من الرصيف إلى دار الرعاية.. «حياة آمنة» للمشردين بالإسكندرية
«جابر» قبل إنقاذه يجلس فى الشارع
مع حلول التاسعة صباحاً تلقت مديرية التضامن الاجتماعى بالإسكندرية بلاغاً من أحد المواطنين بوجود رجل يفترش أحد المقاعد أمام مسجد «العمراوى»، فى منطقة «إسكوت»، شرق المدينة، وعلى الفور تحركت فرق وحدتى «أطفال بلا مأوى» و«التدخل السريع»، التابعتين للمديرية، وبدأت التجهيزات والاتصالات، وتجمع أعضاء فريق مكون من 6 أشخاص، لإنقاذ مُشرد جديد من الشارع، ضمن حملات مبادرة «حياة كريمة»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى.
ارتدى أعضاء الفريق ستراتهم الخضراء، المنقوش عليها «إحنا معاك»، وأسفلها «حياة كريمة وآمنة»، قبل أن يتجهوا إلى مكان البلاغ، ليكتشفوا وجود رجل فى الستينات من عمره، يرتدى جلباباً قديماً، يعلوه جاكيت متهالك، ومجموعة من البطاطين تغطى جسده الضخم الممدد على «دكة» أمام المسجد، وفى أقل من دقيقة كان أعضاء الفريق يلتفون حول الرجل فى شكل دائرى، قبل أن يقوموا بنقله إلى إحدى دور الرعاية الاجتماعية بالمدينة.
عايشت «الوطن» إحدى الحملات المتكررة لفريق التضامن الاجتماعى لإنقاذ عدد من المشردين من الشوارع، بقيادة «نرمين بخيت»، مسئولة وحدة «التدخل السريع»، التى وضعت يدها على كتف المُسن المشرد لتطمئنه، فانفتحت عيناه التى حملت علامات الاستفهام، قبل أن تبادر بسؤاله وابتسامتها تعلو وجهها: «إيه اللى مقعدك فى السقعة دى يا حاج؟.. ويا ترى عامل إيه فى الجو ده؟»، قبل أن يقوم عدد من أعضاء الفريق بمساعدة الرجل على الجلوس، ليبدأ فى سرد حكايته بصعوبة بالغة.
«الوطن» تعايش فريق التضامن لإنقاذ 3 مشردين.. «نومة مريحة» وكشف طبى وطعام وملابس ثقيلة.. وزوجة «جمعة» استولت على معاشه بمساعدة ابنه وطردته من المنزل.. و«عيد» يفارق الشارع بعد 69 سنة ويخشى «التعذيب»
بدأ الرجل حديثه بقوله إن اسمه «جمعة حسنين»، من مواليد محافظة سوهاج عام 1957، كان يعمل سائقاً درجة أولى، عاش حياته يواجه الموت والصعاب، وبمجرد أن بلغ سن التقاعد، كان يأمل فى الحصول على بعض الراحة فى منزله، مع وجود معاش يعينه على الحياة، إلا أن زوجته رفضت جلوسه فى المنزل، واعتادت إهانته بمساعدة ابنهما، حتى وصل الأمر إلى أن قاما بطرده من شقته، ليخرج هائماً على وجهه فى الشوارع، حتى استقر به الحال أمام مسجد «العمرى»، حيث أمضى عامين على هذا النحو، يستجدى عطف المارة لسد جوعه، وكان إمام المسجد يسمح له بالمبيت فى الداخل ليلاً. وبمجرد عرض فريق الوحدة على الرجل المسن نقله إلى دار الرعاية، سارع بالموافقة على العرض، وأكد أن «كل ما أحتاجه من الحياة حالياً، مكان أنام فيه»، وبعد التأكد من وجود مكان له بالدار، تم نقله إليها مباشرة.
وتحدثت «بخيت» لـ«الوطن» قائلةً إن الإجراء القانونى المتبع أن يتم نقل الحالة إلى المستشفى الحكومى للكشف عليه، وعمل «فيش» جنائى له، للتأكد من عدم وجود أحكام مسبقة عليه، إلا أنه فى ظل حالة الطوارئ الحالية الخاصة بالمشردين، بعد إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى لمبادرة «حياة كريمة»، يتم النقل إلى دار الرعاية مباشرة، للحفاظ على سلامة الشخص بشكل أسرع، ومن ثم يتم الكشف عليه صحياً وجنائياً. وعند وصول «جمعة» إلى دار «الهداية» الاجتماعية لرعاية الرجال، استقبلته مديرة الدار «أمل محمود»، بابتسامة لطمأنته وإزالة شعوره بالخوف واستغرابه للمكان، وأسندته إلى مشرف الدار للقيام بإجراءات الكشف الطبى، فيما يخص أمراض الضغط والسكر، ثم الاستحمام، وتسليمه ملابس جديدة ونظيفة ثقيلة، لمساعدته على مواجهة برودة الجو، ثم تزويده بما يحتاجه من طعام وسرير للراحة، وبمجرد وصوله الغرفة، جلس الرجل على سريره، قبل أن يلتفت لـ«الوطن» قائلاً: «الحمد لله، أنا مرتاح هنا، مش عاوز أشوف مراتى ولا ابنى». وتلاحظ وجود شاب من ذوى الاحتياجات الخاصة، يبدو فى أواخر العشرينات، يجلس بجوار المشرفة الطبية، وتعلو وجهه ابتسامة عريضة، وتبين أنه لا يحمل أى أوراق، فأطلقوا عليه اسم «عبدالله»، بينما تمثلت الحالة الأصعب داخل الدار فى «أحمد محمد على»، الذى تم مؤخراً اكتشاف إصابته بمرض «السرطان» فى العمود الفقرى، ولا توجد له بيانات شخصية.
وأثناء الوجود داخل الدار، تلقت وحدة «التدخل السريع» اتصالاً يفيد بورود بلاغ عن وجود مشردين بميدان «محطة مصر»، وخلال دقائق كانت «الوطن» بصحبة أعضاء الفريق فى موقع البلاغ، حيث تم التعامل مع شخصين كانا يقيمان بين الأشجار، ويفترشان الأرض بالبطاطين القديمة، فى البداية رفضا الانتقال مع الفريق، حيث قال أحدهما: «مش رايح معاكم الدار، ناس أعرفهم راحوا هناك واتعذبوا»، فحاول الموجودون طمأنته وطلبوا منه أن يأتى للتجربة، وفى حال لم يعجبه الحال يمكنه العودة مرة أخرى.
وبسؤالهما تبين أن أحدهما يُدعى «عيد محمد على»، 69 سنة، والآخر «جابر بكرى محمود»، 54 سنة، وقد عاشا فى الشارع منذ طفولتهما، وأشارا إلى أنهما حاولا العمل أكثر من مرة، كما كانا يحلمان بالحصول على منزل للزواج وتكوين أسرة، ولكن الأمور لم تسعفهما، فارتضيا بالمعيشة فى الشارع بكل ما فيه من شقاء وتعب.
بعد ذلك توجهنا إلى وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بالإسكندرية، ميرفت أحمد السيد، التى أكدت لـ«الوطن» أن هناك عدداً من دور الرعاية الاجتماعية التى تم تجهيزها لاستقبال المشردين، إحداها للرجال وأخرى للسيدات، وأضافت أنها تحرص على زيارتهما بشكل مستمر، وفى آخر زيارة لها شددت على مسئولى دار السيدات بمراعاة جانب النظافة بشكل أكبر، وأشارت إلى أن الحملة مستمرة بشكل يومى فى الإسكندرية، إلا أن الدار قد اكتظت عن آخرها، الأمر الذى يتطلب وجود تنسيق مع الوزارة، لتوفير أماكن إضافية بالمحافظات المجاورة.