«القومى للكبد».. طوابير طويلة ونقص دواء
مرضى أمام المعهد القومى للكبد
فى التاسعة صباحاً، تُفتح أبواب المعهد القومى للكبد، التابع لجامعة القاهرة، على مصاريعها أمام الزائرين من المرضى وذويهم، حيث يفترش بعضهم سلم المبنى، ويتزاحم آخرون فى طوابير، بينما يعانى غالبية المرضى من نقص فى بعض الأدوية داخل الصيدلية، ما يضطرهم لشرائها من الخارج بأسعار باهظة.
«مغص شديد، وانتفاخ بالبطن»، هكذا شعرت هدى عبدالعزيز، 45 عاماً، فى أحد الأيام قبل ثلاث سنوات. فى أول الأمر لم تهتم بالألم، وكانت تقول إنه مجرد «برد فى المعدة»، ولكن مع تكرار الوجع، لم تعد تتحمل آلامه، فقررت حينها الذهاب إلى الطبيب، ووجهها أقاربها للذهاب للمعهد القومى للكبد، وحجزت هناك 15 يوماً، حيث أوضحت الفحوص والتحاليل أن نسبة الأملاح عالية، ما أضر الكبد، وأخبرها الطبيب بضرورة عمل عملية «زراعة فص كبد».
لم تكن «هدى» تدرى أن الأمور الصحية ستصل معها إلى هذا الحد، وأول ما خطر على ذهنها هو عملها الذى خشيت أن تفقده، حيث تعمل مربية بإحدى الحضانات القريبة من منزلها، الواقع بمنطقة المعتمدية، لكى تساعد زوجها الذى تعدى عمره الـ50 عاماً، ولا يملك وظيفة ثابتة، فى مصاريف المعيشة.
المرضى يفترشون سلم المبنى ويشترون الأدوية بأسعار باهظة من الخارج
تقول «هدى»: «جوزى أرزقى على باب الله، وخفت مرضى يخلينى أسيب شغلى اللى بعيش منه أنا وولادى التلاتة، بس الحمد لله طلع مفيش حاجة معدية»، بعد ذلك اتجهت «هدى» إلى رحلة البحث عن قرار «العلاج على نفقة الدولة» لكى تقدر على صرف العلاج: «جهزت كل الورق بتاعى، وطلع لى القرار بعدها بشهر».
ساعدها القرار كثيراً فى الحصول على الأدوية مجاناً من صيدلية المعهد، ولكن فى أغلب الأحيان تكون هناك نواقص فى الأدوية، فيطلب منها الطبيب أن تشتريها من الخارج، ولكن على نفقتها الخاصة: «أدوية الكبد غالية، والأنواع اللى بتكون ناقصة بيبقى سعرها غالى».
لم يكن نقص الأدوية المشكلة الوحيدة التى تواجه «هدى» داخل المعهد، بل هناك تحاليل وأشعات يطلبها الطبيب غير موجودة بالمعهد، وتضطر لعملها بمراكز التحاليل والأشعة الخاصة: «فيه تحاليل وأشعات ممكن تمنهم يوصل لـ500 جنيه، ودى بره العلاج على نفقة الدولة».
فترة طويلة انتظرت خلالها «هدى» وجود متبرع، لكى تتخلص من آلامها المستمرة، والتى تضعها فى أحيان كثيرة فى حرج شديد: «بطنى بتبقى منفوخة بشكل صعب، بتحرج أخرج من البيت، وبحاول ألبس هدوم واسعة عشان ما تبنش، لأن الناس بتفتكر إنى حامل ومخبية عليهم».
لم تجد «هدى» سبيلاً للشفاء غير أن يتبرع لها ابنها الأكبر، صاحب الـ23 عاماً، الذى يحمل نفس فصيلة دمها، وأجرت له التحاليل اللازمة لعملية التبرع، والتى كلفتها 4 آلاف جنيه، ولكن لم ينجح الأمر: «ابنى تعبان شوية فى دماغه، والدكاترة رفضوا يعملوا له تبرع لفص الكبد ليا، لأنه مش مستوعب حاجة»، وانتهت «هدى» من حديثها، قائلة: «بنزل من بيتى الساعة 7 الصبح، عشان آجى ألحق دور فى الطوابير».
«هدى»: فيه تحليل وأشعات مش موجودة و«حسين»: الزحمة ممكن تنشر العدوى أكتر نسبة الشفاء تصل إلى 95٪ بعد «سوفالدى»
أما بالنسبة للرجل الستينى محمد حسن فقد اختلف الوضع معه، حيث أجبرته التحذيرات المنتشرة عن الإصابة بفيروس «سى» للذهاب إلى المعهد القومى للكبد. كان الرجل يسير بملامحه الصعيدية، يرتدى عباءة وشالاً لفه حول عنقه، ممسكاً فى يده بعض الأوراق التى تشرح حالته الصحية، وهو متجه إلى منزله الذى يقع فى منطقة السيدة زينب، بعد أن انتهى من الكشف بالمعهد، حيث يعمل خفير عمارة.
يقول «حسن»: «جيت المعهد وعملت التحاليل من غير فلوس»، مشيراً إلى أنه خاف بشدة عند علمه بالإصابة: «خفت على عيالى من العدوى، وكنت بحاول ما أختلطش بيهم كتير»، وعلى الفور طلب «حسن» من دكتوره الخاص قرار علاج على نفقة الدولة، لأنه لا يستطيع تحمل تكاليف العلاج، على حد قوله: «جهزت كل الورق اللى يثبت إن مرتبى 800 جنيه، ومفيش أسبوع والقرار طلع»، ليبدأ بعدها صرف العلاج من صيدلية المعهد مجاناً، ولكن هناك أدوية لم تكن متوافرة بالمعهد، فكان يضطر لشرائها من الخارج.
يتحدث «حسن» عن معاناته داخل المعهد، قائلاً: «الدنيا هنا محدش يعرف يحط رجله، طوابير طويلة، ممكن تخلى العدوى تنتشر، وحتى مفيش حد لابس كمامة عشان يحمى نفسه، ويحمى غيره».
لكن بمجرد مرور ثلاثة أشهر، استمر فيها «حسن» على أخذ العلاج، وعمل التحاليل اللازمة، شُفى من الفيروس تماماً، مما جعله يشعر أنه سعيد الحظ: «ربنا بيحبنى ماكتبش ليا التعب، وريحنى من كتر العلاج»، وعلى الرغم من شفائه من الفيروس، طلب منه الدكتور أن يتابع معه بشكل مستمر، وأن يعمل فحوصات كل فترة، لكى لا يعود إليه الفيروس مرة ثانية، وانتهى «حسن» من حديثه، قائلاً: «ربنا ينجى الناس ويشيل عنهم ويرحمهم برحمته».
وتقول سيدة ثلاثينية طلبت عدم ذكر إسمها إن الخدمة داخل المعهد لا تتم على أكمل وجه، فهناك سوء تنظيم يترتب عليه وجود طوابير طويلة بدءاً من شباك الحجز، حتى غرفة الكشف: «كل حاجة هنا محتاجة طابور، يعنى أختى ممكن تقعد جوه أكتر من 3 ساعات، وأنا بفضل أستناها بره فى الشمس، عشان لو احتاجت منى حاجة».