"خفاجي": البحيرات ثروة قومية ولا يجوز تملكها بالتقادم مهما طال الزمان
المستشار محمد خفاجى
أكد الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، أن البحيرات ثروة قومية مملوكة للدولة ملكية عامة، ولا يجوز تملكها بالتقادم مهما طال الزمان، والمشرع الدستورى حرص في المادة (45) من الدستور على التزام الدولة بحماية بحيراتها كما هو الشأن في حماية بحارها وشواطئها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية، بل إن المشرع الدستورى وضع اللاءات الثلاث لحماية البحيرة بقوة الدستور ذاته، فحظر التعدى عليها أو تلويثها أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، ولم يقف أمر المشرع الدستورى على الدولة بل خطاب كل مواطن وجعل حقه في التمتع بها مكفول شريطة حمايتها من الخطر والحفاظ على الثروة السمكية مثلها في ذلك مثل الثروة الحيوانية والنباتية.
جاء في دراسة لـ"خفاجي" عن حماية البحيرات بعنوان "التعدي على بحيرة مريوط أو تلويثها أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها جريمة لا تسقط بالتقادم بقوة الدستور، وكلمات الرئيس عن عودة البحيرة أكبر مصالحة في تاريخ مصر مع البيئة، دراسة تحليلية في ضوء الحق في البيئة والحفاظ على الثروة السمكية وصحة الإنسان".
وأضاف أن البحيرات أخضعت لإشراف الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وخضعت لتحقيق المنفعة العامة التي تضطلع بها الهيئة المذكورة، وذلك لتنمية الاقتصاد القومي في مجال الثروة السمكية، وأن هذه البحيرات، ثروة قومية مملوكة للدولة ملكية عامة، مما لا يجوز معه لأي جهة أيا كانت إجراء أي تصرفات تخرجها عن الغرض المخصصة له بحكم الطبيعة، وتسري عليها كل أوجه الحماية القانونية المقررة للمال المملوك للدولة ملكية عامة من حيث عدم جواز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم وإزالة ما يقع عليها من تعديات بكل الطرق.
وقال الدكتور محمد خفاجي إن المشرع تقديراً منه لأهمية البحيرات، بحسبانها أحد المعالم الطبيعية وجزءًا ركيزاً من النظام البيئي وأساسا للتنوع الحيوي الاقتصادي والاجتماعي والسياحي والترفيهي ومصدرا للثروة السمكية والدخل القومي للبلاد، قد حظر حظرا مطلقا على أي جهة حكومية أو هيئة أو شركة أو وحدة محلية أو جمعية تعاونية أو للأفراد، تجفيف أي مساحة من البحيرات، وهو نص أمر ينبغي احترامه من الجميع، بما فيهم الدولة المختلفة تحقيقا لسيادة القانون وإعمالا للمشروعية، متابعا: "لم يجز المشرع تجفيف أي مساحة من البحيرات إلا في حالة استثنائية وحيدة، والاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه تتمثل في تقرير عدم صلاحية المساحة المجففة من البحيرة للاستغلال السمكي اقتصاديا، وهو أمر موكول للجنة التي خصها المشرع بذلك والتي تضم مندوبين من وزارات الزراعة واستصلاح الأراضي والري والتخطيط والإدارة المحلية ومعهد علوم البحار والمصايد والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ومن ثم لا يجوز لأي جهة أخرى – غير تلك التي حددها المشرع حصرا – أن تقرر عدم صلاحية أي مساحة من البحيرات للاستغلال السمكي اقتصاديا، وإلا عد ذلك تعديا على اختصاصات تلك اللجنة المقررة قانونا لها وحدها دون غيرها".
وأشار نائب رئيس مجلس الدولة، إلى أن السلطات الإدارية ملزمة بجهود العلماء في البحوث المائية لتلافي خطورة الاحتباس الحراري بالبحيرة، والدراسات والأبحاث العلمية وما تتوصل إليه من نتائج بحسبانها ثمرة من ثمار قرائح الذهن، تظل خاضعة في تطبيقها لتقدير السلطات الإدارية طواعية واختيارا، فليس لها من ثمة إلزام قانوني على جهات الإدارة التي إن شاءت طبقتها وإن رغبت منعتها، وهي بذلك لا تتمتع إلا بإلزام أدبي، بيد أن المشرع أفرد نظاما خاصا للجهات العلمية والفنية والجهات المعنية بالبحوث المائية فيما تجريه من تجارب، وما تتوصل إليه من بحوثها من نتائج، وما تنتهي إليه من توصيات علمية تتعلق بالحفاظ على البحيرات، التي من المكونات الطبيعية للبيئة وما تضعه من الحلول العلمية المدروسة لما يعترضها من مشكلات تهدد بيئتها الطبيعية.
وأضاف الدكتور خفاجي أن المشرع أوجب على الجمعيات التعاونية للثروة المائية والصيادين ورؤساء مراكب الصيد وتجار الأسماك تقديم جميع البيانات الإحصائية المتعلقة بعمليات الصيد والإنتاج السمكي لغرض البحوث أو التربية أو تغذية المزارع السمكية أو تعمير مناطق أخرى من مناطق الصيد، بالتنسيق مع الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ومن ثم فلم يترك المشرع أمر جهود على العلماء في أبحاثهم العلمية ودراستهم الأكاديمية المتعلقة بالبحيرات سدى، ولم يذر ما ينطبق به من العلماء من نتائج بحثية وتوصيات علمية هباء، وإنما أسبغ على تلك الأبحاث والدراسات قيمة ينبغي أن تكون لها اعتبار لدى السلطات الإدارية التنفيذية، بحيث غدا للمتخصصين من العلماء دور فاعل بقصد خدمة البحيرات والمحافظة عليها وعلى الثروة السمكية، بما يقتضيه ذلك من تطبيق لما توصلت إليه تلك الدراسات والأبحاث من نتائج وتوصيات والتي لا تنفك عن الحفاظ على النظام البيئي بحال، للحيلولة دون تدهور البيئة نتيجة تدخل السلطات الإدارية الزائد عن الحد بما يفسد على البيئة نظامها الطبيعي المحكم الدقيق، وهذه الأبحاث العلمية ملزمة لتلافي خطورة الاحتباس الحراري.
وأكد الدكتور محمد خفاجي أن المشرع استحدث حكماً في القانون رقم 4 لسنة 1994 في شأن البيئة بمقتضاه ألزم الجهة الإدارية المختصة أو الجهة المانحة للترخيص بتقييم التأثير البيئي للمنشاة المطلوب الترخيص لها، وفقاً للعناصر والتصميمات والمواصفات والأسس التي يصدرها جهاز شؤون البيئة بالاتفاق مع الجهات الإدارية المختصة، ويكون لجهاز شؤون البيئة مراجعة ذلك كلما لزم الأمر، وقد أورد المشرع تحديدا للمنشاَت الخاضعة لأحكام التأثير البيئي وفق ضوابط أساسية سردها تفصيلا، من بينها المنشاَت الصناعية، وأي منشأة أخرى أو نشاط أو مشروع يحتمل أن يكون له تأثير ملحوظ على البيئة.