«كبير عائلة» فى الإسكندرية: «اللى ملوش.. بيشترى».. الحاج مهدى شعلة: «العبرة بالكاريزما.. مش بالسن»
الحاج مهدى شعلة يتوسط عائلته
بينما كان يجلس مرتدياً عباءته وسط عدد من أبناء عائلته، بادرنا بنظرة حادة، جعلتنا نشعر وكأننا نقف أمام أحد الشخصيات التاريخية التى جسدتها الدراما التليفزيونية، هيبة صوته وقوله الفصل دفعنا إلى الاقتراب منه أكثر للتعرف على شخصية كبير إحدى أكبر العائلات فى مصر، ينتمى إليها ما يقرب من 3 آلاف شخص، الجميع يحرص على الإنصات إليه ثقةً فى حكمته وقدرته على اختيار الأصلح للعائلة، لا يجرؤ أحد على مقاطعته أو مراجعته فيما يقول، يأتون إليه من كل مكان لاستشارته فى كل كبيرة وصغيرة، وتكون كلمته هى الأخيرة فى كل أمر، وعلى الجميع السمع والطاعة.
ورغم أن «الحاج مهدى شعلة»، صاحب الـ67 عاماً، هو الابن الثانى فى أسرته، فقد اختاره والده خلفاً له ليتولى إدارة شئون العائلة، لما يتمتع به من حكمة وقدرة على موازنة الأمور، جعلته يحظى بالقبول بين باقى أبناء العائلة، حتى أصبح يتمتع بـ«كاريزما» طاغية.
ماذا يعنى لقب كبير العائلة بالنسبة لك؟
- كبير العائلة هو صاحب الحكمة، وهو الذى يحافظ على العادات والتقاليد والأعراف، وعلى الجميع، من أكبر إلى أصغر فرد فى العائلة، احترامه والالتزام بما يقول، تكون كلمته سيفاً على الكبير والصغير، عندما يتحدث يكون كلامه للمصلحة العامة.. الكبير كبير بأفعاله وكلامه ووضعه مهما كانت الظروف، وعندما تحدث أى مشكلة يجب أن يكون على رأس العائلة، كما يجب أن يكون على دراية بأصول الدين، وأن يكون قادراً على الحفاظ على تماسك وترابط أبناء العائلة.
كيف يتم اختيار كبير العائلة؟
- اختيار كبير العيلة ليست له قواعد ثابتة، ولكن يكون مبنياً على مجموعة من المعايير، منها الشخصية، فصاحب الكاريزما والحكمة هو الكبير، فوالدى كان كبير العائلة عقب وفاة جدى، وقد ورثت هذا الوضع عن والدى، ورغم أنه أنجب ثلاثة أولاد، كنت أنا كبير العائلة، يجلس أشقاء والدى الأكبر منى سناً بجوارى، ويطلبون منى التحدث وإعطاء القرار الحاسم فى أى مشكلة أو أمر يخص العائلة، ويجب على الكبير ألا يخطئ فى الكلام أو الحديث، لأنه إذا أخطأ مرة واحدة، فلن يكون بإمكانه الجلوس بين الناس ليستمعوا إليه مرة أخرى، ولا يشترط أن يكون الكبير هو أكبر الأبناء.
والدى اختارنى لخلافته بدلاً من شقيقى الأكبر وأبنائى يسيرون على الدرب.. والحفاظ على العادات والتقاليد والأخلاق الحميدة واحترام الكبير والعطف على الصغير أهم الشروط.. وقرار الزواج فى العائلة لا يخص الشاب والفتاة وحدهما.. وإهانة المعلم أمام تلاميذه تخرج أجيالاً غير صالحة
وكيف تم اختيارك لتكون كبيراً للعائلة؟
- كنت أحرص على حضور جلسات والدى مع أفراد العائلة، فى عزبة «شعلة»، بمدينة كفر الدوار، كنت ألاحظ هيبته وحكمته فى الحديث، كما كنت منبهراً بقدرته على أن يجعل الجميع ينصتون إليه، كان يحترم الجميع، الصغير قبل الكبير، كما كان يحترمه الجميع، وقبل وفاة والدى، وبينما كان على فراش الموت، قرر اختيارى لأحل مكانه فى تسيير أمور العائلة، ورغم أن أخى الأكبر كان جالساً وقتها، فقد أكد والدى ثقته فى أننى الأقدر على الحفاظ على تماسك العيلة، وقال لى بالحرف الواحد: «وصيتك أمك وإخواتك والعيلة فى رقبتك».
وكيف ترى اختفاء لقب «كبير العيلة» فى الوقت الراهن؟
- تربينا قديماً على الأصول والعادات، واستطعت أنا وزوجتى تربية أبنائنا عليها، فالخطأ مرفوض، وتقليل احترامهم لأحد كأنه تقليل من شأن والدهم، ودائماً ما كنت أقول لأولادى: إذا وضعتنى فى موقف المخطئ فلن أسامحك طيلة عمرى.. فأحس أبنائى، وهم 3 شبان وفتاة، أن الخطأ يعنى إحراج والدهم كبير العيلة، فامتنعوا عنه نهائياً.. قعدتهم وقلت لهم يوم ما حد منكم يغلط ويقعدنى فى قعدة ويقولوا الحاج مهدى غلطان هو وعياله، حاطلع الطبنجة بتاعتى وأطخ ابنى بها.. لذا فهم يسيرون على الصراط المستقيم، والناس بتحترمنى وبتحترمهم، مثلما نبادلهم الاحترام.. أما الآن من يتمسك بعاداته وتقاليده كالقابض على الجمر، فالمجتمع الآن مفتت، ومفيش كبير عيلة، الصغير عاوز يعمل كبير، والكبير مش بيراعى الصغير، والمثل المصرى القديم بيقول: اللى ملوش كبير بيشترى له كبير، ولكن وضع الأسر حالياً مغاير عن ذلك، فلا يوجد بها كبير، ما جعل الأسر مفتتة، ولا يوجد لهم كرامة بين الآخرين، لأن اللى ملوش كبير كل الناس بتستهزأ بيه، لأنه لو غلط ملوش كبير يترد عليه، لذا دائماً نقول إن الأساس الذى تقام عليه الأسر العريقة، هو احترام الكبير والعطف على الصغير.
هل الزواج ما زال مقتصراً على أبناء العائلة الواحدة؟
- لم يعد الزواج كالسابق، ولكن قرار زواج أى شاب أو فتاة من العيلة بنتناقش فيه، إذا كانت من داخل العيلة أو من خارجها، والآن كثير من الشباب يطلب الزواج من خارج العيلة، ولكن لا بد من الخضوع لشروط، أهمها اسم ونسب العيلة الأخرى، والتوافق معنا، وقرار الزواج فى العيلة لا يخص الشاب أو الفتاة فقط، بل يرجع إلى أسرته وكبير عيلته، الذى يبحث ويبت فى الأمر، ويتناقش مع أهل العريس أو العروسة، للتأكد من إمكانية إتمام الزواج، ومدى مناسبة شريك الحياة للتأقلم مع العائلة، وفى حال رفض الزواج من قبل كبير العائلة لا تتم الزيجة، نظراً لكونه على دراية وخبرة بالشخصية المناسبة، من كم المشاكل التى مرت عليه، وما أود التأكيد عليه أن رأى الكبير يتم تنفيذه بالحب والتقدير وبرضا صاحب الشأن، لا بالعنف والرهبة، ولا يشترط أن تكون من العيلة، حيث إن الزواج من عائلات أخرى مسموح به، ولكن بشرط أن تكون العيلة الأخرى كبيرة، وأبناء أصول، ولديهم كبير يتم الرجوع إليه وقت المشاكل، وأن يكونوا مثلنا فى التعامل والطباع والثقافة المجتمعية والجانب المادى والأخلاقى والدينى، فالتشابه أمر مهم لبناء بيت هادئ، دون صراع أو مشاكل، وموافقة الطرفين ورضاهم.
من وجهة نظرك، ما السبب فى ضياع هيبة الكبير أمام الأطفال؟
- الأسرة هى العامل الأساسى والرئيسى فى بناء جيل صالح أو غير صالح، ويجب على كل أسرة متابعه أبنائها، ومعرفة كافة تفاصيل حياتهم، من ملبس ومأكل ومعارف، والأماكن التى يترددون عليها، وما يشاهدونه على شاشات التليفزيون وعلى مواقع الإنترنت، وذلك لتربية جيل صالح، لكن فى ظل الوضع الحالى الأهل أصبحوا مشغولين عن أبنائهم، ولا يعرفون عنهم شيئاً، ولا توجد متابعة ولا محاسبة، وهنا يفسد الجيل الجديد، فلا يتعلم الطفل الاحترام والأدب وكيفية التحدث حتى من والده ووالدته أو كبير عيلته، فيتجرأ بالحديث عن والده، ويرتكب أخطاء تجعل الأب فى موقف حرج أمام الجميع، أو يعاملهم معاملة سيئة، ومثال على ذلك، ما يحدث فى المدارس، فالمعلم أصبح يخشى التلميذ وليس العكس، حينما يضرب المعلم تلميذه فإنه يعلمه ويربيه ويقومه ولا يؤذيه، وجميعنا تربينا على الضرب وتعليم الخطأ، وليس كما يحدث الآن، يتم ضرب المعلم أمام التلميذ، فلا يحترمه التلميذ بعد إهانته، وحينما يأتى إلىّ ابن شقيقتى يشكو من والدته أو والده، أقول له: «أمك وأبوك على حق دائماً»، وأقوم بالصلح بينهم، وأفهمه خوفهم عليه، هكذا تعلمنا وتربينا.
وما الفرق بين الريف والمدينة بالنسبة لمفهوم العائلة؟
- العيلة فى الريف مترابطة، بسبب نشأة أفرادها مع بعض، ومعرفتهم القوية لبعضهم، وفى حال حدوث خطأ من شخص ما نعرف عائلته وكباره الذين يسارعون للقدوم للاعتذار عما بدر من ابنهم وإنهاء المشكلة على الفور، وعلى العكس تجد أهل المدينة لا يعرفون بعضهم البعض، فالساكن لا يعرف جاره فى نفس العمارة، ما أدى إلى تفكك كثير من الأسر، وكثير من المناطق أصبح يسكنها غرباء، فإذا حدثت مشكلة عند أحد الأشخاص، لا يشعر به أحد من الجيران، وعندما انتقلنا للعيش فى الإسكندرية منذ 30 سنة، من أجل التعليم، حرصت على شراء بيت كامل لى ولأبنائى، وعلاقتى بجميع أبناء المنطقة طيبة، وعادةً ما يلجأون إلىّ لمساعدتهم فى حل مشاكلهم، وبعضهم يطلقون علىّ لقب «السيف»، نظراً لأن كلمتى كالسيف، ولا أقول غير الحق، ولا أبتغى إلا رضا الله.
وماذا عن زوجة كبير العائلة؟
- زوجة كبير العيلة هى الوتد والعقل والحكمة معاً، فزوجتى كبيرة سيدات العيلة، والكل يلجأ إليها لسؤالها عن البيت، وكيفية إرضاء الزوج، والحفاظ على عش الزوجية، وقديماً قالوا: «الرجل بحر والست جسر»، حيث إن الرجل مثل الموج، يدخل ويخرج من البيت دائماً، ولو مفيش جسر الميه هتطلع بره البحر، فلا يكون هناك استقرار أو هدوء، وهكذا الزوجة فى حياة زوجها، تحافظ على كل ما يجنيه وتزيده بحكمتها وتدبير نظام بيتها.
وما رسالتك لأبنائك؟
- رسالتى لأبنائى أن يكونوا سنداً لبعضهم، ويحترموا بعض، الكبير يعطف على الصغير، والصغير يحترم الكبير، ويكونوا مثل حزمة البوص المتينة والقوية، فالحزمة لا يمكن كسرها، لكن البوصة وحدها يتم كسرها بسهولة، فيجب أن يكونوا متعاونين ومتحدين، حتى لا يمكن لأحد كسرهم، كما أوصيهم بالابتعاد عن الحرام وفعل الفواحش، وأنصحهم بإنجاب طفلين فقط، والاهتمام بتعليمهم وتربيتهم.