يبدو أن التاريخ الذى سجل لمصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر دورها فى دعم حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا، والمساهمة فى استقلال 34 دولة من الاستعمار خلال 15 عاماً فقط، منذ قيام ثورة يوليو 1952 حتى عام 1967، سيبدأ من هذا العام 2019 تسجيل دور جديد لمصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو قيادة القارة السمراء مرة أخرى نحو التحرر الاقتصادى.
فى كلمته عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الأفريقى، قال «السيسى» مخاطباً القادة الأفارقة: «تخلصنا من الاستعمار وإن بقيت آثاره ورواسبه، وما زلنا نعمل جاهدين على ترسيخ مقومات السلام والأمن والاستقرار، وعلى تحقيق التكامل الاقتصادى»، وفى عبارات متفرقة، دعا إلى تبنى مشروعات قارية وإقليمية ضخمة لتوفير أكبر قدر من فرص العمل لمواطنى القارة، وتكثيف التعاون العلمى للاستفادة من قدرات أفريقيا الطبيعية لتنويع مصادر الطاقة، وخاطب «السيسى» شركاء أفريقيا فى العالم «الشراكة مع أفريقيا فرصة حقيقية لتحقيق المصالح المشتركة واستثمار رابح اقتصادياً وتنموياً».
وأكد «السيسى» أنه ومن خلال رئاسته للاتحاد الأفريقى، سيسعى إلى تعميق التعاون مع شركاء القارة الحاليين لاعتماد خطط قابلة للتنفيذ، تعود بالنفع على شعوب القارة بنتائج ملموسة، واستهداف بناء القدرات الأفريقية، ونقل المعرفة، وتحديث منظومة التصنيع، وتطوير البنية الأساسية والتكنولوجية، وإرساء قواعد الاقتصاد الرقمى.
فى كتابه «فلسفة الثورة» أكد الرئيس عبدالناصر أن الدائرة الأفريقية هى الثانية فى دوائر سياستنا الخارجية، وبعده انشغلت مصر بمعركة تحرير الأرض، ثم معركة التنمية، أكثر من 40 عاماً مرت قبل أن يعلن «السيسى» أمام القمة الأفريقية فى يونيو 2014، فور توليه رئاسة مصر، عن إنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، لتقدم مصر لدول القارة من خلالها خبرتها فى مجالات متعددة، فى الدبلوماسية، والزراعة والرى، والنقل، والطاقة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والرعاية الصحية، والأمن ومكافحة الإرهاب، والدفاع.
فى خمس سنوات فقط قام «السيسى» بنحو 25 زيارة لدول أفريقية، تمثل 30% من زياراته الخارجية (86 زيارة)، فى تأكيد واضح أن مصر عادت لأفريقيا، عادت وهى تعى تماماً تطورات الزمن، ومعايير العصر وأولوياته، وتشابك العلاقات الدولية، واختلاف موازين القوى العالمية، فأفريقيا الخاضعة للاستعمار، رغم بقاء «آثاره ورواسبه»، ليست هى أفريقيا المحررة.
انتهت مرحلة التحرر الوطنى الذى قادته مصر، وبدأت مرحلة التحرر الاقتصادى الذى ستقوده مصر أيضاً، مستلهمة نضالات الآباء العظماء: «عبدالناصر، ولومومبا، وسيكوتورى، ونكروما، وبن بيلا»، فى إنجاز التحرر الوطنى، ومدعومة بتجربتها الراهنة واللافتة لكل العالم فى التنمية.
مصر تدرك تماماً ما لدى أفريقيا من مقومات وثروات طبيعية، ما يؤهلها لتحقيق خطوات جادة وحقيقية على طريق التحرر الاقتصادى، وهو ليس إدراكاً حصرياً، العالم كله يدرك ذلك أيضاً، والدول الكبرى تسعى لاحتلالها اقتصادياً (احتلال عصرى) بديلاً عن الاحتلال العسكرى، الولايات المتحدة والصين وروسيا وحتى إيران وتركيا وإسرائيل، الكل «طمعان».
«العمل الأفريقى المشترك لم يعد خياراً، إنما أصبح أمراً حتمياً فى ظل ظرف دولى ملىء بالتحديات والصعوبات التى لن تستطيع الدول مواجهتها فرادى»، هكذا تحدثت مصر على لسان «السيسى»، لتؤكد عزمها على مواصلة التزامها التاريخى تجاه أفريقيا.
نفخر دائماً بدور مصر فى تحرير أفريقيا من الاستعمار العسكرى، ونأمل أن يفخر أبناؤنا وأحفادنا بدورها فى تحرير القارة السمراء من الاستعمار الاقتصادى.