كل عام والوطن بخير وسلام.. تحتفل مصر صباح السبت بعيد الغطاس، أو عيد الظهور الإلهى، وهو ما يمثل إحياءً لذكرى معمودية السيد المسيح بنهر الأردن على يد القديس يوحنا المعمدان، ولذلك فالغطاس يرمز إلى المعمودية بالماء (بمعنى التغطيس فى الماء)، وهى عملية تمثل شرطاً أساسياً للإنسان المسيحى تبعاً لمعظم الكنائس المسيحية الكبرى.
يرتبط عيد الغطاس بعدد من المأكولات التى تمثل رموزاً روحية تشير لفكرة المعمودية، من أشهرها «القلقاس»، الذى يحتوى على مادة هلامية مؤذية للإنسان تؤذى حنجرته وتسبب له مشاكل فى عملية النطق، لكنها مع وضع القلقاس فى الماء تتحول إلى مادة نافعة، وهذا رمز بأن الخطية تُخرس الإنسان وتمنعه عن الحديث إلى الله، ولكن الماء يطهره ويفيده.. كما أننا نتخلص من القشرة الخارجية للقلقاس، وهو ما يرمز إلى خلع ثياب الخطية التى تغلف الإنسان.
نبات القلقاس يكون مدفوناً فى الأرض قبل الحصاد، ويؤخذ منها، وهذا يرمز إلى عملية موت ودفن وقيامة السيد المسيح عليه السلام، لأن المعمودية هى دفن للإنسان تحت المياه.. وهذا ما يشير إليه القديس بولس الرسول، أحد تلاميذ السيد المسيح حين يقول: «مدفونين معه فى المعمودية التى فيها أقمتم أيضاً معه، بإيمان عمل الله الذى أقامه من الأموات».
كما يتم فى الغطاس تناول «قصب السكر»، ولهذا عدة دلالات روحية منها أنه كنبات ينمو فى عيدان مقسمة إلى عقلات، بشكل مستقيم إلى الأعلى وفى مناخ حار، وفى هذا إشارة إلى أن الروح تعلو إلى السماء على مراحل تمثل كل منها فضيلة مكتسبة لازمة لعملية السمو فى ظل حرارة قوية.. كما أن القصب من النباتات التى تنمو بالغمر فى الماء، وفى هذا رمز لفكرة الميلاد الجديد بماء المعمودية.. القصب كذلك نبات صلب وله قلب أبيض نقى، وما إن يتم الضغط عليه وعصره، يفرز مادته السكرية الحلوة، وفى هذا رمز إلى أن الإنسان المؤمن يعتصر من أجل الآخرين ليعطيهم أفضل ما عنده. وربما يتقاطع هذا مع إحدى آيات الكتاب المقدس، فى سفر القضاة، والتى تقول: «ومن الجافى خرجت حلاوة». أى من الشىء جافى الطباع الذى لا يؤنس إليه، تخرج لنا أشياء جيدة.
أما البرتقال واليوسفى فيمتازان بغزارة السوائل الموجودة بهما، وهذا يرمز إلى ماء المعمودية، والمذاق الحلو لتلك السوائل يرمز إلى ما تمثله العملية من بركة تحل على الإنسان.. كما أن قشر البرتقال كان يُستخدم قديماً كفوانيس توضع بها الشموع فى أثناء الاحتفال بقداس العيد على نهر النيل، وهى العادة التى أوقفها الفاطمى «الحاكم بأمر الله».
يحلو للبعض أيضاً أن يطهو فى الغطاس بعض الحلويات، منها الحلوى اليونانية «لوكوماديس»، التى نسميها نحن «لقمة القاضى»، وبها إشارة إلى فكرة المعمودية، حيث إنها تُحضر عبر غمر العجين فى الزيت، ونزوله فى قاع المقلاة وبعدها يصعد إلى أعلى ويخرج بشكله الحلو وطبيعته الجديدة.. كل عام ووطننا قوى وواحد.. أترك حضراتكم مع المقال لأقابل القلقاس وإخوته.