إدكو.. «صيد جائر» وتعديات وتلوث وصياد يتحدى: «الجدع ياكل سمكة واحدة من سمكها»
تلوث البحيرة بمياه الصرف يهدد مستقبلها
«محاصرون بين التلوث واختراق البعض للقانون والصيد الجائر، وغيرها من مشكلات تؤثر على رزقنا، وبين متطلبات الحياة وأفواه أبنائنا المفتوحة، وفى كل يوم ننتظر من ينقذنا بحماية الثروة السمكية فى البحيرة، لكن دون جدوى فالحملات وهمية لا تفضى إلى نتيجة حقيقية، والمسئولون يتنصلون من مسئولياتهم وكل منهم يلقى بها على عاتق الآخر».. هكذا تحدث صيادو بحيرة «إدكو» عما آل إليه حال البحيرة وحالهم معاً، مطالبين بسرعة تدخل الدولة لإنقاذ مستقبل الثروة السمكية مما تتعرض له يومياً من تعديات.
يقف إبراهيم حسن، 52 عاماً، الذى يعمل فى مهنة الصيد منذ كان عمره 8 سنوات، فهى مصدر رزقه الوحيد للإنفاق على أسرته وسط مجموعة من الصيادين، تظهر على وجوههم علامات الضيق واليأس مما وصلت إليه البحيرة، وقال إن «الصيد الجائر أصبح ينتشر بشكل كبير، وله صور متعددة، تضر بمستقبل الثروة السمكية، وإن أخطر أشكاله هو فتح أصحاب المزارع السمكية أبوابها أمام من يجمعون الزريعة، وهى الأسماك الصغيرة، وذلك يعتبر مُخالفاً للقانون»، مضيفاً «أن هناك بنداً فى القانون ينص على أن فتح بوابة أى مزرعة سمكية للصيد الجائر أو الاعتداء على البحيرة يُؤدى إلى فسخ عقد المزرعة فى الحال»، وأكد إبراهيم أن «النوع الآخر من الصيد الجائر هو صيد الزريعة من البحيرة وبيعها للمزارع السمكية، وذلك أيضاً يُعتبر مُخالفاً للقانون»، موضحاً «فيه صنعة جديدة طلعت فى البحيرة اسمها (الجاروف) وده عبارة عن غزل يرميه الصياد مساحة فدانين أو ثلاثة ويجمع الزريعة فى دائرة مساحتها 10 أمتار فى 10 أمتار، عشان يلم أكبر كمية من السمك، ويلموا زريعة البلطى ويودوها مصانع العلف الموجودة فى مختلف أنحاء الجمهورية، وهناك بقى ينشفوه ويفرموه ويدخلوه ضمن مكونات العلف»، وأشار إلى غياب التنسيق بشكل كامل بين هيئة «الثروة السمكية» ومجلس مدينة إدكو وشرطة المُسطحات المائية «كل واحد فيهم بيرمى المسئولية على الطرف التانى، سواء الرقابة على المخالفات أو تنظيم عملية الصيد داخل البحيرة»، واصفاً الحملة التى شنتها الحكومة لتطهير البحيرة بـ«أنها حملة وهمية»، وأضاف: «محدش فينا كصيادين شاف أى شكل من أشكال التطهير فى البحيرة، وللأسف نتيجة اللى بيحصل فيها هييجى اليوم اللى هيبقى الصياد فيه مش لاقى ياكل وهينزل يشحت فى الشوارع».
عوض أبوالمكارم، 50 عاماً، يعمل صياداً من صغره أيضاً، يطالب بإنشاء محطة معالجة مياه، تحديداً عند منطقة كوبرى كوم حمادة، لمعالجة مياه البحيرة من التلوث المقبل إليها من 3 مصادر: الصرف الصناعى الخاص بالشركات، والمصرف الخيرى (صرف صحى) الذى يخدم قرى مركز دمنهور، والصرف الزراعى، الخارج من الأراضى الزراعية المجاورة، مؤكداً ««لو أنشأنا محطة المعالجة هنقدر نتخلص من 80% من حجم التلوث بالبحيرة، وده مطلب جميع الصيادين العاملين بالبحيرة»، حصل عوض، الذى تولى منصب أمين عام نقابة صيادى إدكو لمدة 16 عاماً، ويتولى الآن رئيس لجنة البحيرة بحزب المحافظين، وزملاؤه على أحكام قضائية كثيرة ضد التعديات التى تشهدها البحيرة، قائلاً «رفعنا قضايا كثيرة ضد التعديات والمخالفات والتلوث فى البحيرة وكسبناها بس مفيش أى أحكام بتتنفذ، ومعانا أحكام من 2007 محدش فكر ينفذها»، مطالباً بحل جمعيات الصيادين فى إدكو «لأن مفيش أى فائدة منها خالص».
أيمن إبراهيم، 44 عاماً، اضطر لتخفيض أيام العمل بالبحيرة، لتصبح يومى الخميس والجمعة من كل أسبوع، بعدما كان يعمل كل يوم، وذلك للبحث عن عمل آخر يوفر له دخلاً يكفى الإنفاق على احتياجات أسرته، وقال «اللى هيشتغل قانونى فى الشغلانة دى مش هيلاقى ياكل أصلاً»، مشيراً إلى أن مصادر تلويث بحيرة إدكو كثيرة، من بينها القرى المطلة عليها، التى تُلقى بالصرف الصحى فى المجرى المائى، وأضاف «فيه قرى كثيرة هنا معندهاش منظومة صرف صحى وبترمى الصرف بتاعها فى البحيرة بشكل مباشر، وفيه كمان محطة صرف صحى فى كفر الدوار بترمى الصرف بتاعها فى البحيرة من سنين طويلة، وبصراحة التلوث ظاهر للجميع ومحدش بيعمل حاجة لمنعه من سنين فاتت»، وأكد إبراهيم أن «محطة الصرف الصحى بقرية المعدية أنشئت فى عام 2007، لكنها لم تعمل حتى الآن، ولا أحد يعرف أسباب عدم استكمال تجهيزها وتشغيلها، رغم مرور 12 عاماً على إنشائها»، مضيفاً «أتحدى أى حد يأكل سمك البحيرة فى الفترة الحالية، لأن حجم التلوث فى البحيرة بقى بنسب عالية للغاية، وأمراض كثيرة تصيب الصياد والمواطن بسبب التلوث اللى انتشر فى إدكو كلها»، وقال إنه لا بد من حل أزمة إلقاء الصرف الصحى بالبحيرة، وبناء محطات بشرط تصريف مخلفاتها بعيداً عن المجرى المائى، للحفاظ على الثروة السمكية، مضيفاً باستنكار «يا يردموا البحيرة كلها أحسن طالما مش قادرين يطهروها ويستفيدوا منها، وتقريباً إدكو دى منسية ومش على خريطة اهتمام الحكومة أساساً»، وأكد أنه «سمع منذ شهر تقريباً عن حملة للتطهير استمرت يوماً واحداً ووقتها علم أن المحافظ ومدير الأمن جاءا لإزالة بعض التعديات».
على بعد أمتار قليلة من أكوام القمامة المنتشرة على شاطئ البحيرة بقرية المعدية، التابعة لمركز إدكو، وقف سلامة سنيور، 56 عاماً، عضو جمعية الصيادين بالقرية، يوضح ضعف رقابة شرطة المسطحات المائية، وإدارة البحيرة، مضيفاً «البحيرة منسية ومفيش حد بيمثلها ولا بيسأل عليها»، وتطرق سلامة إلى الحديث عن بلطجية ملثمين يهاجمون الصيادين بمنطقة الطريق الدولى، مضيفاً: «بيخربوا فى البحيرة وبيهددوا الصيادين، لأن مفيش أى رقابة أو حماية للصيادين، وبنبقى راميين الشبك فى البحيرة ويهجموا علينا بالسلاح، وبنضطر ساعتها إننا نسيبلهم كل اللى معانا»، يتعرض الكثير من الصيادين لحالات سرقة وتعدٍ أثناء الصيد، وفقاً لـ«سلامة»، الذى قال «لما نروح نشتكى يطلبوا مننا اسم الشخص اللى هجم علينا، طيب وده أعرفه منين وهو ملثم ووشه مش ظاهر، وحصل معايا الواقعة دى أكتر من مرة، وفيه صيادين كتير اتاخد منها كل حاجة كانت معاهم من أدوات للصيد والفلوس والموبايلات»، وأشار إلى أن «الصياد يستخرج رخصة وكارنيه صيد وبطاقة ضريبية ويدفع تأمينات، ورغم كل ذلك لا يجد الحماية داخل البحيرة التى يعمل بها»، موضحاً أن البحيرة لم تسلم من التعديات بأشكالها المختلفة، التى لم تجد من يتصدى لها على مدار السنوات الأخيرة، وقال سلامة «أبراج الكهرباء رادمة مساحات كبيرة فى البحيرة، واتفقنا مع المسئولين على تطهير المنطقة المُحيطة بالأبراج كل سنة لكن ده للأسف مبيحصلش، والمساحات دى كل يوم بتزيد عن اللى قبله»، مضيفاً أن «هناك مناطق داخل البحيرة تم ردمها وتحولت إلى أراض زراعية أو مساكن عشوائية، كما أن هناك أيضاً الكثير من المزارع السمكية تم بناؤها على البحيرة»، وتابع «بين كل المشاكل دى الصياد ضايع بيدور على أكله، ويا ريت على الأقل الصياد يلاقى خدمة مقابل اللى هو بيدفعه»، مؤكداً أنه لا يعلم شيئاً عن أى حملة تطهير قالت الحكومة إنها نفذتها فى البحيرة، وتحديداً بالمنطقة الشرقية، التى لم تشهد أى عمليات تطهير منذ العام 2011. وفى ختام حديثه طالب سلامة بحل كل جمعيات الصيادين «مالناش أى نشاطات ولا خدمات وإحنا مجرد جمعيات على ورق، وكله بيمضى ويمشى وهو مش عارف هو بيمضى على إيه».