«فليفل»: العالم سيلحظ تغيراً كبيراً فى أداء مصر تجاه أفريقيا بعد تولى «السيسى» رئاسة الاتحاد خلال 2019
الدكتور سيد فليفل
كيف يمكن أن تستثمر مصر رئاستها للاتحاد الأفريقى؟ وكيف يمكن أن نقوى علاقتنا مع أشقائنا فى القارة السمراء؟ وإلى أى حد يجب أن نقلق أو نقبل بسياسات أبى أحمد فى إثيوبيا؟ وما الذى يجرى فى البحر الأحمر واستدعى مؤخراً إقامة تحالف لأمن الدول المتشاطئة عليه؟ وكيف ينعكس صراع القوى العظمى على منطقتنا؟ كل هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها الدكتور سيد فليفل، أستاذ التاريخ المرموق، ، العميد الأسبق لمعهد الدراسات الأفريقية، رئيس لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب، وأكد «فليفل» أن مصر ستدخل مرحلة جديدة وسيلحظ العالم تغيراً كبيراً فى الأداء المصرى تجاه أفريقيا بعد تولى «السيسى» رئاسة الاتحاد الأفريقى، محذراً من أن حديث الإعلام عن أفريقيا باعتبارها مجموعة دول متخلفة غير لائق وغير صحيح، إذ إن هناك مدناً مثل كيجالى وجوهانسبرج أرقى وأجمل من مدن أوروبية.
عميد «الدراسات الأفريقية» الأسبق: غياب «مبارك» عن حضور القمم أفقد الحضور المصرى بريقه.. وأداء «مرسى» زاد الأمر سوءاً
وقال فى حواره لـ«الوطن» إن مصر عادت بقوة إلى حضن القارة منذ أن تولى السيسى مهام منصبه، بعد فترة فقد الحضور المصرى بريقه بسبب امتناع مبارك عن حضور اجتماعات القمم عقب محاولة اغتياله فى أديس أبابا فى 1995، موضحاً أن مشروعات التعليم والصحة مدخل إنسانى هام لتقوية علاقتنا بأشقائنا فى الجنوب، تليها مشروعات البنية التحتية والتصنيع، خصوصاً فى مجال الدواء. وأشار «فليفل» إلى أن العالم يعيش مرحلة صراع والجميع يعيد ترتيب أوضاعه، وفى مقابل صعود الصين وروسيا، هناك انشقاقات فى المعسكر الغربى بدأت مع صعود ترامب الذى يرفع شعار «أمريكا أولاً».. إلى نص الحوار.
من خلال متابعتك الدقيقة، إلى أى حد تطورت علاقتنا الآن بدول أفريقيا مقارنة بعهد الرئيس مبارك الذى شهد فتوراً مع دول القارة؟
- مصر باتت الآن نشطة جداً فى كل برامج العمل الجماعى فى أفريقيا، سواء من خلال الاتحاد الأفريقى نفسه أو تجمع الكوميسا أو تجمع «الساحل والصحراء»، وتبذل جهوداً كبيرة فى مجالات محددة، منها البيئة والأمن والصحة والتعليم، فهناك اتجاه لافتتاح جامعات مصرية فى عدد متزايد من الدول، ونعرض على الأشقاء تأسيس بنية صحية، وهذا مدخل إنسانى مهم جداً، وعقدت مصر دورات تدريبية على مواجهة الإرهاب لكوادر قيادية فى دول تعانى من الإرهاب، وهناك البرنامج الذى تبنته مصر حول البيئة فى أفريقيا بداية من 2017، ووفقاً لهذه المبادرة، فإن الدول الصناعية الكبرى مطالبة بتعويض أفريقيا عن التخريب الذى تسببت فيه فى القارة بـ100 مليار دولار، جانب من هذه التعويضات لإنقاذ البيئة الطبيعية الهشة للبحر الأحمر، التى يصعب تعويض ثرواتها من الشعب المرجانية، فأى تدمير لهذه الشعب يعنى تدمير ثروة تكونت على مدار ملايين السنين، الحقيقة أن الفرصة الآن، ونحن على بعد أيام من تولى السيسى رئاسة الاتحاد الأفريقى، أفضل لإقامة علاقات أقوى مع أشقائنا، وسندخل لمرحلة جديدة وسيلحظ العالم تغيراً كبيراً فى الأداء المصرى تجاه أفريقيا، والحقيقة أنه حتى فى أيام الرئيس مبارك كان التقصير من جانبه هو وليس من جانب مؤسسات الدولة المصرية، فقد كانت «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية» مثلاً تقدم مساعداتها للأشقاء كما اعتادت منذ تأسيسها، ولم تتوقف عن القيام بدورها أبداً، لكن غياب الرئيس عن حضور القمم عقب محاولة اغتياله فى أديس أبابا فى 1995 هو ما أفقد الحضور المصرى بريقه هناك، وزاد الأمر سوءاً فى عام حكم «مرسى الإخوانى» الذى عقد اجتماعاً هزلياً على الهواء أساء فيه للأخوة فى أفريقيا، وتصرف على نحو غير لائق فى قمة أوغندا عندما تحدث فى أمور خارج الموضوع، ما اضطر رئيس الجلسة لمقاطعته بعد دقائق معدودة، فى المقابل حضر السيسى قمة «مالابو» وتحدث لنصف ساعة ولم يقاطعه أحد، وكانت هذه بداية عودة مصر الحقيقية للاتحاد الأفريقى.
لماذا تقول إن الوقت الآن أفضل لتقوية علاقتنا بأفريقيا؟
- أولاً لأننا أكثر حرصاً الآن على تطوير هذه العلاقات، وثانياً لأننا قادرون أن نقدم يد العون الصادق لأشقائنا، فالقارة تشهد حركة تنمية واسعة وهناك مشروعات كثيرة خصوصاً فى قطاعات البنية التحتية والنقل والطاقة والزراعة والتصنيع، وهذا المجال الأخير هو المنقذ لاقتصادات القارة التى ما زالت تعتمد إلى حد كبير على الصادرات الخام، وتملك مصر إمكانات تمكنها من التعاون بشكل إيجابى فى هذه القطاعات، وتجرى الآن محاولة تسجيل أدويتنا هناك ونستطيع مثلاً أن نقدم العلاج المصرى لفيروس سى بسعر يعادل 1 إلى 20 مقارنة بأسعار مثيله الأجنبى، وفى هذا الإطار هناك مساحة واسعة لإجراء بحوث علمية مشتركة، فنحن كأفارقة أمراضنا واحدة وعلاجنا سيكون أكثر نجاعة من غيره.
ما أهم ما يمكن أن نقوم به حتى تزداد علاقتنا قوة وصلابة بدول القارة؟
- التركيز على مشروعات الصحة والتعليم مدخل إنسانى مهم جداً، وقد بدأنا بالفعل، كما قلت لك، فتح فروع لجامعاتنا فى تشاد وجنوب السودان وكينيا فى الطريق وكذلك إثيوبيا إن وافقت، وهناك عدد كبير من خريجى الجامعات المصرية فى السودان وجنوب السودان، ثم تأتى مشروعات البنية التحتية، وهذه نستطيع أن نقدم فيها الكثير لأن أكبر شركات المقاولات فى القارة مصرية، ونحن مثلاً نبنى بنجاح سداً فى تنزانيا لدعم التنمية هناك، وهذا دليل على أننا لا نعارض حق أشقائنا فى التنمية، ولو كانت إثيوبيا نسقت معنا، ما كانت وقعت فى الأخطاء الفادحة التى وقعت فيها سواء فى المواصفات الإنشائية أو اختبارات التربة ودراسات الجدوى، لكنها سلمت نفسها لشركة إيطالية فلم تحصل على ما تريد.
مشروعات التعليم والصحة مدخل إنسانى مهم لتقوية علاقتنا بأشقائنا فى الجنوب تليها مشروعات البنية التحتية
هناك تغيرات كبيرة تجرى فى إثيوبيا منذ أن تولى «أبى أحمد» رئاسة الوزراء العام الماضى، هل يجب أن نتفاءل أم نقلق من سياساته؟
- إذا بدأ سياسى مساره بالدعوة للسلام وقبول التحكيم الدولى فى نزاعه مع إريتريا، فمعنى ذلك أننا لسنا أمام نظام مشاغب أو مماطل فى أداء الحقوق، ويدرك أن مصالح بلده تتحقق بالتعاون والصدق والأمانة وليس بالتصادم ومحاولة بسط النفوذ فى الإقليم دون مقومات حقيقية، إثيوبيا بلد مهم لكنه لا يمتلك مقومات «الدولة الكبرى»، فلا ثورة فى التصنيع ولا الزراعة وادعاء ذلك ثبت، بعد سقوط النظام السابق لزيناوى وديسالين، أنه كان مبالغة فى غير محلها، وعلى عكس النظام السابق الذى كان يقوم على حكم أقلية جماعة «التيجرى»، فإن «أبى أحمد» ينتمى لأغلبية الأرومو لكنه لا يفكر فى ديكتاتورية الأغلبية، وهذا أمر يدفعنا أن نشجعه ونسانده، ونبدى روح التعاون مع دول حوض النيل الأزرق الذى يشمل مصر والسودان وجنوب السودان وإريتريا، وهذا سيسمح للطرف الآخر وهو دول النيل الأبيض، حيث البحيرات العظمى، بأن تتحرك للإمام، وتعاون هذه الدول معاً يمكن أن يخلق قوة إقليمية كبيرة جداً.
ما الذى يجب أن نحذر منه حتى لا نسىء من حيث لا نعلم للأفارقة؟
- أولاً نحتاج لإعلام منضبط يظهر احتراماً وتقديراً كاملاً لأشقائنا، ولديه معلومات دقيقة حول التقدم الذى أحرزه عدد كبير منهم، يؤكد قدرة الأفارقة على الولوج بيسر أكبر مما كنا نعتقد للقرن الـ21، التعامل مع أفريقيا على أنها مجموعة من الدول المتخلفة، فضلاً عن أنه يجرحهم، هو غير صحيح، وهناك عواصم أفريقية، مثل كيجالى وجوهانسبرج ونيروبى وبريتوريا، أرقى وأجمل من مدن أوروبية، كما يجب ألا تتحول المسابقات الرياضية لمناسبات لإثارة الضغائن والحساسيات، ويجب على كل دعاة الفتنة، عن جهل أو غرض، أن يتواروا خلال بطولة الأمم الأفريقية المقبلة حتى تسود روح رياضية تقرب الشعوب بعضها من بعض، محمد صلاح آثر زميله الأفريقى فى ليفربول على نفسه وترك له تسديد ضربة جزاء، هذا مثال للروح التى نريدها.
حديث الإعلام عن «تخلف» الدول الأفريقية غير لائق وغير صحيح ومدن كيجالى وجوهانسبرج ونيروبى وبريتوريا أرقى وأجمل من مدن أوروبية.. وتفوق الصواريخ الروسية سر خروج واشنطن من معاهدة الصواريخ النووية والصين فاجأت أمريكا ببناء قاعدة عسكرية فى جيبوتى
ما سر الاهتمام الدولى المتزايد بمنطقة البحر الأحمر وسباق التسلح هناك؟
- البحر الأحمر شريان تجارى مهم حتى قبل قناة السويس، وهى منطقة تتسم بالقدرة على استقطاب القوى الدولية الراغبة فى بسط نفوذها على العالم، وكان فى قلب صراع القوى الكبرى منذ فجر التاريخ، وهو قلب الأمن القومى العربى، فهو المجرى المائى الذى يفصل بين المشرق والمغرب، ومكان الاختراق الذى تمر منه إسرائيل إلى شرق أفريقيا ومكان الاختراق الذى تمر منه القوى الكبرى إلى الجنوب، وزادت أهميته لأن العالم الآن فى مرحلة صراع اقتصادى كبير وبالتالى الطلب على الموانئ سيكون كبيراً أيضاً، والجميع يعيد ترتيب أوضاعه خصوصاً مع التغير فى موازين القوى الدولية بعد صعود قوى جديدة على الساحة وتحديداً الصين وروسيا، ما أربك حسابات الولايات المتحدة وحلفائها، أضف إلى ذلك زيادة نفوذ إيران الراغبة فى تطويق العرب من عدة جهات منها جنوب شبه الجزيرة العربية أى البحر الأحمر.
وكيف انعكس التغير فى موازين القوى الدولية على أفريقيا والشرق الأوسط؟
- الولايات المتحدة التى كانت تشعر بالطمأنينة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، فوجئت بعد أقل من عقدين من انتهاء الحرب الباردة بصعود لم تتوقعه للصين وعودة قوية لروسيا، فقد أصبحت الصين أكبر مستثمر ومصدر لأفريقيا، ثم جاءت دول أخرى مثل الهند واليابان بالإضافة إلى إيران وتركيا على نحو متسارع للمنطقة، التى تتزايد فيها مشاعر الإدانة والعداء لأمريكا بسبب اتهامها باصطناع ما يسمى بـ«الربيع العربى»، هذه القوى التى تداعت على المنطقة، بحثاً عن مصالحها المختلفة، بدأت تقيم لجيوشها قواعد عسكرية، والآن تتجاور أمريكا والصين واليابان وفرنسا وإيطاليا فى قواعد عسكرية متقاربة على أراضى جيبوتى وهذا متغير مثير للدهشة والتأمل.
هل أمريكا جادة فى رغبتها الخروج من المنطقة كما أعلنت أكثر من مرة؟ وما دوافعها لذلك؟
- أمريكا كانت تريد فعلاً أن تخفف من وجودها العسكرى فى الشرق الأوسط وتتركه لتركيا وإسرائيل، وتتفرغ هى للبحار الشرقية لمنافسيها هناك: الصين وروسيا وأزمة كوريا الشمالية، لكنها فوجئت أولاً بفشل الربيع العربى الذى دعمته، وفوجئت أيضاً بأن الصين بادرت بفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبى وبدأت فى بناء جزر صناعية على حافة مياهها الإقليمية كقواعد عسكرية متقدمة، ثم بدأت تتحرك خارج المنطقة الآسيوية وأنشأت لأول مرة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر فى جيبوتى فى 2017، كما فوجئت واشنطن أيضاً بالتقدم الهائل الذى حققته روسيا فى تكنولوجيا التسليح، وهذا التقدم هو سبب خروج أمريكا من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، فقد نجح الروس فى تطوير صواريخ دون المستوى المتفق على حظره، أى إنها أنتجت صواريخ بمدى أقصر لا يخالف الاتفاقية، ولكنها أسرع وأكثر كفاءة بما يمثل خطراً على أعدائها، كما أن هذه الصواريخ متعددة الرؤوس أى قادرة على ضرب عدد من الأهداف فى وقت واحد.
وفى المقابل هناك انشقاقات كبيرة فى المعسكر الغربى بعد أن دبت الخلافات بين أمريكا التى ترفع شعار «أمريكا أولاً» وشركائها الأوروبيين، وصعود اليمين المتطرف مؤشر على أن جيل الشباب يؤمن بأن الولايات المتحدة لا تستحق أن تقودهم، ولعل الضغط الأمريكى هو الذى دفع بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبى، لندن وازنت بين مصالحها مع أوروبا ومصالحها مع واشنطن فاختارت واشنطن، والحقيقة أن بريطانيا اختارت من أيام الحربين العالميتين أن تكون تابعة للولايات المتحدة وتخلت لها عن مستعمراتها واكتفت بأن تقتفى أثرها، والأوروبيون الآن يبحثون فكرة تأسيس الجيش الأوروبى حتى يجدوا لأنفسهم مكاناً بين الروس والأمريكان، وكان لهذه التغيرات نتائج كثيرة منها إقبال دول العالم على المناطق ذات التأثير مثل الخليج العربى والبحر الأحمر، فالأولى فيها مخازن بترول العالم والثانية تتمتع بموقع استراتيجى مهم وحاكم، وفى نفس المنطقة يوجد التهديد الإيرانى ومحاولات التصدى له.
كيف كانت تخطط أمريكا للمنطقة قبل هذه المتغيرات؟
- أمريكا كانت تظن أن اصطناع ربيع عربى تقوده تركيا من مقر الخلافة القديم قادر على إضعاف كل الدول العربية بشكل يمكن حليفيها، الإسرائيليين والأتراك، من قيادة الشرق الأوسط نيابة عنها، وتخرج هى من المنطقة، كما قلت لك، لتتابع عن كثب ما يفعله الصين والروس فى شرق العالم، لكن هذا النهج تغير وانكسر بعد ثورة 30 يونيو فى مصر، إذ بدأت سوريا تستعيد عافيتها والجيش الوطنى فى ليبيا يكتسب أرضاً جديدة، وبدأت مشاعر الإدانة لأمريكا والاحتجاج عليها تتزايد.
تحالف دول البحر الأحمر هدفه الحفاظ على أمن واستقرار المجرى المائى الحيوى بيد دول المنطقة.. وأمريكا أرادت تخفيف وجودها العسكرى لإحلال إسرائيل وتركيا.. وأصبح لمصر أسطول بحرى خاص بأمن البحر الأحمر قوامه الحاملة «جمال عبدالناصر» وجارٍ إحياء الأسطول التجارى الذى توقف منذ عهد «عبدالناصر»
عودة إلى منطقة البحر الأحمر، ماذا كان موقف الدول العربية وهى ترى سباق التسلح من دول العالم فى هذا الشريان المائى ومنطقتى شرق أفريقيا والقرن الأفريقى؟
- الدول العربية بدأ تلاحظ بقلق الوجود الأجنبى المتزايد فى منطقة البحر الأحمر وشرق أفريقيا ومحاولات إيران تطويقها بالسيطرة على الهلال الخصيب القديم من العراق إلى لبنان شمالاً، وجنوب شبه الجزيرة العربية، أى البحر الأحمر، وتتخيل إيران أنها تستطيع أن تنقل بترولها بعيداً عن مناطق التوتر فى الخليج العربى عن طريق العراق ثم إلى سوريا ومنها إلى أى مكان عبر البحر المتوسط، وبالتالى تستطيع أن تقول فى لحظة من اللحظات إنها تسيطر على 4 عواصم عربية، هى صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد والبقية تأتى، هذا التفكير استدعى وقفة عربية، وبدأ العرب فى سد الثغرات، فإذا كانت إيران تريد الوصول إلى سوريا فمن باب أولى أن نصل نحن ما انقطع معها، وبدأوا تعديل مواقفهم من دمشق تدريجياً، وبدأ خروج دول الخليج للبحث عن موانئ ومناطق صناعية فى منطقة شرق أفريقيا وليس فقط البحر الأحمر، لكى تضمن ركائز لها هناك ولا تترك هذه المنطقة الحيوية لإيران أو غيرها، فى هذا الإطار تم طرح فكرة تحالف الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، وبطبيعة الحال جرت مناورات مشتركة مع الأردن والسعودية والسودان وإريتريا وجيبوتى بهدف ضمان أمن البحر، بحيث لا نكتفى بمراقبة تحركات القوات الخارجية هناك ويكون أمن البحر الأحمر فى يد دول المنطقة وبقواها الذاتية، وجرى الإعلان مؤخراً عن مدينة جدة مقراً لهذا التكتل الجديد، وبهذا أصبح حائط الصد فى مواجهة إيران سداً كبيراً يمتد من الساحل الأفريقى عبر مياه البحر الأحمر للساحل الآسيوى.
احتواء الخطر الإيرانى هو هدف دول الخليج من هذا التحالف لكن ماذا عن الأولويات المصرية؟
- الأولويات المصرية كثيرة، فالبحر الأحمر هو الامتداد الطبيعى لقناة السويس، ومعبر لنحو 11% من تجارة البترول العالمية، والجزء الأكبر من سياحتنا الخارجية يعتمد عليه، كما أننا بدأنا البحث والتنقيب عن الغاز والبترول فى مياهنا الاقتصادية بعد ترسيم الحدود مع السعودية، ومع تطوير المنطقة اللوجيستية الجديدة شرق بورسعيد، وإعادة تأهيل سيناء لتكون منطقة صناعية، ستزيد حاجتنا للبحر الأحمر ولذلك أعادت مصر إنشاء أسطول عسكرى لتأمينه وجار إنشاء أسطول تجارى أيضاً.
هل نحن فى حاجة لقاعدة عسكرية فى القرن الأفريقى أم أن موقعنا يغنينا عن هذا؟
- موقعنا متميز، لكن هذا لا يمنع من التنسيق مع الأشقاء على ساحلى البحر، الأفريقى والآسيوى. فى الوقت الحالى تجرى عملية تأهيل واسعة للموانئ ومن الممكن أن يكون البحر الأحمر بداية لمشروع عربى وأفريقى، بحيث يكون مجراه فرصة للتعاون وليس الغزو.
لكن أين نصيب الدول الحبيسة مثل إثيوبيا من الترتيبات التى تجرى فى البحر الأحمر وشرق أفريقيا؟
- سؤال مهم جداً، وأرى أنه بات من الضرورى الإقرار بحق الدول التى تقع وراء دول البحر الأحمر فى شرق أفريقيا، وأعنى بذلك إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان، فى أن تصل إلى الموانئ بطرق أيسر من ذى قبل من خلال الاستثمار فى النقل البرى وتحديداً السكك الحديدية وأساطيل سيارات عملاقة كتلك القائمة بيننا وبين ليبيا، بالإضافة طبعاً للنقل النهرى عبر بحيرة فيكتوريا، كل هذه الوسائل يمكن أن تساعد فى نقل صادرات وواردات هذه الدول وصولاً لميناء مصرى مقترح على البحر المتوسط، يمكن إقامته بين العلمين ومطروح ويسمى مثلاً «ميناء حوض النيل»، وهو ما يوفر منفذاً لصادرات هذه الدول لشمال أفريقيا وأوروبا، وفى نفس الوقت نحل جزءاً من أزمتنا فى الغذاء الذى نستورده بأسعار أعلى من أوروبا، ويمكن أن ننسق فى ذلك مع مبادرة الحزام والطريق الصينية.