فى الانتخابات نفكر بعيداً عن الصندوق ونؤكد قرارنا أمامه، وفى كرة القدم نفكر ونتأنى خارج الصندوق وننفذ داخله، أما فى الحياة العادية فالأصل هو التفكير والتحليل والتنفيذ خارج الصندوق طوال الوقت.. صندوق حياتنا به الكثير من الأفكار لكنها عادة تقليدية ومتاحة للجميع، وحلول المشاكل غالباً ما تقبع خارج الصندوق تحتاج لمن يلتقطها من هناك.. وحل المشكلات بشكل مبتكر ليس معناه أن تبتكر نظرية النسبية أو تبنى آلة الزمن، فالحل قد يكون سهلاً وبسيطاً ومتاحاً للجميع ولكنه ليس منظوراً للكل. من أشهر المواقف التى تجلت بها فكرة إيجاد الحلول غير التقليدية كانت تلك المشكلة التى واجهت علماء الفضاء وتمثلت فى استحالة الكتابة بالقلم الحبر خارج الغلاف الجوى للأرض، لأن انعدام الجاذبية يجعل الحبر معلقاً لأعلى طوال الوقت. قامت «ناسا» بدفع ملايين الدولارات لكى تصنع قلماً يقاوم الجاذبية، ولكن ارتفاع التكلفة أوقف الأبحاث، فجاء الحل عن طريق صانع الأقلام الأمريكى الشهير «بول فيشر» الذى حصل منتصف الستينات على براءة اختراع قلم (AG7) المضاد للجاذبية. أما الاتحاد السوفيتى فكان أكثر ابتكاراً ووجد حلاً بسيطاً يقبع فى الظلام خارج الصندوق، حيث قام -ببساطة- باستخدام القلم الرصاص!
أنا شخصياً لو كنت موجوداً فى هذا العصر لكتبت بالقلم الحبر العادى مع وضع الورقة لأعلى والقلم من أسفل.
وللأمانة فإن كلاً من أمريكا والاتحاد السوفيتى قاما لاحقاً باستخدام قلم «فيشر» لأن أطراف أقلام الرصاص المكسورة وغبار الجرافيت المتطاير شكّلا خطورة على الأجهزة الإلكترونية للمعدات الفضائية.
لى صديق يعمل بالمقاولات، اعتاد لسنوات أن يبنى عمارات بأدوار مخالفة زائدة متحججاً بأنه يساعد فى حل أزمة الإسكان، وهذا سلوك يضغط على شبكة البنية التحتية للمحافظات بأكثر مما تتحمل، لكنه أيضاً يعكس مشكلة كبيرة فى القوانين المنظمة لارتفاعات المبانى والتى يبدو أنها تحتاج إلى تعديلات لأنها اصطدمت بالواقع، ولأن منطق الأشياء يحتم أن تفوز قوانين الانتخاب الطبيعى على أى قوانين وضعية.. لكن الدولة الآن ضربت هذه المخالفات بيد من حديد، وتوقف الأمر تماماً إلى حين، ولكن دون تعديل القوانين وتنفيذها بإحكام، ستعود الأحوال بعد فترة كما كانت.
تعانى مصر من عدد من المشاكل الخطيرة التى لن تجدى معها حلول تقليدية، من هذه المشكلات تلك المتعلقة بالبناء المخالف بسوق العقارات. الحل التقليدى يتضمن مراجعة القوانين المنظمة للأمر وتطبيقها بحزم، ومحاربة منظومة الفساد فى الأحياء، واستنزاف قوى الشرطة والجيش فى هدم عشرات الآلاف من العقارات، بما يتضمنه ذلك من خسارة ثروة عقارية موجودة بالفعل على الأرض.
الحل غير النمطى قد يكمن فى قانون تصدره الدولة المصرية يقضى بأن الأدوار المخالفة جميعها، والتى ستبنى بدءاً من يوم إصدار القانون، هى ببساطة خاضعة للانتفاع العام وستكون مملوكة للدولة، ومن سيشتريها فهو ببساطة يشترى الترام أو يؤجر قصر الاتحادية، ومن يبيعها فهو نصاب لأنه يبيع ما لا يملك، ومن يبنيها من الأساس هو ساذج يضيع أمواله هباءً. بعد هذا القانون لن يغامر أحد بالبناء المخالف وإن فعل ستحصل الدولة على وحدات سكنية مجانية يمكنها استخدامها فى مآرب كثيرة.