلال المناسبات التى يظهرون فيها فأعرف مَن تصالح مع مَن.. وهكذا. وكانوا يجرون حوارات مع الفنانين وكنت أفهم من إجاباتهم العامة ما يحدث.
■ هل تتوقع أن تكون زيارتك المقبلة لمصر، على مستوى القمة بين رئيسين؟
- لا أحد يستطيع التكهن، ولكن دائماً تكون زيارتى لمصر زيارة على مستوى القمة.