الشكر على الابتلاء
كان فى أشد أيام الابتلاء.. حتى جاء الليل ونظر حوله فوجد نفسه فى طريق مُجاوِر لبيتهم، شارعهم الذى لم يهدأ قط من فرط السيّارات التي تمر به طيلة اليوم... لكنَّه كان يوما عجيبا، كان الشارع هادئا على غير العادة، لا يُحرِّك سُكونه سوى أصوات بعض المارّة بعد انتهائهم من صلاة العشاء فى المسجد المُجاور لبيته، والتى حَرص عليها فى المسجد كثيرا فى هذه الأيام.. (إنها أحب الصلوات إلى قلبهِ الطيّب) لم يكُن جائعا، لكنه استطاع أن يسمع همسات تخرج من معدتهِ تُخبِره أنها تحتاج إلى بعض الحلوى .. كانت معدته حييّة مثلَه، تستحى أن تُخرج مثل هذه الأصوات عندما تحتاج للطعام.
ذهب ليأتى ببعض "الكيك"، هو يُحبه كثيرا وكذلك معدته.. اشتراه، جلس ليأكله لكنه لم يكن جائعا، إنها معدته فقط هى التى كانت تشتهى الحلوى، لابُد أن يَخلُص من هوى نفسِه، لملم ما بقى من الكيك وقد قطع وعدا على نفسه أنه سيُعطيها لأي شخص يراهُ فى الطريق، لكن لم يكن شارعهم يعُج بالمارة على غير العادة.
وجد نفسه يقطع وعدا آخر بأنه سيعطِها لأي قطٍ يراهُ فى الطريق .. على الرغم من "فوبيا القِطط" التى التبست بهِ مُنذُ طفولته، لكنّه ارتاح لهذه الفكرة عندما تذكّر عطف النبىّ على الحيوان، عقد العَزم، وشرع يبحث عن قط فى هذا الظلام.. وما أكثر القطط التى كانت تظهر له فجأة فى الطريق، لكنه كان يوما غريبا حقا.. هو لم يجد أى قط بعد، لن ييأس فهُو يعلم صدق نيته، لاح له قِطٌ يُهرول من بعيد .. تهلّل، أخرج الكيك .. ألقاه للقط .. انتظر برهة حتى يتأكد أن هديته للقط قد لاقت إعجابه .. فوجئ بالقط يجرى مُسرعا، لقد خاف القِط، وهرب، أُطعمه كيكا ويهرب ولا يشكرُنى، حتى على الأقل يقف ليتأمل هَديتى الغالية.
عاد إلى بيتهِ وهو حائر فى أمر هذا القط العجيب، كان الابتلاء الذى يمُرُّ بهِ شديدا جدا هذه الأيام، تأمَّلَ موقف القِط الهارب، تأمَّل نفسَه وهو فى أكثر أيام حياته إيلاما، هو ظنَّ أن هذا الابتلاء مُصيبة أصابته، القِط لم يقف ليتأمل الكيك ويعود ليأكلها ويشكره على هديته ورُبما يبتسم له.. وهو لم يقف عند ابتلائه ليشكر ربَّهُ على تلك الأيام التى أخرج الله فيها من قلبه كل ما فيه من حب للدنيا وعلّمه أن يخرج من الأكوان إلى المُكوِّن.. من الخلق إلى الحق.. القط لم يرجع للكيك، لكنّه رجع إلى ربه.. شكرَ الله كثيرا وخلد للنوم وشاهد القط يبتسم لَهُ فى منامِه.