الممارسة الطبية فى حالة تطوّر وتقدّم وإدخال تخصصات جديدة طوال الوقت، واستخدام تكنولوجيات متقدمة ومكلفة؛ لذلك هناك ضرورة مستمرة لمراجعة برامج التعليم الطبى وإدخال ما هو جديد.
فى عام 1982 اجتمع عدد من المهتمين بالتعليم الطبى فى العالم فى مدينة ليدز، بإنجلترا، مع كلية الدراسات العليا للأمراض الباطنية فى إنجلترا؛ لتطوير شهادة Mrcp (زمالة كلية الطب الباطنية بإنجلترا). ثم اجتمعنا مرة ثانية فى لندن عام 1998 لمراجعة نتائج التطوير، وجميع كليات الطب بالعالم تُراجع برامجها من حين لآخر وتستفيد من خبرة الآخرين.
حضرت أول مؤتمر لتطوير التعليم الطبى فى مصر عام 1962 وكنت عائداً من إنجلترا بعد أن عملت أربع سنوات فى كلية الدراسات العليا بإنجلترا، وكان عندى بعض الاقتراحات للتطوير، من بينها جعل السنة التدريبية جزءاً من الدراسة تحت إشراف كلية الطب وإدخال نظام التفرغ الكامل للأساتذة مع إمكان وجود عياداتهم فى المستشفى الجامعى، ولم يطبق هذا النظام.
أثناء رئاستى للنقابة، دخلت النقابة فى صراع مع الدولة لتقليل أعداد المقبولين فى كليات الطب لإعداد فرصة أفضل لتعليم وتدريب أطباء المستقبل.
فى عام 1978 عقدت النقابة المؤتمر الأول للتعليم الطبى على نفقتها الخاصة فى الفيوم.. حضر الاجتماع، الذى تم بالاشتراك مع لجنة التعليم الطبى فى المجلس الأعلى للجامعات، ممثلون عن كل الكليات ووزارة الصحة والقوات المسلحة. وقررنا إعادة التنسيق للدراسة وإلغاء السنة الإعدادية وضمها إلى الدراسة الإكلينيكية، أى الدراسة للمرضى وللأمراض، بالإضافة إلى عام التدريب وتقليل أعداد المقبولين فى كليات الطب وعدم فتح كليات طب جديدة إلا بعد استكمال المقومات الرئيسية للكلية وهى المعامل ومستشفى جامعى مناسب يحتوى على كل التخصصات ومستوى رفيع من الأداء. ولم ينفذ سوى إلغاء السنة الإعدادية، وزادت أعداد المقبولين وتم فتح كليات الطب بإمكانيات هزيلة وصلت إلى أن هناك كلية طب فى الصعيد من دون مستشفى وكليات طب فى الدلتا أنشئت فى مبنى مدرسة ثانوية قديم، واعتمدت على أحد المستشفيات البدائية فى التجهيز والإعداد والقوى العاملة.
فى عام 1981 تم عقد المؤتمر الثانى للتعليم الطبى، فى الفيوم أيضاً، بواسطة النقابة ولجنة التعليم الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات، وتم اقتراح إنشاء «الزمالة المصرية» للتخصصات المختلفة تعتمد على فترة تدريب موصف فى أماكن معترف بها بناءً على برنامج يشمل جوانب التخصص، ثم يُعقد امتحان أولى فى أساسيات التخصص ثم امتحان نهائى فى الجوانب الإكلينيكية للتخصص بعد التأكد من فترة وكفاءة التدريب.
استفاد مجلس وزراء الصحة العرب وباقى الدول العربية بهذا الاقتراح وتم إنشاء «الزمالة العربية» ورفضت مصر الاشتراك، بالرغم من موافقة النقابة، وقامت وزارة الصحة بإنشاء برنامج «الزمالة المصرية»، تابع لها، بواسطة جهود وزير الصحة الهمام إسماعيل سلام، وبدعم النقابة.. وبعد سنوات من عمل البرنامج تم عمل الزمالة المصرية بقرار من رئيس الوزراء وصدر قرار بإنشاء زمالة أخرى تتبع مجلس الجامعات.
دون النظر للوضع الحالى وما حققته الزمالة المصرية الحالية من إنجازات وإلغاء دور وزارة الصحة تماماً فى المشاركة فى أى قرارات للتطوير سواء على مستوى التعليم الطبى أو الدراسات العليا أو المستشفيات الجامعية، مع العلم بأن التأمين الصحى الشامل هو الذى سيكون تحت إشراف وزير الصحة وهو الممول الرئيسى لكليات الطب والمستشفيات الجامعية عندما تنضم إلى منظومة علاج حالات التأمين الذى سيشمل جميع المواطنين وسيكون هناك علاقات مستمرة بين الصحة والجامعات وكذلك التجاهل التام لنقابة الأطباء التى يرأسها عميد سابق لكلية رائدة فى مصر وهى كلية طب قصر العينى مخالفة بذلك قانون النقابة والدستور الذى أعطى للنقابات المهنية دوراً خاصاً فى تطوير مهنهم.
خلاصة القول أن التعليم الطبى فى مصر فى حاجة إلى تطوير وإلى نظرة جديدة تبدأ بتقليل أعداد المقبولين لكى تتناسب مع إمكانيات التعليم والتدريب الجيدين وكذلك تقييم الوضع الحالى للتعليم وإلى تجربة السنة التدريبية، وهل أدت ما هو مطلوب منها فى تدريب موصف ومُقيَّم والتأكد من فعاليتها.
وأبدأ بالقول بأن السنة التدريبية لم تحقق أياً من أهدافها ولا توجد كلية طب من بين 22 كلية حكومية تطبق برنامجاً موصفاً للتدريب والتقييم حتى فقد الطلاب اهتمامهم بهذه السنة، وطول الوقت يتجمعون فى أرجاء المستشفى للثرثرة والقيام بمهام غير ذات أهمية بالتدريب أو العلاج، وعندما يُتخذ قرار غير مدروس ولم يناقشه الأساتذة فى الكليات ولا وزارة الصحة ولا نقابة الأطباء ولا اللجان المختصة، بخصم عام كامل من الدراسة الإكلينيكية والعملية وضم هذا العام إلى سنة تدريبية أخرى غير مؤثرة ستفشل مثلما فشلت السنة التدريبية الحالية ويكون هناك عامان فاشلان من بين الدراسة الإكلينيكية والإعداد لمزاولة المهنة وكان المطلوب تقييم السنة التدريبية الحالية ووضع نظام للتقييم، وجعل هناك وكيل للعميد للسنة التدريبية وهناك نظام للتأكد من جدوى التدريب والموافقة فى نقابة الأطباء والموافقة على امتحان شامل لكل الكليات قبل القيد فى النقابة والسماح بمزاولة المهنة، وهذا ما اقترحته نقابة الأطباء ورفضته الكليات. وعند التأكد من جدوى هذا النظام الحالى وإيجاد أماكن تسع التدريب لأكثر من ثلاثة آلاف طالب وطبيب فى السنة الواحدة هم خريجو عامين من التدريب لأكثر من ألف طالب فى كل دفعة بالإضافة إلى طلاب الدراسات الإكلينيكية وهم طلاب السنة الرابعة والخامسة فى الكلية، وكل ما تحصل عليه الكلية الجامعية لا يزيد على خمسمائة سرير فى المستشفى الجامعى، والكليات الخاصة لديها ما لا يزيد عن ثلاثمائة سرير فقط فى تدريب 250 خريجاً فى كل دفعة.
عتابى شديد على وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات فى اتخاذ قرارات متسرعة دون دراسة كافية ودون أخذ رأى الخبراء فى التعليم الطبى ولدينا عدد لا بأس به على المستوى المحلى والعالمى، وكان يمكن وضع مشروع قانون للدراسة وإدخال التحليلات الضرورية لنجاح أى تطوير، مثلاً إعطاء فرصة خمس سنوات لتطبيق برنامج لتدريب الخريجين الجدد وإمكان إضافة عدة مستشفيات لوزارة الصحة لاستخدامها فى تدريب خريجى كل كلية تحت إشراف أساتذة متمرسين فى التعليم والتدريب تحت إشراف وكيل العميد للتدريب.
وتصورى أنه ستحدث مشاكل كثيرة عند تطوير القانون الجديد للتعليم، الذى فاجأنا، ودون دراسة كافية، ويجب أن يبدأ التطوير بتخفيض أعداد المقبولين بكليات الطب والاستماع إلى رأى وزارة الصحة وهى التى يجب أن نستمع إليها فى ضرورة أن تتناسب أعداد المقبولين فى كليات الطب واحتياجات الخدمة الطبية فى ناحية العدد والتنوع وتنوع الاختصاصات وكذلك الاستماع إلى رأيها بأن تكون نسبة كبيرة من الخريجين يتجهون إلى الممارسة العامة وطب الأسرة تلبية لاحتياجات التأمين الصحى الذى سيطبق على جميع المواطنين فى خلال 14 عاماً وهى مسئولية كبيرة تحتاج إلى مساعدة كل قادر وكل صاحب رأى وعلى رأسهم جميعاً وزارة الصحة ونقابة الأطباء.