لم يستسلموا للإعاقة وأضاءوا قلوبهم وعقولهم بنور العلم وحفظ القرآن
«بلال» لحظة تكريم الرئيس له فى ليلة القدر
حرمهما الله من نعمة البصر، لكنه أضاء قلبيهما بنور العلم وحفظ القرآن الكريم، فتفوقتا فى دراستهما، وأصبحتا من الأوائل، وكرمتهما المدرسة أكثر من مرة لتفوقهما، «ميرنا ومروة»، شقيقتان تبلغان من العمر 14، 12 عاماً، تقيمان بقرية كفر دخميس التابعة لمركز كفر الشيخ، وتدرسان بمدرسة النور للمكفوفين بالعاصمة، تقطعان مسافة طويلة إلى مدرستهما، وتقيمان بها طوال الأسبوع، ثم تعودان لمنزلهما، بصحبة والدهما الذى يحرص على توصيلهما من وإلى المدرسة.
حصدت الفتاتان العديد من الجوائز خلال العامين الماضيين بسبب تفوقهما دراسياً وعلى مستوى حفظ القرآن الكريم، فقبل أعوام كان والدهما عاملاً بإحدى الدول العربية، وكانت والدتهما تتولى مسئوليتهما، وعندما اشتد عودهما قرر الرجوع لمساعدتهما على الدراسة والتفوق، وإلحاقهما بالمدرسة كى تتعلما وتصبحا طبيبتين. تقول ميرنا سامى، الطالبة بالصف الأول الثانوى: «حرص والدى منذ صغرى وشقيقتى على تحفيظنا القرآن الكريم، ومذاكرة دروسنا، فكان يسهر معنا لنذاكر، وكنا نواجه حديث الناس عنا بأننا معاقين بالتحدى والإرادة، كنا نسمع حديثهم لكنه كان يعطينا طاقة إيجابية، كنت أسمع الناس ينادون والدتى بـ«أم العُمى»، كنت أتأثر نفسياً، لكن ذكرى لنعم الله الكثيرة كانت دافعاً لى لمواصلة التفوق، فى كل عام أكون من أوائل المدرسة، تحديت إعاقتى لأستكمل مسيرة حياتى وأصبح طبيبة تداوى جراح المكفوفين من مثيلاتى».
والد الكفيفتين: خير ابتلاء من الله.. فبناتى متفوقات.. وأبو«بلال»: يحفظ 1000 حديث شريف ويحمل إجازة فى القراءات العشر
وتضيف: «تمسكى بحفظ كتاب الله كان أهم دافع فى حياتى لأكون من المتفوقين وكرمنى محافظ كفر الشيخ أكثر من مرة، وكرمتنى التربية والتعليم، وأتمنى أن أكون طبيبة وإن شاء الله سأجتهد لأحقق حلمى، وأقول للعالم يكفينا فخراً أننا فقدنا بصرنا لكننا لم نفقد بصيرتنا، وتحدينا ظروفنا وتفوقنا، وسنحقق أحلامنا، أصبح لدينا مذيعتان من المكفوفين، أسمعهما وأنتظر برامجهما، أتعلم منهما الصبر وأجتهد لتحقيق حلمى».
وتوضح شقيقتها «مروة»: «خُلقت فاقدة البصر لكن حبانى الله بالبصيرة ونعم كثيرة لا تُحصى، فعندما ينادينى أحدهم بـ«العمية»، أرد: «أنا مش عمية، أنا كفيفة فقدت بصرى، لكننى لم أفقد إنسانيتى، فهى سر تفوقى فى المدرسة وحصولى على مراكز متقدمة، وسأكون طبيبة أيضاً، وأتمنى أن تتغير نظرة المجتمع لذوى الاحتياجات الخاصة».
أما والدهما فيقول: «رضيت بقضاء الله وفى البداية ظننت أنه بلاء لكنه خير ابتلاء، فبناتى متفوقات، وأبذل كل جهدى لتكونا من المتفوقات، أوفر لهما كل ما تحتاجان إليه، أفتخر بهما لأنهما أحسن كثيراً من أسوياء يعيشون فى الحياة بلا هدف، بلا أمل، وأرى فيهما الأمل والطموح، ومستعد للذهاب بهما لآخر الدنيا كى تتعلما جيداً وتحصلا على مراكز متقدمة».
لم يختلف حال الطالب بلال محمد جمعة، ابن مدينة دسوق، فى الصف الثانى الإعدادى، الحاصل على المركز الثانى عالمياً فى حفظ القرآن الكريم كاملاً، فقبل عامين ونصف العام، لم يكن يسمع عنه أحد إلى أن ذاع صيته حينما قدمته وزارة الأوقاف المصرية كأحد الطلاب النوابغ الذين حفظوا القرآن الكريم بإجازاته فى القراءات الـ10، وحصل على المركز الثانى عالمياً فى حفظ القرآن، رغم تفوقه فى دراسته.
«بلال» الثانى عالمياً فى حفظ القرآن: «ربنا أعطانى بصيرة».. و«محمود» لُقب بـ«طه حسين» و«ميرنا ومروة» تحدتا كلام الناس وتفوقتا
يقول محمد السيد جمعة، والد بلال، الذى يعمل إماماً وخطيباً بوزارة الأوقاف، إن زوجته أنجبت 3 أطفال توأم منهم اثنان مبصران وبلال كفيف، وحمدت الله على عطائه، فهو مميز فى كل شىء، فوهبه الله ذكاءً وبصيرة وتفكيراً، يشرح لتوائمه الدروس، يحفظهم القرآن، فحرص منذ صغره على قراءة القرآن وسماعه، وطلب منذ صغره الذهاب لعلماء، وحباه الله بحفظ القرآن والمشاركة فى المسابقات الدولية.
ويضيف: «يحفظ بلال 1000 حديث شريف فى رياض الصالحين، وحصل على الإجازة فى القراءات الـ10، ويتمنى أن يكون عالماً مصرياً فى نشر تعاليم الإسلام الصحيح لغير العرب ويشارك فى المسابقات، وكان يتمنى المشاركة فى مسابقة القراءات فى الكويت، لكن قانون الأوقاف يمنع مشاركته فى جائزة عالمية أخرى قبل مرور 5 سنوات، وكرمه الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، وتبرع نجلى بجزء كبير من قيمة الجائزة لصندوق تحيا مصر، ضارباً بذلك مثلاً فى العطاء والتضحية، برغم احتياجنا للمبلغ المالى إلا أنه قرر التبرع به».
أما «بلال» فيوضح: «أنا لست معاقاً، لكن الله أخذ منى شيئاً ليعطينى آخر أكثر جمالاً وروعة، أخذ منى بصرى وأعطانى بصيرة وعقلاً يستوعب كل ما يدور حولى، عقلاً مثقفاً يريد أن يكون أحد علماء مصر، ينشر تعاليم الدين الصحيح بين دول العالم، لا أريد أن أكون طبيباً أو مهندساً لكنى أتمنى من الله أن يساعدنى فى أن أكون عالماً إسلامياً عالمياً، طوعت حياتى لمساعدة أهلى وأشقائى وأصدقائى، وأتمنى أن أُعلم الجميع حب الله وتعاليم الدين الحنيف الوسطى».
طالب آخر كفيف، لكنه عُرف بالتفوق وحب العلم والخير، ولُقب بـ«طه حسين»، عاش طفولة قاسية حينما توفى والده وتركه بين أهله، يعانى الأمرين، كونه كفيفاً وتركه من كان يأخذ بيده، والآخر كونه أصبح يتيماً فى عائلة كلها أسوياء، يشعر بأنه مختلف، بينه وبين الله علاقة حب لا تنقطع، جعلته يكون من المتميزين دراسياً ورياضياً وحصل على المركز الأول فى الدراسة وحفظ القرآن الكريم، كُرم مرتين متتاليتين من محافظ كفر الشيخ ووكيل وزارة الأوقاف، ويتمنى أن يكون مهندساً، محمود إبراهيم هاشم، الطالب بالصف الأول الثانى الإعدادى بمدرسة المكفوفين، والمقيم بقرية تيرة التابعة لمركز الحامول، يقطع نحو 50 كيلومتراً من منزله وحتى مدرسته، يرفض أن يرافقه أحد من ذويه، لأنه قرر الاعتماد على نفسه من وقت وفاة والده.
يقول «محمود»: مات والدى فشعرت أننى لن أستطيع استكمال حياتى، فهو الذى كان يأخذ بيدى فى كل شىء، فقررت الاعتماد على نفسى وتحمل مسئوليتى وحدى، وألا أكون عبئاً على أسرتى، وأن أذاكر دروسى وأحفظ القرآن الكريم دون مساعدة أحد، أخذ منى الله بصرى لكنه أنعم علىّ بنعم كثيرة منها الذكاء وسرعة الحفظ والفهم، والقدرة على حب الخير والناس، استطعت التأقلم مع ظروفى بالرغم من طفولتى القاسية، فمات والدى وأنا فى سن السابعة، فصممت على الالتحاق بمدرسة النور للمكفوفين، ورفض أهلى فى البداية لبعدها عن منزلى بمسافات طويلة، فأجبرتهم على التقديم لى وأثبت لهم بتفوقى أننى قادر على استكمال مسيرة حياتى وتحقيق حلمى فى أن أكون مهندساً».
ويضيف: «الإرادة تصنع كل شىء، فلا وجود لكلمة مستحيل فى أى قاموس، كل إنسان قادر على عمل أى شىء لو أراد ذلك، تستطيع النجاح حال قرارك، والحصول على مراكز متقدمة حال اجتهادك، فطه حسين كان أديباً كفيفاً، وكان عميداً للأدب العربى، وعاش فى نفس ظروفنا، فاتخذته قدوة لى وسأكون يوماً مهندساً وأديباً، فالثقافة والتثقف تحتاج فقط لبصيرة وعلم وأنا قادر على ذلك، أذاكر دروسى بجد واجتهاد، وأحصل على المركز الأول كل عام، وحرصت على حفظ القرآن فحصلت على المركز الأول وكرمنى المحافظ والمسئولون».