فى مناسبتين نشرت إحدى الصحف المستقلة تصريحاً عن رئيس الشركة الشرقية للدخان بأنه يبحث عن أراضٍ جديدة لزراعة الدخان، واختار منطقة وادى النطرون لأنها من أصلح الأماكن بالنسبة للتربة وللجو المناسب، وفى تصريح آخر بعدها بعدة أسابيع لأحد أساتذة معهد البحوث الزراعية يذكر فيه تاريخ زراعة الدخان فى العالم وفى مصر، وأن الحاكم محمد على زرع الدخان، لأنه من عائلة -قبل حضوره إلى مصر- كانت تزرع الدخان، وعندما أصدر السلطان العثمانى فى نهاية القرن التاسع عشر قراراً بمنع زراعة الدخان توقفت مصر عن زراعته، ويريد الأساتذة الأفاضل العودة إلى زراعة الدخان فى مصر مرة أخرى.
فى عام 2005 كانت مصر من أوائل الدول التى وقَّعت على الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، ومنها الامتناع عن زراعة الدخان للدول التى لا تزرعه، ومحاولة إيقاف الزراعة فى الدول التى تزرع الدخان، خصوصاً فى جنوب شرق آسيا، وطالبت الدول بالسعى لاستزراع بديل مناسب يحقق دخلاً جيداً لزراعة التبغ حتى يتوقفوا من ذلك.
هذه ليست أول تصريحات من مسئول بالدولة عن السعى لزراعة الدخان بالرغم من المخاطر الكبيرة التى تهدد صحة المواطنين وتقصف أعمارهم فى سن مبكرة، ولكن فى وجود الاتفاقية التى تعتبر من قوانين هذه الدولة يجب أن يتوقف مثل هذه التصريحات غير المسئولة، وبصفتى كنت رئيساً للجنة الصحية على مدى عشرين عاماً، وكنت وراء الإسراع فى موافقة البرلمان على الاتفاقية، فضلاً عن صدور أربعة قوانين أنجزتها لجنة الصحة وتقدمت بها للمجلس، وأصبحت تغطى جميع الالتزامات المطلوبة من مصر بعد توقيع الاتفاقية، ولكننى أشعر بفتور الحماس الذى كان موجوداً لدى وزارة الصحة بإنشائها إدارة لمكافحة التبغ، وكذلك حماس وزارة الأوقاف بأن يكون على الأقل إحدى خطب الجمعة شهرياً موجَّهة لنصح المواطنين، خصوصاً الشباب، بالامتناع عن هذا الوباء الشرير الذى يخطف أعمار أهالينا ومفكرينا وعلمائنا وشبابنا فى سن مبكرة، فضلاً عن الإصابة بالعجز، وتكلفة الاقتصاد المصرى مبالغ طائلة فى الإنفاق على العلاج المكلف، فضلاً عن فقدان القوى البشرية «التنمية».
وعند نشر هذه التوجهات فى الصحيفة المستقلة المحترمة كتبت أحذر وأعترض وأنبِّه إلى خطورة هذه التصريحات والإيحاءات، ولم تنشر الصحيفة -مع الأسف- كلمة واحدة مما كتبت، لدرجة أننى بدأت أشك هل عادت شركات التبغ لتحاول أن تضغط على أجهزة الإعلام لمقاومة انحسار التدخين وتشجيع التوسع فى مقاومة نشر هذا الطوفان الخبيث، ولقد انحسرت أيضاً المبادرات الاجتماعية ومشاركة الصحفيين الأفاضل وعلى رأسهم الأستاذ صلاح منتصر، وقيادات الشباب وعلى رأسهم نقيب الشباب وسيدات المجتمع الأفاضل، وعدد من مشاهير كرة القدم ولقاءات فى الجامعات والنوادى، وشاركت شخصياً فى عدد كبير من هذه اللقاءات، وكذلك حماس بعض المحافظين، وعلى رأسهم الوزير المحافظ الشهير عادل لبيب، محافظ الإسكندرية، حيث وقَّع على التزام مع السيد وزير الصحة الهمام حاتم الجبلى فى جعل الإسكندرية خالية من التدخين، ومع الأسف توقف كل هذا.
كنت أتمنى ولا أزال أن يضع الرئيس تحت رعايته حملة توعية الشباب ضد التدخين (والمخدرات)، وأعلم أن 20% من شباب مصر مابين الأعمار 12 و16 يدخنون، وهذا لا يبشر بمستقبل واعد كما يتمنى الرئيس.
أخيراً سؤال للسيدة الفاضلة الأستاذة الدكتورة وزيرة الصحة ماذا حدث فى لجنة الوزارة لمكافحة التدخين الذى صدر به قانون مكافحة التدخين الأخير وهو برئاسة وزيرة الصحة وعضوية المفتى ووزارة الداخلية لتطبيق القانون ووزارة البيئة ووزارة الحكم المحلى وعدد من الشخصيات العامة وعلى رأسهم نقيب الأطباء والصحفى الكبير صلاح منتصر؟ وهل دعمت الدولة إدارة مكافحة التدخين أم لا تزال بلا دعم من وزارة المالية والتخطيط؟ وهل توسعت الوزارة فى عيادات مكافحة التدخين؟
أخيراً.. يا أهل مصر أناشدكم الحفاظ على صحتكم وصحة أولادكم، وحماية أمن الوطن وقياداته من العجز والوفاة المبكرة، ورحمة الله على الرئيس جمال عبدالناصر الذى خطفه الموت فى سن مبكرة، كان أحد ضحايا التدخين.